د. عرين هواري:

* التجمع الذي أوصى على غانتس ليس نفسه الذي رفض أوسلو وانتقد الكتلة المانعة لحكومة رابين

* هذا ليس التجمع الذي نظّر له عزمي بشارة ودخله جزء كبير من أبناء البلد واليهود المناهضين للصهيونية

* مطلوب تصحيح المسار والعودة إلى مشروعنا السياسي والاجتماعي وعدم الاعتماد الكلي على الكنيست


شكّل التجمع الوطني الديمقراطي خلال العقدين الماضيين أحد الأركان الأساسية لساحة الداخل الفلسطيني السياسية وكان ضابط إيقاعها الرئيسي، وذلك بعد أن نجح الخطاب السياسي الذي صاغه وأرساه د. عزمي بشارة، من فرض هيمنته بوتائر متفاوتة طيلة الفترة السابقة على تشكيل القائمة المشتركة.

تابعوا تطبيق "عرب ٤٨"... سرعة الخبر | دقة المعلومات | عمق التحليلات

ونجح خطاب التجمع الذي جاء في سياق أوسلو من تشكيل كاسر أمواج في وجه الأسرلة، وأعاد ربط حقوقنا المدنية بالحقوق الوطنية الجماعية وطرح الأسئلة الجوهرية المتعلقة بطابع الدولة اليهودية، في وقت كانت حكومة رابين تغدق فيه الميزانيات لشراء ولائنا ودمجنا في مشروع الأسرلة المرتبط بأوسلو.

ورغم أن نجم التجمع وخطابه بدأ بالتراجع بسبب جملة من العوامل الموضوعية والذاتية، سنوات قبل ذلك، إلا أن ظهور القائمة المشتركة والخطاب الذي قاده القائمون عليها دفع تدريجيا بخطاب التجمع إلى الزاوية، ليحل محله خطاب الاندماج والتأثير الذي قاد إلى التوصية على غانتس، وصولا إلى انشقاق المشتركة بين من يتجه للتوصية على لبيد ومن يتجه للتوصية على نتنياهو، ناهيك عن تآكل تمثيلها الانتخابي وخاصة التجمع الذي هبط من ثلاثة نواب في الكنيست إلى نائب واحد.

د. عرين هواري

حول ما أفرزته الانتخابات الأخيرة من نتائج وتداعيات على ساحتنا الوطنية في الداخل، وما يضطلع به التجمع من دور محوري في التراجع والنهوض، كان هذا الحوار مع الناشطة في التجمع والباحثة في مركز مدى الكرمل د.عرين هواري.

"عرب 48": التجمع كان أكثر المتضررين من نتائج انتخابات الكنيست الأخيرة، حتى أننا نستطيع القول بأنها حجّمت دوره السياسي على مستوى التمثيل وعلى مستوى الخطاب؟

هواري: إسمح لي أن أعود إلى البداية لكي أستطيع أن أضع الأمور في صورتها الكاملة، ولأدحض الاتهام عن المشتركة. أَذكُر أن القائمة المشتركة كانت تندرج ضمن مشروع التجمع المتمثل بإقامة وتدعيم وتطوير مؤسساتنا الوطنية على غرار لجنة المتابعة ولجنة الرؤساء وغيرها، بما يعزز من موقعنا كجماعة أمام دولة بالكاد تتعامل معنا كأفراد من جهة، ومخاطبتها كجماعة من خلال آلية تمثيل برلمانية موحّدة أيضا من جهة أخرى.

نحن جئنا بعد جيل كان يتحدث عن مساواة فردية كمواطنين، لا ننكر أهميتها، ولكن جاء جيل جديد قال إنه آن الأوان أن نسأل سؤالنا الجماعي كأصحاب الوطن، ليس كأفراد وليس كضيوف أو أقلية فنحن لسنا أقلية بل جزء من الشعب الفلسطيني والعالم العربي والإسلامي، نشتق حقوقنا من كوننا أهل الوطن. وبالتالي فإن التجمع جاء بمشروع بناء مؤسساتنا الذاتية على أساس قومي، والبرلمان الإسرائيلي كان واحدًا من المواضيع وروافد العمل، ومن المهم أن نتمثل أمام المؤسسة تحت يافطة موحدة وخطوط سياسية عريضة متفق عليها.

