تتفتح في شهر آذار/ مارس من كل عام براعم الأمل، ويحمل في طيّاته مناسبات وذكريات هامة، كيوم المرأة ويوم الأرض الخالد ويوم الأم، والكثير من دلالات الكفاح والصمود ورمزية العطاء.

المرأة والأرض، كلاهما يتعرض لنفس الاستهداف في السلب والقهر، فعندما تسلب إرادة المرأة وتتعرض الأرض للمصادرة وللتهويد تبرز وحشية الاضطهاد والقمع والاستبداد.
ولا زالت المرأة وخاصة كبيرات السن يتشبثن بالأرض وفلاحتها، في حين يهتم بعض أبناء الجيل الجديد بما تبقى من أرض عربية.

ولمنطقة سهل البطوف في الجليل رمزية خاصة، وتقوم النساء حتى يومنا هذا إلى جانب أسرها وعائلاتها بالمبادرة إلى زراعة الأرض والمحافظة عليها من المسلب والمصادرة.

تواصل وشقاء

أم محمود جربوني من عرابة، كمثيلاتها من نفس الجيل، تواظب على زيارة أرضها منذ عقود طويلة، تمارس الفلاحة التقليدية، تتنفس من الأرض وتعيش في أحضان السهل، تحيطها الدواجن والحمام وزقزقات العصافير، يعيدك المشهد لبراءة الحياة البسيطة الطيبة بعبقه النادر، هرمت بين شقوق وطيات الأرض، ولا زالت تستنشق رائحة الخبز من التراب كما رائحة أطفالها، تلك الأرض التي تربت في أحضانها بندية العطاء، قالت لـ'عرب 48': 'هرمت كما هرمت الأرض، لم أعد أعمل اليوم بالأرض، رغم أنني لا أفارق المكان، ولا زلنا نفلح أرضنا والعائلة تقوم بهذا العمل. أتحسر لعدم قدرتي على خدمة هذه الأرض المباركة'.
واستذكرت الماضي بالقول إنه 'رغم الشقاء، عندما كنا نتواصل مع أرضنا مشيًا على الأقدام من عرابة حتى سهل البطوف، كنا سعداء، رغم الشقاء، وكانت الأرض مليئة بالخير كما الناس، وكنّا ’على البركة’ راضين بقناعة الفلاح والبساطة والعائلة المجتمعة، والألفة بين الفلّاحين والتعاون في ما بينهم بأجواء المحبة، مسالمين بمسالمة الأرض، نفرح للمحصول كفرح الأطفال، نعتاشُ على نوايانا، ونربي أولادَنا ونعلّمهم من كدّنا – الأرض بالنسبة لنا هي الأم'.

ولفتت إلى أن شح المطر سيلحق ضررًا بالغًا بالمحصول، علمًا أنه في السنوات السابقة، كان الغرق يجتاح البطوف، لذلك يقع الفلاح ضحية الغرق مرّة ومرة أخرى تحت وطأة الجفاف.

مداعبة التراب

قاسم نصار، في أواخر السبعينات من العمر، منهمك وسط أرضه في سهل البطوف، الذي يواظب على فلاحتها  منذ عشرات السنين، رغم الغرق أحيانًا والجفاف أحيانًا أخرى، حيث أصبح قطعةً حيّةً من المكان، يفلح ويزرع رغم كل شيئ، أكّد لنا أن الأرض لم تعد ذاتها الأرض التي عرف، والمحصول  ليس نفس المحصول الذي عهد، وحول دور المرأة من زوجة وغيرها، قال: زوجتي ذاقت الأمرين، وعانت من أجل أرضها وأبنائها، وهرمت وهي تتعاطى مع الأرض، كما تتعاطى مع أبنائها، لأننا، في السابق، ربيّنا أبناءَنا وعلّمناهم من هذه الأرض، لكنها، في نفس الوقت، متعة لا يمكن أن أتخيل نفسي خارج هذا المكان، كما أن المرأة اتخذت لها دورًا في يوم الأرض الخالد، ومنهم من رحلوا ومنهن لا زلن بيننا، فحق المرأة أن تكرّم لا في آذار فحسب، بل في كل يوم وكل ساعة.

وقالت سمية غنايم أشعر بالمتعة، رغم التعب، وأنا أداعب التراب، كأنني أداعب طفلي، صحيح أنها ليست مصدر معيشة، إلا إنها متنفس لنا في ظل ضجيج الحياة ومتاعبها، ونحن اعتدنا، منذ الصغر، على التعامل مع الأرض، فهي مرتع طفولتنا وصبانا، كما كانت مصدرًا معيشيًا أساسيًا قبل أن يتم حصارها وإهمالها.

وحول يوم المرأة ويوم الأرض، قالت إن 'يوم المرأة يذكرنا بالاعتداء والتمييز ضد المرأة، كما يذكر يوم الأرض بمواصلة الاعتداء وسلب الأرض، كما سلبت روح وحرية المرأة، والاثنتين تحتاجان إلى مواصلة الاهتمام بهما والتمسك بالحق، وهذه المناسبات في آذار يجب أن تستوقفنا للمراجعة والحساب والانطلاق مجددًا.

معاناة الفلاح

أمّا أبو هشام ياسين، فيستعرض أسى ومعاناة الفلاح، قائلًا إن أجدادنا وآباءنا وأمهاتنا عملوا في هذه الأرض منذ 200سنة، وأكلت هذه الأرض راقات من جلودهم، لكن الدوائر لا زالت تلاحقنا وتضيق علينا، علمًا بأن الأرض والزراعة لم تعد ربحيّة ومصدرَ معيشة، بل للحفاظ عليها والحفاظ على هذه العلاقة الحميمية، لأنها هي الأم الحاضنة لأبنائها، ورغم أننا نعمل بها، نحن وعائلاتنا ونسائنا، إلا أن التضييقات لا زالت مستمرة، فقبل فترة قصيرة، فقط، قامت الدوائر بتغريمي بما يقدر بـ15 ألف شيكل بسبب بناء سقيفة في الأرض، بادعاء أنها قائمة على أراضي دولة.

اقرأ/ي أيضًا | المتابعة تقرر الإضراب العام في الذكرى الـ40 ليوم الأرض