تفكيك"الشيفرة الثقافية "الاسرائيلية!../ نواف الزرو
فيما تحتل قضية آلاف الاسرى الفلسطينيين القابعين خلف جدران الاعتقال في باستيلات الاحتلال قمة الاجندة السياسية الفلسطينية على الدوام، باعتبارهم نخبة وطليعة النضال الفلسطيني ضد الاحتلال، فانها تحتل في الوقت ذاته اهمية استراتيجية لدى سلطات الاحتلال للاعتبار ذاته، فدولة الاحتلال التي تعتقل اليوم اكثر من اثني عشر الف فلسطيني- والأرقام متحركة من يوم لآخر- تتعامل معهم بوصفهم القيادة الطليعية للشعب الفلسطيني وتستهدفهم معنويا وسيكولوجيا بغية تحطيم صورتهم وارادتهم ورمزيتهم للشعب والقضية، ولذلك تبنت تلك السلطات على مدى عقود الاحتلال الماضية سياسة متشددة جدا ازاء مساومات "تبادل الاسرى" و "تحريرهم".!
فقد درجت تلك الدولة على اعتبار المعتقلين الفلسطينيين "مخربين" أو "إرهابيين" أو" مجرمين" وليسوا أسرى حرب، ولذلك وضعت تلك الدولة معايير قولبت على شكل "تابو" خاص بشروط اطلاق سراح معتقلين فلسطينيين، وعلى هذه الخلفية تدور اليوم رحى معركة تبادل الأسرى...!.
يتساءل النائب عيسى قراقع رئيس نادي الاسير الفلسطيني قائلا: إن سؤال الإشكالية هو: هل أزمة الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال هي أزمة سياسية أم تربوية؟.
ويقول:"ولأن الأسرى فرضوا وجودهم كأمر واقع على الحياة السياسية الاسرائيلية فإن التعامل معهم يجري وكأنهم أرقام وليسوا بشراً بل فئراناً كما قال الصحفي "عاموس هرئيل" ليس لهم حقوق، والذي يقرر حقوقهم هي نظرية القوة والأمن والأوامر والتعليمات العسكرية الصادرة عن الضابط أو من الجهاز القضائي الاسرائيلي...".
ولكن- الصلف الإسرائيلي المعهود على مدى العقود في مسألة "إطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين الملطخة أيديهم بالدماء اليهودية"، على ما يبدو بدأ يدخل في مرحلة جديدة جوهرها النكوص والتراجع والاستسلام لقضاء القوة، فالقوة بالقوة والأسير بالأسير، هذا هو الاستخلاص الكبير الذي يمكن ان نتوج به عملية الرضوان الأخيرة لتبادل الأسرى.
ولعل تصريح رئيس دولتهم شمعون بيريز الحديث الذي أعرب فيه عن موقف جديد قال فيه: "يمكن مبادلة شاليط بأسرى قتلوا إسرائيليين، لكن الأمر ليس سهلا غير أنه سبق لإسرائيل ان قامت بذلك/وكالات/17 / 07 / 2008 " ينطوي على اهمية استراتيجية ومعنوية بالغة الأهمية، يمكن أن نعتبرها بداية تفكك وتحلل الشيفرة الثقافية الاسرائيلية تجاه الأسرى الفلسطينيين والعرب، وبرر بيريز موقفه الجديد بأن "من اتخذوا القرار بعقد صفقة التبادل مع حزب الله وضعوا نصب أعينهم القيم وليس الثمن"، زاعما: "أنه يوجد في الطرف الآخر أشخاص إلههم إله الارهاب غير أننا سنظل ملتزمين بأسمى القيم الاخلاقية وسنكافح دائما لاستعادة أبنائنا".
غير أن عملية تفكيك تلك الشيفرة الثقافية الاسرائيلية تجاه الاسرى لم تكن لتقترب بغير منطق القوة، والتجربة الطويلة مع دولة الاحتلال تبرهن على ذلك...!.
وعلى ذلك يمكن ان نتحدث عن تداعيات استراتيجية هامة، فبالإجماع اللبناني –الفلسطيني والاسرائيلي الى حد كبير، فقد كانت "صفقة الرضوان" لتبادل الأسرى والجثامين، من أهم عمليات التبادل التي نفذت حتى اليوم وعددها يصل الى ستة وثلاثين عملية وفق الوثائق.
