في الثلاثين من آذار/ مارس عام 1976، عمت المظاهرات البلدات والمدن العربية من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب، وانتفضت الجماهير العربية في الداخل الفلسطيني انتفاضة رجل واحد، احتجاجًا على مصادرة السلطات الإسرائيلية آلاف الدونمات التي يملكها الفلسطينيون في الداخل.

ومن ضمن البلدات المنتفضة، كانت قرية كفر كنا، إذ انطلقت مظاهرة حاشدة شارك فيها الشبان والأطفال والشيوخ، في الوقت الذي أعلنت السلطات الإسرائيلية عن فرض حظر التجول، وأعلن عن الإضراب العام الذي عم البلدات العربية، وتوسعت رقعة المواجهات داخل القرية وعلى أطرافها بين وحدات الجيش والأهالي، حتى سقط الشهيد محسن طه البالغ 15 سنة في حينه.

وفي الذكرى الـ42 ليوم الأرض، استذكر شقيق الشهيد، حسان طه، لحظة استشهاد أخيه، وقال: "كانت الدعوات العامة للإضراب العام عشية الثلاثين من اذار في أوجها، فاستجابت الجماهير العربية للدعوات ونزل الشبان إلى الشوارع، في خطوة جريئة، غير آبهين باستنفار الأجهزة الأمنية وتعزيزاتها، وفي كفر كنا خاصة شارك الآلاف من أهالي القرية في المظاهرات واندلعت المواجهات التي وصلت حتى وسط شوارع القرية".

وتابع شقيق الشهيد: "بدأت تظهر وحدات تابعة للجيش مرافقة لوحدات الشرطة لمواجهتنا، مما أسفر عن الكثير من الإصابات، كنا حينها بجانب المدرسة وبدأنا نسمع أصوات إطلاق النيران، وفجأة بدأ الناس يتناقلون خبر إصابة أخي محسن الذي كان من أوائل الشبان الذين شاركوا بالمواجهات".

واستذكر أنه "لم تمض دقائق معدودات على خبر إصابة محسن حتى بدأ الأهالي يتناقلون خبر استشهاده الفوري، علمنا لاحقًا أن الرصاصة أصابت رأسه خلال محاولاته تفقد الأوضاع بين الفينة والأخرى، لأن إطلاق النيران كان كثيفًا، الأمر الذي حتم على الشبان حماية أنفسهم بالاختباء بمحاذاة الجدران".

الشهيد محسن طه

وأكمل "كان وقع الخبر صعبًا جدًا على العائلة، سيما أنه كان أول الشهداء الذين يسقطون في البلدات العربية، كان عمري حينها 15 عاما وكنت قريبًا من المواجهات، وعندما وردنا خبر إصابة محسن بنيران الجيش هرعت إلى بيت خالي الأقرب على مكان المواجهات، وحاول بعض الشبان وقتها نقل محسن إلى المستشفى ولكن، كان محسن قد استشهد، وفور استشهاده انسحبت قوات الشرطة والجيش من القرية، طبعًا كان الأمر صعبًا ولكن روح المقاومة والمواجهة كانت عالية في تلك اللحظات، الأمر الذي خفف من حدته علينا".

وعن يوم الأرض في حينه قال طه إن "يوم الأرض مثل مرحلة جديدة في تاريخ الفلسطينيين في الداخل، فقبل يوم الأرض مرحلة مختلفة تماما عن المرحلة التي جاءت ما بعد يوم الأرض، إذ كسر هذا اليوم حاجز الخوف لدى الجماهير العربية ما بعد فترة الحكم العسكري التي انتهت قبل سنوات من يوم الأرض، فبعد هذا اليوم بدأت الجماهير العربية تكتسب الثقة والقوة لتقول لا للاحتلال ومصادرة الأراضي، الأمر الذي عزز مراحل التنظيم المؤسساتي للأحزاب العربية، وانشاء الجمعيات الأهلية، وتأسيس لجنة الدفاع عن الأراضي وهذه كانت ثمرة يوم الأرض الخالد".

وعن محاولات تغييب النضال الوطني بشتى أشكاله قال طه "نحن قدمنا الشهداء فداء للوطن، لأننا جزء لا يتجزأ من المسيرة التاريخية والنضالية للشعب الفلسطيني، ولكن للأسف اليوم تجرى محاولات إذابة ذكرى يوم الأرض وجميع المناسبات الوطنية، وتغييبها عن ذاكرة وأذهان الجيل الحالي، وهذه المساعي تأخذ طريقها نتيجة ركود الأحزاب السياسية، وأكبر مخاوفي اليوم هو أن يصل الحال بالسماح بهرولة الشباب العرب نحو الأسرلة، عندها مصابنا سيكون أكبر".

اقرأ/ي أيضًا | يوم الأرض: أكاليل الزهور تغطي أضرحة الشهداء