ومن المعروف أن الجبهة عارضت دائما هذا التوجه بصراحة لأنه لا يلائمها، فيما كنا نتحدث نحن وما زلنا عن إعادة بناء وتنظيم لجنة المتابعة كي لا تتكون من منتخبين على مستوى طائفي وعائلي، بل يجري انتخابها بشكل مباشر مثل كل الشعوب التي تحترم نفسها وتنتخب هيئاتها ومجالسها الوطنية.

هذان المركبان ليسا فقط جزءا من مشروع مقاومتنا للدولة وتعاملنا معها، بل جزءا من مشروع نهضوي يمكننا من مناقشة قضايانا الاجتماعية والمحلية اليومية والعامة ويعطينا دفعة إلى الأمام.

"عرب 48": ولكن القائمة المشتركة التي ربما أرادها التجمع كما تقولين، هي ليست القائمة المشتركة الحالية التي حسمت بتشكيلها نسبة الحسم وانتهجت نهج الاندماج والتأثير الذي قاد إلى التوصية على غانتس؟

هواري: صحيح أن الدافع لتشكيل المشتركة كان رفع نسبة الحسم، ولكننا في التجمع قلنا "رب ضارة نافعة" وها هو مشروعنا يتطبق، ونحن لم ندخل المشتركة أقوى عدديا كما أننا لم نكن في أي مرحلة تيار أو التيار المركزي، وأنت لا يمكن أن تكون التيار الأكبر وتحمل قراءة راديكالية للواقع، نحن كل الوقت كنا راديكاليين بمعنى جذريين، نتحدث عن جوهر الدولة ونوعية المواطنة في هذه الدولة، طرحنا الأسئلة الصعبة، سؤال الـ48 والنكبة، رفضنا أن تبدأ قضيتنا من عام 1967 وأن يتم استثناؤنا من الحل، ولذلك كان من الصعب أن نكون التيار المركزي.

بالمقابل الحركة الإسلامية لم تكن تملك مشروعا بهذا الحجم، مشروعها اجتماعي بالأساس والجبهة كان لديها مشروع واضح يتحدث عن مواطنة وعن دولتين لشعبين.

عندما تأسس التجمع كانت الجبهة تتغنى بشعار "الحجر الذي رفضه البناؤون أصبح حجر الزاوية"، وجئنا لنقول إن هكذا حجر وهكذا زاوية سينتجان أسوأ بناء ورفضنا هذا المشروع.

من حفل مرور 20 عاما على تأسيس التجمع الوطني الديمقراطي (عرب 48)

نحن ولدنا كتجمع في سياق رفض أوسلو وكان من الواضح أننا نختلف في هذا المكان، لذلك أنا أعتقد أننا كنا كل الوقت ضد التيار وكنا نشعر بأنفسنا نحن النساء ضد التيار أيضًا، علما أن الدفعة القومية والوطنية للتجمع كان منسوبها أكبر بدرجات من الدفعة الاجتماعية.

"عرب 48": ولكن اجتماعيا أيضا حقق التجمع إنجازا بتحصين أمرأة في قائمته الانتخابية وإدخال حنين زعبي للكنيست كأول امرأة عربية تمثل حزب عربي؟

هواري: قصدت أننا لم نتقدم كثيرا على الجبهة في هذا المجال سوى في قضية التحصين وإدخال امرأة قوية وهي حنين زعبي إلى الكنيست. لقد خُضنا معركة داخلية من أجل التحصين ونجحنا وكان التحدي الآخر هو أن تأتي بامرأة قوية ونجحنا بتقديم امرأة قوية ونهضوية وتحمل مشروعًا وطنيًا. بهذا الموضوع نجحنا بفضل العمل النسوي داخل الحزب والنسويات خارج التجمع، وبفضل دعم عزمي بشارة وهو في المنفى.

