لا أعرف لماذا يتلعثم البعض؟ ولماذا يذهل البعض الأخر؟ ولماذا يرسل البعض إشارات توحي بجلطة دماغية وشيكة؟... ولا أعرف لماذا يختنق الكثيرون وتتوقف لديهم اللقمة في وسط الطريق بين الفم والأمعاء حين تطرح في جلسة عادية وبدون قصد أو تخطيط مسبق، فكرة الدولة الواحدة أو الدولة الثنائية القومية التي ليست هي بالطرح الجديد أو الموضة الفقاعية العابرة؟...

وأقصد بالمذهولين هنا ليس الإسرائيليين الذين أعرف بل بعض الفلسطينيين من مواطني دولة إسرائيل ومن الضفة، وخاصة أولئك المقربين من السلطة في رام الله. والغريب أن أحزابا وطنية ويسارية في مناطق48 هي تلك التي تنظر إلى طرح الدولة الواحدة على كامل التراب الفلسطيني كطرح رومانسي، غير عملي...غير قابل للتطبيق.. وغير منطقي... وكأن كل ما نعيش فيه ممعن في منطقيته ويعاني منها أيضا...

نعم... كل شيء منطقي وعملي في الطريق إلى تكريس نظام الأبرتهايد في الضفة بمساعدة جدار الفصل العنصري وتحويل الأرض إلى مجموعة من البنى التحتية الحديثة والمتطورة والطرق الواسعة للبيض (أعني المستوطنين الإسرائيليين في الضفة)... وطرق متعرجة وعوجاء للسود (الفلسطينيون) ملغمة بالحواجز والأغبرة، لا يصل المرء في نهايتها سوى إلى الوهم في أحسن حالاته... الوهم الذي يحاول عرابو أوسلو وما بعده أن يسوقوه على شكل دولة...

لا اعتقد أن طرح مبدأ الدولة الثنائية القومية بالذات الآن ممكن أن يكون أسوأ من الواقع ... فلا شيء أسوأ من الواقع..
وإن حاولنا أن نفكك مبدأي "زوال الاحتلال" و" دولتين لشعبين" إلى عواملهما فلن نحصل سوى على نتيجة واحدة.. لا مفر منها... وهي الأبرتهايد... بمعنى دولة قوية معترف بها عربيا على الصعيد الاقتصادي بالأخص، يصفق لها الغرب بحرارة مدفوعة بأسباب تاريخية نعرفها.. دولة تمتلك كافة المنافذ والمفاتيح ... إضافة إلى الموانئ والمطارات والسكك الحديدية... ودولة أخرى مهلهلة ضعيفة منزوعة عن ذاتها ولا تمتلك أي شيء سوى عدم قدرتها على صرف حوالة "السلام" لمواطنيها...

وإن حاولنا أن نفسر معنى "زوال الاحتلال" فلن نجد سوى نتيجة واحدة وهي: سجن جديد أكبر بقليل من سجن غزة... يجلس جنرالات الاحتلال "السابق" على مجاري أنفاسه...(كلما لاح القمر وغاب)...

وإن كان ثمة احتمال أن يستمتع أهل نابلس،مثلا، بمياه شواطئ يافا فإنها ستنعدم تماما بينما سيحتل الإسرائيليون أسواق "دبي" وأعمالها ورياضاتها المترفة من دون أدنى ثمن...

سوف تمكن الدولة الثنائية القومية من توحيد فلسطين التاريخية (التي لا يمكن تقسيمها) كلها تحت برلمان واحد وليس احتلال واحد وحكومتين محليتين بحيث يتم فتح كل المناطق الفلسطينية (العربية واليهودية) لحرية التنقل والعمل لكافة سكان البلاد وحاملي جنسية الدولة الواحدة مما سيمكن الفلسطيني أنى كان من الاستفادة من كافة الموارد والمنشآت والبنى التحتية... والخيرات... وفرص العمل.. والطبيعة ..و.. و

وباعتقادي لا يحول الفكرة إلى منطقية سوى طرحها (ببساطة شديدة).. طرحها إعلاميا وثقافيا وحياتيا بغزارة وبما يشبه الإلحاح....

(ملاحظة: ليست مشكلتنا يا مرهفي الحس أن تتوقف دولة إسرائيل عن كونها دولة يهودية.. إنها بحق ليست مشكلتنا)..