يتعرض حي وادي الصليب في مدينة حيفا، منذ النكبة في العام 1948 وغيره من الأحياء العربية في المدن الساحلية (يافا، اللد، الرملة، عكا وحيفا) لجرائم هدم تستهدف معالمه وعقاراته وبناياته بعد أن جرى استهداف الإنسان، ضمن مخطط إسرائيلي لتشويه وطمس هويته العربية الفلسطينية وسرقة تاريخه.

ولعل ما قاله لنا أحد المحامين العرب على أبواب المحكمة المركزية في حيفا، المقامة على أنقاض بيوت عربية في مدخل حي وادي الصليب، 'هل تنشد العدالة من بيت أقيم بنيانه على أرض مسلوبة؟!' يُلخص حكاية سرقة تاريخ المدينة الفلسطينية وإرثها الثقافي.

حيفا البداية

ما يحدُث في قلب حيفا النابض قبل النكبة، وادي الصليب، سبق أن حدث في حي العجمي بيافا وكذا في عكا واللد والرملة، وفي كافة المدن الفلسطينية، إنه سرقة التاريخ وتغيير ملامح المدينة العربية الفلسطينية، وتقديمها على أنها معالم يهودية.

وقال مخطّط المدن والمستشار التّنظيمي، عروة سويطات، لـ'عرب 48' عما يحدث في وادي الصليب، إن 'بلدية حيفا وضعت سقفا لإنهاء مشروع 'سالي فالي' في وادي الصليب في غضون عامين، وحتى اسم المشروع الحديث يهدف سرقة الاسم العربي الأصيل للحي. هذا الحي كان قلب حيفا النابض، مركزها الثقافي وملتقى الأدب، بل مركز الحياة المدنية الفلسطينية في حيفا، وهو الحي الذي يفند الرواية الصهيونية بأننا كنا مجتمعا ريفيا زراعيا، حيفا كانت مدينة مزدهرة هُجّر منها 77 ألف فلسطيني، وكانت في أوج تطورها، ووادي الصليب كان جوهرة حيفا ومركزها الثقافي'.

رمز الحداثة

وأردف سويطات أن 'هذه العقارات بكاملها يملكها مهجرون والوقف الإسلامي، والحي رمز الحداثة المدنية الفلسطينية. هذا المشروع قديم وحديث في نفس الوقت، نكبة المدن الفلسطينية التاريخية لم ترو بعد، هي نكبة حيفا، يافا وعكا، ووادي الصليب يلخص حكاية النكبة. صودق على هذا المشروع في ثمانينيات القرن الماضي ويهدف إلى تحويل وادي الصليب إلى مشروع اقتصادي، تجاري وسياحي، وهذا تحويل مسار دمار النكبة إلى ثمار اقتصادية عبر إقامة 800 وحدة سكنية'.

وقال مخطط المدن إن '40% من المباني التاريخية في وادي الصليب هدمت، وبُني على أنقاضها عمارات وبنايات بعضها مؤسسات حكومية، وما تبقى بيع للسوق الحر، وما يحاولون فعله هو المحافظة على الشكل الخارجي للبيوت القديمة، وتشويه معنى المكان الوطني والسياسي والتاريخي لنا كفلسطينيين'.

أداة تدمير

وأكد سويطات أنه 'يتم تحويل وادي الصليب من قضية وطن إلى قضية عقارية، يقام على أرض الحي، اليوم، مشروع سكني للأغنياء، والرائدون في التوطين في هذا المشروع هم الفنانون، عبر بيوت صغيرة، وهكذا يتحول الفن من أداة راقية لخدمة الإنسانية إلى أداة تدميرية إجرامية تخدم الاستعمار، ويدخل المسار رجال الأعمال والمستثمرين بعد الفنانين، وهو ما بدأ عمليا، ثم الخطوة الثالثة السكن الراقي الذي سيخصص بطبيعة الحال للأغنياء، وهي عملية جلب أناس من خارج مركز المدينة الفلسطيني والتاريخي، وتوطين يهود في قلبها، وللأسف لن تكون حلول أزمة السكن للعرب في حيفا ضمن هذا المشروع بوادي الصليب، فنحن نعرف أن المرحلة الرابعة ستهدف للتهويد المطلق عبر ما يعرف بالمجموعات الدينية التوراتية التي تدخل المدينة كما هو حال حي العجمي في يافا'.

بيع 940 بناية تاريخية

وختم مخطط المدن سويطات بالقول إن 'هذا المشروع بدأ تنفيذه فعليا في العام 2011، في أعقاب ما يسمى 'قانون خصخصة أملاك الدولة'، وبدأت حملة مكثفة في بيع أملاك فلسطينية تاريخية بشكل خاص في المدن الساحلية، وتم بيع أكثر من 940 بناية تاريخية لغاية العام 2015 وفقا لبحث أجراه مركز 'عدالة'، بهذا الشكل خصص الوطن الفلسطيني للسوق الإسرائيلي، وحوّل دمار النكبة إلى ثمار اقتصادية، لا تمت بصلة لهويتنا وحقنا التاريخي الأصلاني وحق الأجيال القادمة في هذا المكان'.

إشكالية

من جانبه، أكد نائب رئيس بلدية حيفا السابق وعضو بلدية حيفا، د. سهيل أسعد، ما قاله مخطط المدن، عروة سويطات، فيما يتعلق بالمخططات التي حيكت تجاه وادي الصليب وكافة أحياء حيفا العربية.

وقال أسعد، لـ'عرب 48'، إن 'وادي الصليب هو الأقدم بين الأحياء العربية في حيفا، ولذلك هذا الكلام صحيح جدا. الإشكالية أن المخطط العام لمدينة حيفا ووادي الصليب، موجود وصودق عليه منذ 35 عاما، ولم يعد ممكنا تغيير أي شيء، فالمباني أصلا غير موجودة بمعظمها، مساحات واسعة ردمت، هذا محزن، كان يتوجب القيام بشيء ما قبل 35 عاما'.

وختم بالقول إن 'هذا لا يعني أنه علينا السكوت، المخطط الذي يستهدف وادي الصليب هو جزء من المخطط العام تجاه الفلسطينيين، وفقا لمعلوماتي يوجد جزء أنقذ من هذا المشروع، وهناك قسم المحافظة على المباني القديمة في البلدية بإدارة وليد كركبي، والذي يسعى جاهدا إلى المحافظة بأعلى قدر ممكن على المباني القديمة، ولكن أن نحافظ على حي وادي الصليب كحي عربي قديم أصبح غير ممكن، للأسف تم محو الحي ومعظم المساحات فيه خالية'.

اقرأ/ي أيضًا | حيفا: وادي الصليب شاهد على التطهير العرقي