ولكن المدّ النهضوي الاجتماعي كان أقل في المسائل الأخرى مثل العائلية وغيرها من القضايا الاجتماعية، وما أردت قوله هو أن نقطة قوتنا كانت بمشروعنا الوطني في "دولة المواطنين"، في أننا نرى أنفسنا جزءا من الشعب الفلسطيني والعالم العربي، وفي التواصل مع العالم العربي، في ترجمة مقولة إن "أعداء إسرائيل ليسوا أعداءنا"، إلى فعل، في أننا جزء من الأمة العربية ومن الحراك الديمقراطي في العالم العربي.

هكذا كنا نرى أنفسنا وبالتالي إذا كنت تحمل الصوت البديل لا حاجة لأن تكون الحزب الأكبر، لم نكن الحزب الأكبر ولكن خطابنا تغلغل لفترة طويلة وهيمن في أوساط المثقفين والشباب الملتزمين والنشطاء، وحتى على مستوى الأحزاب والساحة السياسية عامة وساهم في رفع السقف الوطني.

"عرب 48": واضح أن التجمع فرض نفسه وخطابه حينها على الساحة وعلى الأحزاب الأخرى، ولكن في المقابل دفع ثمن ذلك بمحاولات إسرائيل المتكررة لضرب التجمع وتلفيق ملفات أمنية لقياداته وعلى رأسهم د. عزمي بشارة الذي يمكث في المنفى قسرًا، وكذلك ملاحقة حركات سياسية أخرى مثل الحركة الإسلامية الشمالية.

هواري: اليوم نحن نتحدث عن إسرائيل أخرى، صحيح أنها كانت دائمًا دولة احتلال ودولة استعمار وحزب العمل كان المجرم الأكبر بحقنا، ولكن، إسرائيل بعد عام 2000 وتحديدًا في فترة حكم نتنياهو أصبحت إسرائيل أخرى، حيث وقعت تحت هيمنة كاملة لليمين الديني الاستيطاني، بعد انقراض اليسار الصهيوني والتحول الذي حدث في النخب وفي الإعلام.

كلنا نرى كيف تجري الانتخابات الفلسطينية في ظل سيادة إسرائيلية، وتحت واقع أبارتهايد في فلسطين التاريخية، هل تسمع الجبهة تقول "دولتين لشعبين"؟، الحركة الإسلامية الشمالية خارج القانون ورئيسها في السجن، ود. عزمي بشارة بعد ثلاث أو أربع محاكم دون طائل يمكث في منفاه القسري بعد أن دبروا له ملفًا أمنيًا.

التجمع لا يتحمل مسؤولية التراجع لوحده، هناك سياق تطلب شن حرب مضادة على مَنْ شخّصتهم إسرائيل كأعداء في الداخل والخارج، وعلى رأسهم د. عزمي بشارة وحنين زعبي، التي حولوها إلى العدو الأكبر لإسرائيل لمجرد أنها تجرأت على تحدي حصار غزة. كان المخطط ضرب قيادات هذا التيار لتطويعه وتطويع عموم الساحة السياسية في الداخل.

والنتيجة أننا نحن الذين كنا نستهجن - عندما وُلِد التجمع - وجود كتلة مانعة من الأحزاب العربية لحكومة رابين، اليوم نوصي على غانتس حتى دون أن يقدم الحد الأدنى من الذي قدّمته حكومة رابين التي ضمت في حينه ميرتس وكوكبة كبيرة من حمائم حزب العمل، بينما ضم حزب غانتس ثلاثة جنرالات أركان حرب.

بصراحة ليس هذا هو التجمع الذي كنت شريكة في تأسيسه، التجمع الذي نظّر له، عزمي بشارة، وحلم به، عوض عبد الفتاح، ودخل إليه جزء كبير من حركة أبناء البلد ودعمه قسم كبير من اليهود المناهضين للصهيونية.

"عرب 48": هناك من يعتقد أنها الضربة القاضية للتجمع الذي حاول منذ تأسيس المشتركة مقايضة الخطاب السياسي بالتمثيل البرلماني فخسر العالمين؟

هواري: هي ضربة جامدة، ولكن، التجمع يمتلك طاقات كافية للنهوض مجددا، هناك جيل شبابي وهناك نساء ورجال أيضا وهناك تصميم على تصحيح المسار وتصويب البوصلة، خاصة ونحن أمام حالة انهيار شاملة تضع على عاتق التجمع مسؤولية وطنية متجددة للنهوض بمجمل الساحة الوطنية وتصويب مسارها.

