ضمن سياسة الضمّ الزاحف ومحاولات السيطرة على المناطق "ج"، التي تشكّل 60% من مساحة الضفة الغربية، نشرت إسرائيل في العقد الأخير، ومن خلال أذرعها الاستيطانية المختلفة عشرات المزارع الاستيطانية، التي تقوم على ما يُعرف بنمط الاستيطان الرعوي، والتي باتت تمتدّ وتسيطر على مساحات شاسعة من هذه المناطق، خاصة في منطقة الأغوار.
وكما كان دارجا مع سائر البؤر الاستيطانية، تقوم الأذرع الاستيطانية، وفي هذه الحالة "أماناه"، بإنشاء هذه البؤر والمزارع بدون ترخيص أو إذن من سلطات الجيش الإسرائيلي، صاحب الصلاحية القانونية على أراضي الضفة الغربية. وبالرغم من ذلك، تحظى بالمياه والكهرباء والخدمات الأخرى إلى جانب الحماية الضرورية لأفرادها وقطعانها من جانب عناصر هذا الجيش، على امتداد المساحات التي تستطيع الوصول إليها، ثم يبدأ لاحقا اللوبي الاستيطاني في الكنيست والحكومة الإسرائيلية بالترويج لتنظيم هذه البؤر، ومنحها التصاريح والتراخيص اللازمة، وإسباغ الشرعية القانونية عليها.
وإذا كانت تلك العملية تستغرق في الماضي بعض الوقت، وبعض الجهد، وتُجابَه بمعارضة سياسية داخلية من قِبل بعض القوى الإسرائيلية المناوئة للاحتلال، فإنها تجري اليوم بشكل شبه "أوتوماتيكي"، بعد تآكل هذه القوى وانقراضها، وتبلوُر إجماع إسرائيلي حول الاستيطان والضم في مناطق "ج"، التي تشكِّل الأغوار نسبة كبيرة منها، لذلك لم نسمع أي صوت إسرائيلي معارض لخطة ما يُسمى بالإدارة المدنية، التي كُشف عنها مؤخرا، والتي سيتمّ بموجبها شرعنة عشرات بؤر مزارع الرعي الاستيطانية.
وسيتم إسباغ الشرعية القانونية على هذه البؤر بواسطة ما وُصف بأنه إجراء إداري جديد يتطلب أن تكون تلك المزارع قائمة على ما يُسمى أراضي دولة، وأن تتحصّل على تصاريح من وزير الأمن ووزارة القضاء، ومن شأن هذا الإجراء الذي صُمّم لدفع إقامة مزارع رعي استيطانية جديدة في الضفة الغربية، أن يشرعِن نحو 40 مزرعة قائمة فعلا.
وتسيطر هذه المزارع التي تجاوز عددها الـ50 بؤرة، وتُعتبر النمط الاستيطاني الأكثر شيوعا في العقد الأخير على ربع مليون دونم من مساحة المنطقة "ج"، وهي مُقامة غالبا على ما يسمى أراضي دولة، أو على حدود "المناطق العسكرية" و"المحميات الطبيعية"، وهي تسميات تشكّل هي الأخرى وسائل لمصادرة الأرض والسيطرة عليها، كما يقوم بعض تلك المزارع على أراض فلسطينية خاصة.
ويرى سكرتير الحركة الاستيطانية "أماناه" زئيف حفير (زامبيش) أن المزارع الاستيطانية الرعوية، هي وسيلة أكثر نجاعة من البؤر التي تعتمد البناء الاستيطاني، ويكشف أن المستوطنات سيطرت بعد مضيّ 50 سنة على 100 كم مربع من مساحة الضفة الغربية، بينما أصبحت المزارع الرعوية الاستيطانية تسيطر خلال فترة قصيرة على أكثر من ضعف هذه المساحة.
ولا تقتصر "فائدة" هذا النمط الاستيطاني على السيطرة على مساحات شاسعة من الأرض الفلسطينية بأقلّ عدد من المستوطنين، بل يستهدف أساسا التضييق على السكان المحليين الفلسطينيين، والسطو على مراعيهم، وسرقة أراضيهم ومصادر مياههم، من خلال الاعتداء عليهم وعلى قطعانهم، بعد تسييج أراضي الرعي ومنعهم من دخولها، وصولا إلى اقتلاعهم من هذه الأراضي، وبسط السيطرة الإسرائيلية الكاملة عليها.
وينسجم مخطط إقامة المزارع الرعوية الاستيطاني ويتكامل مع مخطط إخلاء مناطق "ج" من سكانها الفلسطينيين، تمهيدا لضمها إلى إسرائيل، والذي يُترجم بعدم منح الأهالي تراخيص بناء، وإعمال معول الهدم ضد مبانيهم بحجة عدم الترخيص. ومن المفارقات العبثية أن يتم توكيل المستوطنين أنفسهم بمهمة مراقبة البناء "غير المرخص" لدى الفلسطينيين، ورصد الميزانيات الحكومية الضخمة لحملة يقودونها، تشمل إقامة فرق مراقبة لرصد البناء غير المرخص، وتسهيل أوامر الهدم الإدارية.
وكان نفتالي بينيت قد أصدرخلال تولّيه منصب وزير الأمن، توجيها حول "أهمية الحفاظ على مناطق ج بالمنظور القومي"، وقام باستحداث منصب "رئيس المعركة على مناطق ج"، ورغم عدم تجديد عقد تلك الوظيفة في عهد خلفه بيني غانتس، إلا أن لجنة الخارجية والأمن عقدت في شهري تموز وآب الماضيين، اجتماعين حول هذا الموضوع، حضرهما إضافة إلى أعضائها، كل من بتسلئيل سموتريتش، ومتان كهانا من "الصهيونية الدينية" وحزب "يمينا"، ومجموعات استيطانية على غرار "رغفيم" و"شيلو".
إلا أن الترانسفير الهادئ للوجود الفلسطيني في هذه المناطق، بدأ قبل ذلك بكثير، إذ تشير معطيات 2016 - 2018 إلى أن الفلسطينيين قدّموا 1485 طلبا لللحصول على تراخيص بناء في مناطق "ج"،وتم الاستجابة لـ21 طلبا فقط، أي ما يعادل 1.4%. في المقابل، جرى في الفترة ذاتها هدم 2147 مبنى فلسطيني في هذه المناطق.
اقرأ/ي أيضًا | عودة النقاش حول الخطّ الأخضر؟
اقرأ/ي أيضًا | عدوانيّة حكومة لبيد - غانتس وسقوط "نهج التأثير والتغيير"
التعليقات