تشير نتائج الانتخابات الإسرائيلية الأولية إلى تفوق معسكر اليمين الصهيوني بزعامة نتنياهو، على معسكر الوسط واليسار الصهيوني برئاسة حزب الجنرالات "كاحول لافان" بـ 10 مقاعد، رغم تعادل القائمتين وحصول كل منهما على 36 مقعدا، مع احتمال تقدم أو تراجع أحدهما قليلا بعد الانتهاء من فرز المغلفات المزدوجة.

إلى جانب تأكيدها على فوز وتفوق معسكر اليمين في المشهد السياسي، عززت النّتائج مكانة نتنياهو الغارق بملفات الفساد، وزادت من قدرته على تشكيل الائتلاف الحكومي الخامس برئاسة الليكود، كائتلافٍ مستقرٍّ وثابتٍ أكثر من السابق المتأرجح والضيّق في الكنيست العشرين.

لا تحمل النتائج مفاجئات دراماتيكية خاصة، إذ تطابقت غالبيتها مع التوقعات التي سبقت يوم الانتخابات، ومع نتائج الاستطلاعات التي أشارت إلى سقوط عدد من قوائم اليمين الفاشي الاستيطاني، بفعل نجاح نتنياهو في امتصاص قوة هذه القوائم التي تحوم في مدار معسكره؛ وهذا يؤكد عدم حصول أيّة تحولات داخل معسكر اليمين، إذ تنقّلت الأصوات داخل المعسكر، ولم تنزلق خارج البيت الجامع لليمين، فيما كان التحول الوحيد في تقييم الناخب اليميني لقياداته وأدائها، واختيار دعم الأنسب بينها لتطلعاته وطموحاته ومعتقداته.

ويعزو بعض الخبراء والمختصين والمحللين تصاعد قوة معسكر اليمين، إلى المنجزات الّتي حققها نتنياهو في بعض القضايا على مستوى السّياسة والاقتصاد، وهي القضايا ذاتها الّتي طغت على حملته الانتخابية وهي  تحويل إسرائيل إلى قوة اقتصادية، لها علاقات مع مختلف دول العالم بما فيها دول عربية، ثمّ بناء علاقات مع 13 دولة عربية وإسلامية في السر والعلن، وعلاقاته القوية مع الولايات المتحدة والروس، وإعلان القدس عاصمةً لإسرائيل؛ والسيادة على الجولان، وحصار إيران، بالإضافة إلى تثبيت قوة الرّدع في مواجهة حماس وغزة والحفاظ على أمن إسرائيل.

إن النتائج تعزز التحوّلات في المجتمع اليهودي الإسرائيلي، وانزياحه لأقصى اليمين المتطرف في السنوات الأخيرة وتنامي عدائه للفلسطيني ورفضه لأيّ حلٍّ سياسيٍّ عادل، وزيادة قناعته بحقّه في استعمار شعب آخر، وتكريس الاحتلال؛ إلّا أنّها ليست وحدها ما يؤكّد هذه التّحوّلات الخطيرة، إذ أنّ الحملات الانتخابية وبرامج الأحزاب الصهيونية على اختلاف توجّهاتها، لم تقدم بديلاً سياسيًا وحلًّا شاملًا بشأن القضية الفلسطينية، إذ تجنّبت الأحزاب الخروج عن الإجماع الصهيوني الإسرائيلي، خشية خسارتها أصوات اليمين.

كل المعطيات في هذه الانتخابات تشير إلى هيمنة اليمين الصهيوني على المشهد السّياسيّ والاجتماعيّ والأمنيّ والاقتصاديّ والمناحي الحياتيّة المختلفة؛ كما تشير إلى فشل معسكر الوسط واليسار الصهيوني في زعزعة هذه الهيمنة، وأبرز مثال على ذلك هو المسألة الأمنيّة، الّتي تعتبر محورًا مركزيًّا في الانتخابات، إلّا أنّها لم تحسم النتائج لصالح قائمة الجنرالات العسكريّين "كاحول لافان"، رغم تصدر غزّة الدّعاية الانتخابية، وسقوط صاروخ شمال تل أبيب وعجز نتنياهو عن ردع المقاومة الفلسطينية.

 إذًا، يمكننا الاستنتاج في ضوء النتائج أنّ الانتخابات الإسرائيلية لم تحدِث تغييراتٍ وتبدّلات جدّيّة وجوهريّة على المشهد السياسي والحزبي، إذ بقي اليمين الصهيوني مسيطرًا، بل وتنامت قوّته وتعززت قوّة زعيمه، الّذي سيكون أول زعيم إسرائيلي يقضي أطول فترة في منصب رئيس الحكومة؛ كما لم تؤثّر على التوجهات والعقائد السياسية لدى الجمهور اليهودي عمومًا، أو على الناخب خصوصًا، والدليل حصول نتنياهو على ثقة أكثر من مليون ناخب، رغم قضايا الفساد وخيانة الائتمان التي تلاحقه وستحدد مصيره السياسي.

الجديد هو أنّ الانتخابات الأخيرة حسمت سيطرة اليمين الصهيوني الاستعماري على الكنيست وزادت إمكانيّات طغيانه، إذ يحظى نتنياهو بخيار وإمكانية تشكيل ائتلافٍ حكوميٍّ واسعٍ ومنسجمٍ سياسيًّا وعقائديًّا، مستقرٍّ وعنصريٍّ ومتطرفٍّ واستيطانيٍّ أكثر من سابقه، الذي سيمنحه الدعم الكامل للمضي قدمًا في مشاريع الضّم والقضْمِ والاستيطان في الضّفة الغربية والقدس والجولان، وفي تكريس الواقع الاستعماري ولشنّ العدوان على غزة المحاصرة كلما اشتدّ حبل ملفات الفساد حول رقبته، إضافة لتشريع القوانين العنصرية والتغوّل في سياسات الظلم والتحريض والتهويد والتهجير والهدم ضدّ المجتمع العربيّ الفلسطينيّ في الداخل، في ظلّ معارضة صهيونية واهنة ، تحلُم بـ"كتلة مانعة"  كانت وهمًا وأضحت وهمًا، تسعى لصد "قيصر الكيان".

اقرأ/ي أيضًا | الاستطلاعات كأداة إسرائيلية لتنفير العرب من الانتخابات والعمل السياسي