كرر رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، شروطه لاتفاق إسرائيلي – فلسطيني، خلال لقاء مع شبكة CNN الأميركية، أول من أمس الجمعة. وقال إن الاتفاق الذي يريد التوصل إليه يجب أن يشمل حكما ذاتيا للفلسطينيين في دولة منزوعة السلاح "ويجب أن تكون الصلاحيات الأمنية العليا بأيدي إسرائيل" وأن "السيطرة الأمنية يجب أن تكون بأيدي قوات إسرائيلية"، بزعم أنه "عدا ذلك فإن إرهابيين إسلاميين سيسيطرون على المنطقة، داعش أو حماس أو إيران أو جميعهم معا". هل هذه ستكون دولة؟ أجاب نتنياهو: "لا أعرف. قرروا أنتم. أريد أن يسيطر الفلسطينيون على أنفسهم ولكن ألا تكون لديهم قدرة على تهديدنا". وشدد أن "هذا هو شرطي".

لا شك أن نتنياهو يعلم أنه لا يوجد أي مسؤول فلسطيني، حالي أو قادم، يمكن أن يوافق على شروطه. فالإجماع الفلسطيني الحالي، حتى بين طرفي الانقسام وهما حركتا فتح وحماس، يقضي بقيام دولة فلسطينية مستقلة في الأراضي المحتلة عام 1967، وأن القدس الشرقية، أي البلدة القديمة ومحيطها، هي عاصمة الدولة الفلسطينية. ولذلك، فإن لأقوال نتنياهو المتكررة هذه عدة دلالات.

أول هذه الدلالات، هي أن نتنياهو يسعى إلى إبقاء الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني مستمرا ويرفض التوصل إلى اتفاق دائم لإنهائه. ويعني ذلك استمرار الاحتلال، استمرار قمع الإنسان الفلسطيني وحقوقه، استمرار الاستيطان، واستمرار وتعميق نظام الأبارتهايد الإسرائيلي. وينسجم موقف نتنياهو هذا مع الموقف الصهيوني العام، سواء أحزاب اليمين أو أحزاب الوسط، برفض وجود دولة أخرى بين النهر والبحر. وهذا موقف تاريخي موجود قبل قيام إسرائيل.

وثاني هذه الدلالات، هي أن إسرائيل لا تشعر بخطر من جانب الفلسطينيين، أو أية جهة أخرى، يجعلها تتجه نحو اتفاق حقيقي مع الفلسطينيين. ربما يقول قائل إن نتنياهو عبر عن تخوفه من "داعش" وحماس وإيران. وهذا ليس صحيحا، خاصة وأن نتنياهو يمارس التضليل هنا. فهو، لأسبابه وأهمها تعميق الانقسام الفلسطيني الداخلي، أشد المؤيدين للمحادثات بين إسرائيل وحماس، بواسطة طرف ثالث، ولذلك حماس ليست مثل "داعش" بنظره. أما إيران، فإنه ليس مستبعدا أن تجري في المستقبل اتصالات، محادثات، أو ربما مفاوضات بين إسرائيل وإيران، خاصة وأنه تتعالى أصوات في إسرائيل تطالب بذلك. ولم تشعر إسرائيل بالخطر منذ حرب تشرين أول/أكتوبر العام 1973، وهذا الشعور قادها إلى الموافقة على دعوات الرئيس المصري الأسبق، أنور السادات، لإبرام اتفاقية سلام مقابل الانسحاب من سيناء.

دلالة ثالثة، هي أن سياسة إسرائيل الخارجية نابعة من سياستها الداخلية، أو كما قال وزير الخارجية الأميركي الأسبق، هنري كيسنجر، إنه لا توجد لإسرائيل سياسة خارجية وإنما سياسة داخلية وحسب. بهذا المعنى، نتنياهو، وليس وحده وإنما جميع السياسيين الإسرائيليين، يوجهون أقوالهم إلى الإسرائيليين وخاصة ناخبيهم، حتى لو كانوا يتحدثون إلى وسائل إعلام أجنبية. وفي هذا السياق، فإن الحديث في إسرائيل الآن هو أنه ليس مجديا أن يطرح الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، خطته لسلام إسرائيلي – فلسطيني، أي ما يسمى "صفقة القرن"، قبل الانتخابات العامة الإسرائيلية المقبلة، التي يبدو أنها ستجري في النصف الأول من العام المقبل، لأن نتنياهو لن يقبل بالتحدث عن أي "صفقة" خلال حملة انتخابية. وبتصريحه أعلاه لـCNN، أوضح نتنياهو للإسرائيليين شروطه، أو ما يمكن أن يوافق عليه.

دلالة رابعة، هي أنه بتصريحه المتكرر عن السيطرة الأمنية الإسرائيلية على "الدولة الفلسطينية"، يشدد نتنياهو على استمرار اعتماد إسرائيل على قوتها وعدم التردد في استخدام القوة ضد الفلسطينيين. إذ أن تقديرات كافة الأجهزة الأمنية الإسرائيلية تتوقع تصعيدا أمنيا في الأراضي المحتلة منذ العام 1967، أي في الضفة الغربية وقطاع غزة.

دلالة خامسة، هي أن نتنياهو يريد إبقاء الاحتلال في الضفة والقطاع، ولكن من دون تحمل أعبائه، عندما يتحدث عن "سيطرة الفلسطينيين على أنفسهم" في حين أن السيطرة الأمنية بأيدي القوات الإسرائيلية.

دلالة سادسة تكمن في ما لم يقله نتنياهو: أين ستكون هذه "الدولة" وما هي مساحتها وهل لها حدود أصلا؟ زد إلى ذلك معارضة إخلاء مستوطنات، في وقت تسعى فيه دولة الاحتلال إلى تقطيع أوصال الضفة وقطع التواصل الجغرافي بين شمالها وجنوبها وتتحدث عن ضم ثلثي الضفة إليها.