26/09/2024 - 10:17

إسرائيل وحرب الوجود والحدود

تصطفّ إسرائيل، دولة ومجتمعًا، مؤسّسات وشعبًا، خلف العمليّة المتصاعدة على جنوب لبنان، بطريقة كما لو أنّ الإسرائيليّين في أيّامهم الأولى من الطوفان، حيث العصبيّة والعصاب الجمعيّين لضرورة الحرب، فلا صوت يعلو على صوت السلاح...

إسرائيل وحرب الوجود والحدود

غارات إسرائيليّة على قرية الطيبة جنوبيّ لبنان (Getty)

يتصاعد استهداف إسرائيل لجنوب لبنان إلى حدّ الحرب الّتي منحتها إسرائيل اسم "سهام الشمال"، غير اسم قرار إبادتها لغزّة "السيوف الحديديّة"، والّتي تعتبرها حكومة نتنياهو قوسًا فُتِح، ولن يغلق قريبًا، بينما حزب اللّه لا يزال يثابر على تفادي حرب وقعت عليه فعلًا.

أسفرت غارات طائرات سلاح جوّ جيش الاحتلال الإثنين الماضي عن استشهاد ما لا يقلّ عن 500 لبنانيّ من أهل الجنوب، وفي يوم واحد، فيما تحدّث الأمين العامّ لحزب اللّه حسن نصر اللّه في خطابه الأوّل بعد فتح الحزب جبهة إسناده لغزّة في تشرين الأوّل/أكتوبر الماضي عن معادلة: العسكريّ مقابل العسكريّ والمدنيّ مقابل المدنيّ، ومع ذلك، وبالرغم من استهداف إسرائيل للمدنيّين اللبنانيّين في الجنوب كهدف بذاته، إلّا أنّ صواريخ حزب اللّه ما زالت تحيد المدنيّين الإسرائيليّين من مرماها، في محاولة من الحزب ترمي إلى تفادي وحشيّة إسرائيل الّتي شهدتها وما تزال تشهدها غزّة حتّى اللحظة، وهو تفادي ما وقع فعلًا.

تصطفّ إسرائيل، دولة ومجتمعًا، مؤسّسات وشعبًا، خلف العمليّة المتصاعدة على جنوب لبنان، بطريقة كما لو أنّ الإسرائيليّين في أيّامهم الأولى من الطوفان، حيث العصبيّة والعصاب الجمعيّين لضرورة الحرب، فلا صوت يعلو على صوت السلاح. علمًا أنّ حزب اللّه لم يتسبّب بمقتلة كتلك الّتي نفّذتها حماس في الطوفان يوم السابع من أكتوبر، باستثناء أنّ جبهة إسناده قد تسبّبت بنزوح عشرات آلاف الإسرائيليّين من مستوطناتهم على الحدود الشماليّة مع لبنان. وعودتهم بالنسبة للحزب مشروطة بوقف الحرب على غزّة، بينما تضيف حكومة نتنياهو عودتها إلى بنك أهدافها من الحرب على غزّة.

بالتالي، تدفع عمليّة "سهام الشمال" في الأيّام الأخيرة إلى نزوح مئات آلاف المدنيّين من جنوب لبنان إلى شماله، في محاولة ترمي فيها إسرائيل إلى بناء معادلة مفادها: عودة المدنيّين اللبنانيّين إلى قراهم وبلداتهم في الجنوب مقابل عودة المدنيّين الإسرائيليّين إلى مستوطناتهم في الشمال، وضمان استتباب ذلك بالنسبة لحكومة نتنياهو في ابتعاد حزب اللّه وسلاحه من الحدود، فهذا ما اشترطه نتنياهو أمس في ظلّ الحديث عن تسوية لوقف إطلاق النار مقابل إرجاع حزب اللّه إلى شماليّ نهر الليطاني.

كان سؤال الأمن القوميّ الحدوديّ بالنسبة لإسرائيل قبل السابع من تشرين الأوّل/أكتوبر الماضي، متّصلًا بحزب اللّه وتهديده على الجبهة الشماليّة. خصوصًا في ظلّ حديث الحزب في السنوات الأخيرة عن سيناريو احتلال الجليل، وهذا ما ظلّ المستوى العسكريّ الإسرائيليّ يذكّر به في الأيّام الأخيرة، مبرّرًا استهداف قيادات في حزب اللّه وشنّ عمليّات تستهدف قواعده وكوادره. غير أنّ السابع من أكتوبر جاء جنوبيًّا من غزّة، من حيث لم تحسب إسرائيل وتحتسب، بالتالي، فقد خرجت إسرائيل بحرب انتقاميّة على غزّة ردًّا على الطوفان دون خطّة واضحة، لأنّ الخطّة كانت في السنوات الأخيرة معدّة لحزب اللّه ولبنان، وليس لحماس وغزّة، وهذا ما يفسّر بدوره، لماذا تبدو إسرائيل أكثر نجاحًا في استهدافها للحزب، قيادة وقواعد على الجبهة اللبنانيّة في الأشهر الأخيرة والأسابيع الأخيرة منها بالتحديد، بينما تبدو متخبّطة تجاه حماس وقيادتها وأنفاقها في غزّة، رغم كلّ الدمار الّذي طال هذه الأخيرة على مدار عام الحرب عليها.

والحديث عن اختراق إسرائيل الأمنيّ لحزب اللّه على خطورته وأهمّيّته بالنسبة لإسرائيل في مواجهتها الحاليّة معه، لا يُفهم إلّا في سياق إعداد إسرائيل المبكّر لمخطّط استهداف حزب اللّه. لذا، ففي اللحظة الّتي اقتحم القسّام فيها مستوطنات غلاف غزّة، كان سيناريو اقتحام وحدة رضوان حزب اللّه لمستوطنات الحدود الشماليّة هو ما يستحضره الإسرائيليّون.

تتناقل الدولة العبريّة بندقيّتها اليوم على كتفيها، في مسار مواجهة لا نعرف إلى أين يمكن أن تنتهي بالمنطقة، وتدفع فيها إسرائيل وحكومة نتنياهو إلى "التوسّع جنوبًا في شمال قطاع غزّة، وشمالًا في جنوب لبنان"، بغرض إقامة وتثبيت مناطق عازلة عن حدودها الاستيطانيّة في جنوب البلاد وشمالها، وهذا ما لا رجعة عنه بالنسبة لإسرائيل الّتي نقل طوفان السابع من أكتوبر سؤال وجودها إلى طور آخر من رؤيتها الأمنيّة – القوميّة لحدودها، وهذا ما يصطفّ خلفه الإسرائيليّون اليوم، دولة ومجتمع اشتهاء الدم، بدعم غربيّ – أميركيّ تحديدًا – وصمت عربيّ رسميّ، تظنّهما إسرائيل مكفولَيْن لإتمام ما لا يُعرف تمامه.

التعليقات