تخيل أن التجمع كان يقلد الجبهة والحركة الإسلامية الجنوبية في أسوأ ما فيهما، لأننا نخشى أن نبدو "متطرفين" وكيف كانت تعلو الأصوات التي تقول "أسكتي يا حنين"، لأنك تثيرين حفيظة الدولة والمجتمع الإسرائيلي، ولماذا تثير حفيظتهم ألأنها كسرت حصار غزة؟، ولو أننا حافظنا على لوننا السياسي وعلى مشروعنا النهضوي لما وصلنا إلى ما وصلنا إليه اليوم.

"عرب 48": ولكن هناك انتقادات مشروعة وجهت للنائبة عن التجمع حنين زعبي، وهناك مقارنات أجريت بين أسلوبها وأسلوب د. عزمي بشارة، الذي كان أكثر إقناعا للمجتمع الإسرائيلي رغم تحديه للدولة؟

هواري: قد يكون ما تقوله صحيح جزئيا، فحنين زعبي ليست عزمي بشارة وإسرائيل هي ليست إسرائيل نفسها، كما أسلفت، ولكن، النتيجة كانت التخلي عن تحدي الدولة وسياساتها ومؤسساتها وبالتالي التخلي عن لونك وهويتك والوقوع بين تيارين أنت لا تستطيع مجاراتهما، فيما هما بارعان فيه، فانظر كيف نجح عباس في توظيف "المجتمع المحافظ" كسياسة انتخابية للوصول إلى مشروعه الحقيقي القائم على مقايضة الحقوق بالميزانيات.

كيف تم استعمال "المحافظة" كأداة سياسية في غياب مشروع وطني للدفاع عن الأوطان وعن الدين وعن الأقصى، وطبعا هذا النهج الذي يغيّب الأقصى والقدس وفلسطين على حساب المثليين والنساء ودورهن بالشأن العام، لا يخيف نتنياهو، كما أنه لا يمت للإسلام بشيء، فالنساء شاركن في بيعات الرسول، وعائشة لُقبت بأفقه الأمة وخرجت إلى المعارك، والنبي عمل لدى خديجة، والخليفة، عمر بن الخطاب، عيّن الشفاء مسؤولة عن الحسبة، تلك هي النساء التي أعرف ومن يقول غير ذلك فصوته نشاز ونعته بالنشاز ليس حرامًا ولا جريمة كما تم اتهام هبة يزبك.

"عرب 48": واضح أن التسامح السياسي المتناهي مع "العدو" مقابل التشدد الاجتماعي يجعل الأخير يبدو مصطنعا ومبتذلا؟

هواري: المشكلة أنك كتجمع، تدخل في مباراة في ملعب ليس ملعبك، وتقع بين التوصية على نتنياهو والتوصية على غانتس أو لبيد، بعد أن تخليت عن مشروعك السياسي والاجتماعي.

انت من أصبت إسرائيل في مقتلها بمشروعك السياسي وأنت من كنت سباقًا بترشيح امرأة واجهت إسرائيل لوحدها بمشروعك الاجتماعي، تقف اليوم عاجزًا لا تستطيع أن تستعمل أي من نقاط قوتك، فأنت تستطيع أن تستعيد هويتك وروايتك ومشروعك الديمقراطي وأن تجند عليه يهود ديمقراطيين أيضا.

والاستنتاج الأساس يجب أن يكون ألّا تعتمد على الكنيست، دعها رافدا من روافد عملك تستطيع أن تقاطعها أحيانًا، وتشارك بها أحيانًا، إذا كان لديك القوة، ليس من الخطأ أن تلجأ إلى الحكمة ولكن دون إضاعة البوصلة والهوية والمكانة فالحكمة لا تعني التهور، ولكنها لا تؤدي إلى التذلل أيضا، والأهم أن تبقى أمينا لمشروعك السياسي والاجتماعي.

اقرأ/ي أيضًا | "المجتمع المحافظ" وصعود النساء ودور التجمع

اقرأ/ي أيضًا | الحركة الوطنية أمام تحدٍ لا مفر من مواجهته