يشكّل اغتيال الأمين العامّ لحزب اللّه، حسن نصر اللّه، أوّل أمس، في الوقت الّذي كان فيه نتنياهو يلقي كلمته أمام الجمعيّة العموميّة، إعلانًا رسميًّا لبدء "الحرب الإقليميّة" وهو المسمّى المضلّل الّذي يختاره معسكر إسرائيل الولايات المتّحدة، ستارًا لحقيقة المعركة الّتي تريدها إسرائيل والولايات المتّحدة، لشنّ حرب المقصود منها بالأساس ضرب المحور الإيرانيّ، وكسر النفوذ الإيرانيّ في المنطقة، وإعادة إيران إلى حدودها الجغرافيّة دون أيّ امتداد شبه عسكريّ من خلال المنظّمات التابعة والمؤيّدة لها في المنطقة.
وقد كان نتنياهو صريحًا في خطابه أمام الجمعيّة العموميّة في إبراز اللونين اللّذين اختارهما لصبغ المنطقة باللونين الأسود للمحور الإيرانيّ، والأخضر للمحور الأميركي المطبّع مع إسرائيل، تحت ستار محور البركة ومحور اللعنة.
وكان رئيس أركان جيش الاحتلال، هرتسي هليفي أقرّ الجمعة، قبل ساعات من الاغتيال، فيما كان البعض يردّد الحديث عن مبادرات لوقف إطلاق النار المؤقّت في لبنان، وليس وقف الحرب والعدوان الإسرائيليّ على كلّ من لبنان وقطاع غزّة، بأنّ الجيش الإسرائيليّ ينتظر فرصة تصفية الحساب مع حزب اللّه منذ سنوات طويلة، ممّا يؤكّد بالتالي أنّ سلسلة الجرائم الإسرائيليّة في لبنان، مع عمليّة تفجير أجهزة النداء الآليّ، كانت مجرّد الضربة الأولى من الخطط الحربيّة لتصفية الحساب من حزب اللّه، والانتقال إلى التفرّغ للملفّ الإيرانيّ.
وتفضّل الولايات المتّحدة وإسرائيل، ومن معهما من الدول العربيّة والأوروبّيّة، استخدام تعبير الحرب الإقليميّة للإيهام وكأنّ الحرب ستدور بين عدّة دول، وعلى جبهات مختلفة، فيما الحقيقة هي أنّها ستكون حربًا أميركيّة – إسرائيليّة – أوروبّيّة ضدّ إيران تحديدًا، ومنع أيّ تمدّد لها أو مواصلة بناء قوّة عسكريّة خارج الفلك الأميركيّ في المنطقة. وكي يتسنّى تنفيذ هذا الهدف بشكل دائم ينبغي أيضًا، وقبل كلّ شيء، تفادي وصول إيران إلى دولة حافّة نوويّة، بمعنى العودة إلى الموقف الإسرائيليّ الأميركيّ، وأيضًا الأوروبّيّ والروسيّ، بعدم انضمام دولة جديدة لنادي الدول ذات القدرات النوويّة، خصوصًا إذا كانت هذه الدولة إيران.
ويعني هذا كلّه أنّ المراحل العسكريّة المرتقبة للاحتلال، بدعم أميركيّ واضح، عسكريّ ومادّيّ، والّتي يعتبرها الاحتلال حتميّة لتحقيق هدف إبعاد إيران عن سواحل المتوسّط، وكسر "الهلال الشيعيّ"، ستقوم على حرب برّيّة شرسة، تسبقها غارات لا تستهدف فقط مواقع حزب اللّه في لبنان، بل ستطال نيرانها بشكل مكثّف أيضًا الأراضي السوريّة، في حال فكّر نظام الأسد عرقلة مسار الحرب الجديدة، وتقديم دعم من أيّ نوع كان لحزب اللّه وقوّاته. وستطال نيران الحرب أيضًا مواقع الحوثيّين في اليمن، كما ستطال مواقع وقواعد لمنظّمات الحشد الشعبيّ، أو المجموعات المرتبطة بإيران بشكل "مستقلّ" عن الدولة العراقيّة.
الحرب الإسرائيليّة الثالثة على لبنان، ليست حربًا إسرائيليّة خالصة، بل هي حرب أميركيّة أوروبّيّة، تسعى لترسيخ ليس مجرّد وجود إسرائيل، وإنّما ضمان تفوّقها على دول المنطقة قاطبة، وبالتالي إخضاع هذه الدول للهيمنة الإسرائيليّة، لقطف ثمار البركات الّتي فاخر بها نتنياهو في "البقع الخضراء" من خريطته الّتي عرضها في الجمعيّة العموميّة، مع محو أيّ وجود لفلسطين أو الفلسطينيّين من خريطة "البركات" الّتي صبغها باللون الأخضر. ولعلّه يمكن القول، دون الالتفات لأكاذيب مروجي الدعايات المفاخرة "بمبادرة السلام العربيّة" وحلّ الدولتين، إنّنا عمليًّا نشهد عودة لتثبيت "سايكس بيكو" لكن ليس تحت رعاية فرنسيّة- بريطانيّة، وإنّما تحت مظلّة أميركيّة لا مكان تحتها لمن يرفض الهيمنة الإسرائيليّة، أو يدعو "لعلاقات ندّيّة" معها.
التعليقات