قبل يوم من الانتخابات البرلمانية التي تجري غدا، الثلاثاء، يمكن تلخيص الحملات الانتخابية للقائمتين العربيتين بأنها كانت دون المطلوب، فقائمة الجبهة وطيبي تفاخرت بإنجازات برلمانية حقيقية، ليست ملكها وحدها، أي أنها تحققت بفضل الثقل البرلماني للقائمة المشتركة التي تشكلت من 13 نائبا، فيما لم ينجح تحالف الموحدة والتجمع بإبراز إنجازات نوابه السابقين والمرشح الرابع في القائمة، مازن غنايم، كرئيس للجنة القطرية للسلطات المحلية العربية في السنوات القليلة الماضية.

تحالف الموحدة والتجمع

لم تتجاوز حملة تحالف الموحدة والتجمع الشعار الرئيسي "قيادة جديدة تحالف حقيقي". والقيادة الجديدة المقصود بها هو أن القائمة تضم مرشحين جددًا ووجوهًا جديدة خلافا للقائمة الأخرى، إذ أن المرشح الثاني في الجبهة وطيبي دخل الكنيست قبل عشرين عاما وما زال يطمح للمزيد. والتحالف الحقيقي المقصود به هو عكس التحالف الاضطراري في الدقيقة التسعين بين الجبهة وطيبي.

لكن، هذا الشعار لا يكفي كون الموحدة والتجمع ليست هذه المرة الأولى التي تشارك في انتخابات لكنيست، بل لنواب الحزبين السابقين والحاليين إنجازات برلمانية، النواب جمال زحالقة ومسعود غنايم وحنين زعبي، لم تترجم لمادة إعلامية تصل الناس وتقنع بجدوى العمل البرلماني.

فالنائب مسعود غنايم له إسهامات حقيقية خلال عمله البرلماني، تحديدا في مجال التربية والتعليم، وقد تابع هذا الملف في السنوات الأخيرة وساهم بتحقيق ميزانيات لجهاز التعليم العربي، لكن هذا لم ينشر ولم يتم ترويجه.

أما النائب جمال زحالقة ورئيس اللجنة القطرية السابق، مازن غنايم، هما أيضا لديهما إسهامات جدية مثلا تخصيص 500 مليون شيكل للسلطات المحلية العربية سنويا، وهو ما انعكس على استقرار عمل المجالس والبلديات العربية التي لم تعد تعاني من أزمات مالية مزمنة كما في السابق.

وكذلك الحال مع الخطة لدعم المدن المختلطة التي وصلت مراحلها الأخيرة، ووصلت ميزانيتها 712 مليون شيكل للسنوات الخمس المقبلة، وطالب زحالقة ومازن غنايم أن تشمل يافا وحيفا والبلدات العربية المنضوية تحت مسؤولية المجالس الإقليمية.

أما النائبة حنين زعبي، فقدمت تقريرا شاملا عن العنف ومعالجة الشرطة للجريمة، وقد تبناه مراقب الدولة. 

كما لم تشمل الحملة الإسهامات البرلمانية الواضحة للنائب باسل غطاس وتحديدا في تطوير الاقتصاد العربي، وقضايا الأسرى وغيرها. 

كذلك لم تبرز متابعة النائب جمعة الزبارقة لقضايا النقب والقرى غير المعترف بها وقضايا هدم المنازل.

هذه الإسهامات لم تذكر ولم تبرز في حملة تحالف الموحدة والتجمع، وهو ما أتاح للقائمة الثانية تصوير نفسها بأنها قائمة الإنجازات.

الجبهة وطيبي

الحملة الانتخابية لهذه القائمة أيضا لم ترتق للمستوى المطلوب، رغم تركيزها على الخطاب الإيجابي وعدم مهاجمة القائمة الأخرى.

لكن، الحملة روجت لإنجازات هي من نصيب القائمة المشتركة وصورتها كأنها إنجازات فردية لبعض النواب. وهذا ينطلي على تضليل كبير، لأن هذه الإنجازات تحققت بفضل القائمة المشتركة بسبب ثقلها البرلماني، ولم تحقق بفضل "شطارة" هذا النائب أو ذاك.

كيف لمن خرب المشتركة مثل طيبي ومن استوعبه لاحقا في تحالف اضطراري، أن ينسب هذه الإنجازات له؟ الوزن البرلماني للطيبي لم يتجاوز المقعد الواحد ونصف المقعد، وليس بمقدوره تحقيق أي إنجاز لولا القائمة المشتركة. هذه خدعة تستهتر بالناخب وتقلل من إنجازات شركاء الأمس، وتكشف نوايا مستقبلية.

ولم تتجاوز الحملة شعار "كرامة وطنية عدالة اجتماعية" و"وسد بوجه الفاشية"، وهي شعارات من مرحلة مضت لا تحمل إبداعا، وأدخلت المتلقي في حالة تناقض: كيف تكون كرامة وطنية وبالوقت ذاته الاستعداد لدعم الجنرال بيني غانتس؟

أي أن الحملة نسبت لنفسها إنجازات برلمانية هي للقائمة المشتركة عموما وليس لهذا النائب أو ذاك، ودخلت في تناقض بين محاولة التعبير عن كرامة المواطن العربي وبين السعي لدعم الجنرال غانتس.

حملة طيبي السرية: سأنشق عن الجبهة

بعد تخريبه المشتركة، حاول طيبي استقطاب رؤساء سلطات محلية عربية لقائمته مستغلا نقمتها على أحزاب نتيجة الانتخابات المحلية. وبعد تحالفه الاضطراري مع الجبهة انفض هؤلاء الرؤساء من حول طيبي، وأعلن جزء كبير منهم دعم القائمتين العربيتين أو دعم تحالف الموحدة والتجمع.

