عكست انتخابات الكنيست الـ24 غياب الاستقرار السياسي في إسرائيل، والذي يلازم نظام الحكم منذ سنوات، وتفاقمت الأزمة في العامين الأخيرين، على نحو غير مسبوق، إذ شهدت إسرائيل 4 حملات انتخابية وسط سيطرة مطلقة لليمين على أغلبية مقاعد الكنيست، دون أن يتمكن من تشكيل حكومة مستقرة.

تابعوا تطبيق "عرب ٤٨"... سرعة الخبر | دقة المعلومات | عمق التحليلات

وعن الأزمة السياسية في إسرائيل، قالت الباحثة في علم الاجتماع السياسي ومديرة المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية - "مدار"، د. هنيدة غانم، لـ"عرب 48" إنه "من الواضح أن الانتخابات الأخيرة عكست المشهد المتناقض والمزدوج في إسرائيل، والذي تتصرف فيه إسرائيل كقوة إقليمية أو حتى تتصرف كإمبراطورية، ذات قدرة على النشاط العسكري برا وبحرا وجوا، وإبرام اتفاقيات تطبيع والعمل في ساحات متعددة في العالم، وسط نجاح تسويق إسرائيل بهذه الصورة، ولكن من جهة أخرى داخليا تظهر إسرائيل في صورة ظاهرها خلاف سياسي، ولكن باطنها تغييرات عميقة في المجتمع الإسرائيلي، والتي تعكس صراعا حقيقيا في مجموعات مختلفة داخل المجتمع الإسرائيلي، ولا تستطيع أي مجموعة الهيمنة وحسم قضايا مركزية مثل قضية الدين والدولة، وقضية المواطنة والعرب، ونتائج الانتخابات هي انعكاس لهذه الخلافات التي لم يعد بالإمكان احتوائها، وما تظهره نتائج الانتخابات أن الترابط الأكثر بروزا هو الهوية القومية لليمين، بمعنى القاسم المشترك، ولذلك طرح نفتالي بينيت كشخصية توافقية وليس لبيد.

د. هنيدة غانم

"عرب 48": منذ عامين وهناك مسعى معلن من رئيس الحكومة لتشكيل حكومة يمين ضيقة، ورغم تفوق اليمين لا زالت مساعيه تبوء بالفشل تباعا، بمعنى هناك أيضا خلاف على شخصية "القائد" في اليمين؟

غانم: هذا جزء من الصراعات التي تحدثت عنها، ولا ننسى أن الصراع أيضا بين النخب السياسية القديمة والجديدة، والذي يشكل فيها نتنياهو تجليا للقيادة الجديدة التي نخرت في مفاهيم القيادة التقليدية الرسمية، والذي تشكلت فيه الدولة على هذه الأسس، كما يحسب لنتنياهو مقدرته على تفكيك أي جسم منافس وتدميره سياسيا، ومن يتابع المشهد الإسرائيلي يرى أن الصراعات محتدمة منذ سنوات بعيدة. كانت الصراعات ذات طابع إيديولوجي، وعندما يتحول المجتمع إلى أكثرية يمينية فمن الطبيعي أن تكون الصراعات أكبر في المعسكر الأكبر وأعني اليمين. ولا ننسى أن اليسار يحاول باستمرار تبديل قياداته، ولكنه يفشل باستمرار، ولذلك يبدو الصراع في اليمين أكثر وضوحا، ينضاف إلى ذلك البعد في الشخصية لنتنياهو التي تدمج ما بين الديماغوجيا والشعبوية، التي استخدمها نتنياهو في أكثر من مناسبة لتحقيق أهدافه الانتخابية، والتي قسّم فيها المجتمع الإسرائيلي أكثر مما هو مقسم فعليا في قضايا الدين والدولة وغيرها، وهو عمّق عمليا الانقسام في المجتمع الإسرائيلي، لذلك يحاول شرعنة القائمة العربية الموحدة للخروج من المستنقع السياسي الذي يخوضه، رغم أنني أرجح بأنها مجرد مكيدة من مكائد نتنياهو لاستقطاب جهات يمينية معارضه له من أجل تشكيل حكومة جديدة، وهذه الانتخابات عمّقت الامتدادات التي ظهرت في نتائج الانتخابات السابقة.

