في عقم السياسة الفلسطينية!../ نزار السهلي*
بعد أن اقر المجلس الوزاري المصغر في تل أبيب توجيه ضربة عسكرية لقطاع غزة المحاصر، وحشد حملة في مجلس الأمن الدولي عبر المندوب الإسرائيلي لتمرير ورقة تشرح ( حقها في الدفاع عن نفسها) من هجمات صواريخ وضربات المقاومة في قطاع غزة المحاصر، تسارعت التحركات العربية للضغط لعودة الهدوء إلى القطاع واستمرار التهدئة، وتعالت أصوات فلسطينية وعربية من جدوى إسقاط التهدئة، وكأن الحياة في قطاع غزة تشوبها الطبيعة والهدوء ولا يلفها الموت البطيء والحصار الدامي بدءا بحبة الدواء وانتهاء برغيف الخبز.. وسارعت تسيبي ليفني، وبكل وقاحة، أمام مضيفها المصري إلى توجيه التهديدات لقطاع غزة بان حكومتها ستعمل على تغيير الأوضاع في القطاع، بالإضافة إلى تهديدات بارك للفلسطينيين في حال أصيب إسرائيلي برد مؤلم، ووقوف الدولة الريادية على الحياد أو قل تحميل صواريخ المقاومة المسؤولية وليس الاحتلال وممارساته في الضفة والقطاع.
وفي ترقب المشهد الفلسطيني عربيا برز الضغط الرسمي العربي على غزة منذ اليوم الأول للانقسام الفلسطيني الذي أنتج حالة حصار دائمة ومتواصلة للقطاع، متناسيا الدور الإسرائيلي والفاعل في محاربة المجتمع الفلسطيني وأدواته النضالية التي راكمها النضال الفلسطيني طيلة سنوات احتلاله المستمرة إلى يومنا هذا، رغم كذبة السلطة الوطنية ولعبة الشرعية التي أدخلت المجتمع الفلسطيني النفق المظلم عبر تناحر فئوي ضيق ما مكن الاحتلال في إحكام قبضته والإمعان في مشاريعه الاستيطانية المتواصلة لقضم مزيد من الأراضي والعمل على تهويد القدس المتواصل. والملاحظ أنه بعد كل لقاء بين قيادة السلطة في رام الله وكل لقاء تفاوضي يجري الإعلان عن مشاريع استيطانية جديدة.
والحكم الجائر على الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين القائد احمد سعدات بـ30 عاما وظروف وملابسات اعتقاله لهو خير دليل على عقم السياسة الرسمية الفلسطينية والعربية والسكوت الرسمي الفلسطيني هو عار بكل المقاييس. والتنديد اللفظي بالحكم والاكتفاء بصدور بيان من مكتب الرئيس لهو خير دليل على ميوعة السياسة الرسمية الفلسطينية التي قادت المشروع الوطني الفلسطيني إلى عقلية انهزامية.
لقد أخذت السياسة الفلسطينية الرسمية المتمثلة في طرفي الصراع المجتمع الفلسطيني رهينة العقليات الفئوية الضيقة في حصار الذات والقسوة والغلو في الحالة الوجودية للنضال الفلسطيني عبر العقلية التفاوضية العبثية وعبر وصف النضال الفلسطيني بالعبثي والإجرامي فاقدا بوصلته الحقيقية أمام استمرار واكتمال بناء جدار العار الفاصل والمبتلع لعشرات الهكتارات من الأراضي الفلسطينية سهلت له ميوعة رسمية فلسطينية عبر حذفه من أجندتها التفاوضية، وميوعة رسمية عربية مكتفية بشهد الفرجة على ما يجري رغم طرق جدران الأنظمة العربية التي أدمنته الساحة الفلسطينية.
وهل ما يجري في الساحة الفلسطينية من قرع لطبول الحرب على قطاع غزة المحاصر وتدهور الحالة الإنسانية لسكانه تتطلب الصمت والفرجة؟ سؤال ساذج والإجابة عليه تكمن في مراقبة ردود الفعل في العواصم العربية التي تراقب المشهد الفلسطيني بصمت مطبق وحالة من الترقب لإعلان جيش الاحتلال ساعة الصفر لبدء العمليات العسكرية في قطاع غزة عبر كيّ المجتمع الفلسطيني وإنهاء صداع ما يسمى ( حكم حماس) حسب تعبير تسيبي ليفني التي خبرت ردة الفعل الرسمية للعواصم المتفرجة عبر 18 شهرا من الحصار ساهمت به عواصم القرار العربي، معتقدة أنها تحمي مؤخراتها المكشوفة أصلا، وما الإمعان الإسرائيلي في كل القرارات الدولية الخاصة بالقضية الفلسطينية إلا دليل على العبث بتلك المؤخرات التي سهلت لها سياسة أمريكية خرقاء
قطعت دكة سراويل الأنظمة الصامتة والمتفرجة على ما يجري علها تسترد ورقة توت تحمي نفسها من العار اللاحق بها منذ ستة عقود.
عار ما يجري في فلسطين كلمة تكررت في قاموس السياسة العربية منذ نكبة فلسطين إلى يومنا هذا دون اعتبار لمعنى ومفهوم العار الذي يلف الجسد العربي من سياسة استبدلت مفاهيم النضال ضد الاحتلال بالإرهاب ومقاومة ممارسات الاحتلال بالعبثية والابتعاد عن الواقعية التي أنتجت فكرا مأزوما ومهزوما تسلل إلى الجسد الرسمي العربي.
لم تدرك العقلية المأزومة والمهزومة في الساحة الفلسطينية من طرفي الصراع الداخلي حجم المسؤولية التي تقع على عاتقها في مواجهة المشروع الصهيوني. ومن حقنا أن نسأل عما يدور في الغرف المغلقة عند كل لقاء مع ( الإسرائيلي) إن كان فلسطينيا أو عربيا؟ ونسأل هل يتم الحديث عن المستوطنات وإزالتها أم عن الحواجز التي تقطع أوصال المدن والبلدات أم عن اعتداءات المستوطنين وإرهابهم كما جرى في الخليل ورأينا ردة الفعل لدى أصحاب القرار الفلسطيني وأداء الشرطة المنتشرة في الخليل؟ وهل يجري التطرق عن الإجراءات المتخذة في مدينة القدس ( وهي عاصمة للثقافة العربي بعد أيام )؟ وأي ثقافة أفرزتها السلطة للمجتمع الفلسطيني والعربي وهي تستعد لتلك الاحتفالية غير التشتيت والتناحر.
وبالعودة للحديث عن الأسرى، ولنا في واقعة الحكم الجائر على القائد أحمد سعدات الدليل انه ليس على أجندة اللقاءات بين المفاوض الفلسطيني والإسرائيلي فيما مضى من طرح حقيقي لقضية الأسرى، وليس هناك من جدية في ذلك. وأنا شخصيا أحمل نائب الأمين العام للجبهة الشعبية عبد الرحيم ملوح ذلك التقصير فكيف لي أن افهم أن السيد ملوح الذي يرافق السيد الرئيس كظل له ( كعضو لجنة تنفيذية ) كما يبرر له، بدل الاحتجاج والانسحاب حتى من اللجنة التنفيذية.. بدل أن تكون غطاء لدى قيادة السلطة وطرح أن يكون البند الرئيسي عند كل لقاء قضية الأسرى والقدس والاستيطان واللاجئين..
لقد سئمنا من مشاهدة مؤخراتكم المكشوفة التي تركل بفعل سياسة إسرائيلية واضحة وانكماش مشروعكم الذي نسمعه ليل نهار على انه "الوطني"