وأهميتها التاريخية والإستراتيجية هي بالتأكيد كونها جاءت كما وثق في الادبيات السياسية الاسرائيلية استمرارا لحرب صيف/2006، واستمرارا لهزيمة "اسرائيل" في تلك الحرب، واستمرارا ايضا لمسلسل الانتصارات التي تسجل لصالح حزب الله والمقاومة..!
ولذلك تنطوي هذه العملية أكثر من سابقاتها على جملة مفتوحة من الدلالات والدروس والعبر والاستخلاصات بالغة الاهمية الاستراتيجية في سياق صراع ضار مفتوح مع دولة الاغتصاب الصهيوني...!.
وربما يكون الاستخلاص الأبرز والأهم في سياق قراءة عملية تبادل الأسرى مع الكيان الصهيوني هو ذلك الاستخلاص المتعلق بملف اكثر من اثني عشرالفا من الأسرى الفلسطينيين والعرب، الذين ما زالوا صامدين في باستيلات الاحتلال الصهيوني، وأن الطريق الوحيد لتحريرهم كما برهنت التجربة المثخنة بالجراح الفلسطينية –اللبنانية حتى اللآن هو طريق القوة والقوة فقط...!
فهكذا – كما أقيم ذلك الكيان على الحراب والحروب والقوة والارهاب، فانه لا يرتدع ولا يتراجع ولا يهزم الا بالقوة...!
- فهل اطلقت عملية المفاوضات والسلام سراح معتقل فلسطيني أو عربي واحد من "الوزن الثقيل" مثلا...؟!
- وهل تجاوبت دولة الاحتلال اصلا مع المطالب الفلسطينية والعربية باطلاق سراح الأسرى...؟.
وليس ذلك فحسب...!
وفي القناعات الفلسطينية المتبلورة الراسخة على امتداد الفصائل والجماهير الفلسطينية فانه لن يتم تحرير آلاف الأسرى إلا بالقوة فقط...!
ناهيك عن أن هناك الكثير ايضا من الاعترافات والشهادات الاسرائيلية على مختلف المستويات التي تقول صراحة إن "إسرائيل لا تفهم سوى لغة القوة "...!.
فبالقوة فقط يمكن تحرير الآلاف من الأسرى...!
وبالقوة وحدها فقط يمكن تحرير الوطن المغتصب...!
وبالقوة وحدها يمكن تحرير شعب كامل يرزح تحت الاعتقال في معسكرات الاعتقال الجماعي الصهيونية..!.
وفي هذا الصدد تحديدا قال السفير محمد بسيوني، رئيس لجنة الشؤون الخارجية والعلاقات العربية والأمن القومي بمجلس الشورى المصري:" إن خبرته في العمل كسفير طوال عقدين في "إسرائيل" تؤكد أن أي رئيس وزراء "إسرائيلي" لن يعطي أي حق عربي طواعيةً، وإنما يتم ذلك بـ"الإجبار" سواء بعمل عسكري أو اقتصادي أو سياسي، أو تحت تهديد سلاح دمار شامل/ فلسطين اليوم-19/04/2008".
وهاهو الكاتب الإسرائيلي المعروف جاكي خوجي- يثبت هذا الاستخلاص في معاريف-2007/11/19 قائلا:
"ان التجربة علمت اسرائيل انه بخلاف مفهومها عن نفسها، فانها لا تفهم سوى لغة القوة، وهذه الحقيقة ثبتت من قبل الفلسطينيين ".
إلى ذلك- ونحن نوثق هذه المعطيات الهامة حول تابو المعايير الاسرائيلية للأسرى وحول الأسرى وصفقات التبادل، فإننا نؤكد في الخلاصة المفيدة في هذا السياق أن معركة تحرير الاسرى الفلسطينيين والعرب ستبقى مفتوحة على أوسع نطاق طالما بقي أسير واحد هناك في معتقلات الاحتلال وطالما بقي جندي أو مستوطن يهودي على رقاب الشعب الفلسطيني، وطالما أن دولة الاحتلال لا تغير معاييرها ولا تعترف بالمعتقلين الفلسطينيين كاسرى حرب...!.