"عرب 48": هل يمكن القول إن أقرب السيناريوهات المحتملة هي إجراء انتخابات خامسة؟

غانم: ليس بالضرورة، ولكن هذا سيناريو غير مستبعد. شاهدنا في الانتخابات السابقة كيف أوقع نتنياهو غانتس وحافظ على بقائه، وفكّك "كاحول لافان". لا أستبعد صفقات بعيدة الاحتمال، مثل تشكيل كتلة أحزاب يمينية يهودية تشمل الأحزاب المعارضة اليمينية بضمنها "يهدوت هتوراة" والوسط واليسار من أجل استبدال نتنياهو لفترة محدودة وهذا امر وارد، في محاولة للخروج من الأزمة السياسية، والسيناريو الثاني انشقاق أعضاء يمينيين في المعسكر المناهض لنتنياهو من أجل تشكيل حكومة ضيقة.

"عرب 48": هل من الوراد أن يشكل نتنياهو حكومة بدعم من القائمة العربية الموحدة؟

غانم: أشك في ذلك، واستبعد ذلك، ليس بسبب منصور عباس أو ما تقرره "الموحدة" وإنما أرى أن نتنياهو يستخدم الموحدة، ولكن إذا ما كانت الموحدة هي شعرة النجاة الأخيرة فلا يستبعد عن نتنياهو استخدامها للنجاة، فهو يحاول منحهم شرعية ويستطيع نزعها تماما بعد استخدامهم لأنه شخصية ديماغوجية.

"عرب 48": إلى ماذا يعود تراجع نسبة المشاركة الانتخابية باستثناء الأحزاب الحريدية في إسرائيل؟

غانم: فيما يتعلق بالأحزاب الدينية المتزمتة لدى جمهورها أسباب متعلقة بالعوامل الدينية، هناك تجنيد كامل وهذا شيء تاريخي، لكن التراجع في النسب بصورة عامة يعود إلى أن هناك حالة تعب وملل، وشعور بعدم القدرة على الحصول على نتيجة مختلفة عما كانت سابقا، وإذا ما قسمنا النتائج فهناك نتائج شبيه بالجولات السابقة، أعني دون حسم. ما يحدث تغيرات وتحولات، ولكنها تحولات داخل اليمين الصرف.

"عرب 48": هل أفرزت الانتخابات فريقين، أعنى خطاب الخدمات البراغماتي المتمثل بمنصور عباس، وخطاب الكرامة الوطنية المتمثل بالمشتركة؟

غانم: القضية مركبة أكثر من ذلك. أولا، هناك نسبة المشاركة هي العامل الأهم، فنحن نتحدث عن تراجع كبير في المشاركة الانتخابية، وهناك امتناع عن المشاركة، والموحدة خاضت انتخابات وجودية بالنسبة لها، ولذلك تم تجنيد كل الطاقات الكامنة فيها، ولو وصلنا إلى نسب مشاركة عادية لكانت النتيجة مغايرة، ولا أقول أن الموحدة ليست لديها قوة، ولكن تحطم المشتركة عبارة عن عقاب، وأسباب متعددة، منها أزمة الخطاب القومي ليس فقط في الداخل وإنما على مستوى عربي، محليا جزء من هذا التراجع هو نموذج السلطة الفلسطينية وفشلها أمام إسرائيل، ومن جهة أخرى هناك أزمة حقيقية داخل الأحزاب، الجبهة والتجمع وخاصة التجمع الذي بدا غائبا ضمن المشتركة، بينما نجحت الموحدة في توظيف الخطاب الديني ورفعت منه كثيرا لتسويق خطاب الاندماج، وهذا كان شعار الحملة (المحافظة والتأثير) والتأثير بمعنى الاندماج ونزع السياسي والأخلاقي وكل ما يتعلق بالمسألة الفلسطينية وقضايا جماعية داخلية فلسطينية مرتبطة بحبل السرة في القضية الوطنية عن خطابها، بمعنى بنت الموحدة إستراتيجيتها على التأثير، وتكتيكيا جعلت الخطاب الديني ركنا أساسيا في حملتها.

اقرأ/ي أيضًا | د. غانم: تغيّرات في عمق المجتمع الإسرائيلي أدت للانزياح إلى اليمين