لكن، في الأيام الأخيرة، يحاول طيبي تغيير هذا الوضع من خلال زيارات لرؤساء سلطات محلية ومرشحين لم يحالفهم الحظ، ويتعهد أمامهم بأنه سينشق عن الجبهة بعد الانتخابات، وذلك في محاولة منه لإقناعهم بالتصويت له رغم تحالفه مع الجبهة، وبأنه تحالف لعبور نسبة الحسم وليس تحالفا حقيقيا سيستمر بعد الانتخابات.

وهذه العقلية هي استمرار لعقلية تخريب المشتركة الأنانية، وهو يضرب بذلك مصداقية حملة قائمته، وسيساهم بنشر حالة الإحباط لدى الناخب العربي.

الاستطلاعات.. أداة علمية لأهداف تسويقية

شق طيبي القائمة المشتركة وروج استطلاعات رأي تظهره كأنه الأقوى انتخابيا وبمقدوره تحقيق 8 مقاعد لوحده.

لكن، بعد تحالفه الاضطراري مع الجبهة، تمنحهما الاستطلاعات 7 مقاعد معا كحد أقصى.

هل هذا معقول؟ نعم خصوصا أن استطلاعات الرأي الأخيرة تظهر هبوط شعبية مواقف حركة طيبي إلى 8 في المئة بعدما كانت تتجاوز العشرين في المئة. وهذا يعني انهيارا بالشعبية نتيجة سلوكه في الشهرين الأخيرين.

ولا تشمل عينات استطلاعات الرأي القرى العربية في النقب منزوعة الاعتراف، وهي تقدر بعشرة آلاف صوت.

وتظهر استطلاعات الرأي، أن شعبية تحالف الموحدة والتجمع تصل إلى 55 في المئة بالنقب، و25 بالمئة للجبهة وطيبي.

لكن، إذا جرى شمل أصوات القرى منهوبة الاعتراف  بعينات استطلاعات الرأي، فإنها قد ترفع من شعبية تحالف الموحدة والتجمع إلى 65 بالمئة، وهذا من شأنه أن يغير توازن القوى بين القائمتين.

النساء وتسييس المعركة

في مقابلة لـ"عرب ٤٨"، بيّن مدير مركز يافا للأبحاث واستطلاعات الرأي، د. عاص أطرش، أن نسبة الامتناع عن التصويت الأعلى هي ليست بين أوساط الشباب، حيث تبلغ نسبة المشاركة بين  الشباب لغاية جيل ‏24‏ عاما، ‏56.3%‏ وفي أوساط الشريحة العمرية من 25 - 34 عامًا ترتفع تلك النسبة إلى 60.3%، وإنما نسبة الامتناع الأعلى هي بين النساء بالذات، حيث تصل نسبة المشاركة بين النساء 51.2%، بينما ترتفع بين الرجال إلى 62.1%. وعلل أطرش ذلك إلى أنه يعود ربما إلى التفاوت في الاهتمام بالسياسة عموما بين النساء والرجال.

هذا يعني، أنه كان على الحملات الانتخابية للقائمتين التركيز على مخاطبة النساء لرفع نسبة التصويت بأوساطهن، وهو ما لم يحصل، إذ ركزت الحملات على مخاطبة الجمهور عموما، دون تخصيص مواد ورسائل إعلامية لشرائح المجتمع المختلفة، وتحديدا للشرائح التي تتوقع الاستطلاعات أن تكون نسبة الامتناع عن التصويت لديها مرتفعة نسبيا، مثل شريحة النساء.

وزيادة نسبة المصوتين تكون بزيادة التسييس، أي بتسييس الحملات الانتخابية أكثر، لأن التراجع بالتصويت ينبع ليس فقط عن إحباط من تفكك القائمة المشتركة، وإنما من تراجع التسييس واقتصاره على العمل البرلماني والإنجازات البرلمانية.

الأحزاب الصهيونية: شراكة صهيونية حتى الانتخابات

عادت الأحزاب الصهيونية وتحديدا ميرتس للشارع العربي لمحاولة جني الأصوات بعد تقلص فرصها بزيادة عدد ناخبيها في الشارع الإسرائيلي الذي يتجه أكثر نحو اليمين.

وتحاول الأحزاب الصهيونية استغلال مرشحيها العرب للترويج لنفسها، وتحديدا ميرتس، بأنها تدعم الشراكة اليهودية - العربية.

لكن، الحملات الأخيرة تكشف مدى استهتار هذه الحملات بعقل الناخب العربي، فبينما تصرح رئيس ميرتس، تمار زندبرغ، لمتصفحي موقع "هآرتس" بأن حزبها هو الحزب الصهيوني، بالتشديد على ال التعريف، وبأن حزبها هو مكمل مشروع آباء الصهيونية، فإنها تروج نفسها بالشارع العربي على شعار شراكة يهودية - عربية، وفي الحقيقة، كون ميرتس الحزب الصهيوني، فإن الأصح القول شراكة انتخابية صهيونية – عربية، أي شراكة ليوم الانتخابات بين حزب صهيوني والمصوت العربي.

وهذه الخديعة من حزب مثل ميرتس تكشف عقليته الاستعلائية التي لا تفرق عن استعلائية حزب العمل، والتي تتعامل مع العرب كخزان أصوات بديل عن خزان الأصوات اليهودية والتي نصيب ميرتس وحزب العمل منه في تراجع كبير ومستمر.

اقرأ/ي أيضًا | مقاعد وعقائد

اقرأ/ي أيضًا | د. عاص أطرش: تساوي القائمتين العربيتين على حساب الأحزاب الصهيونية