هل تتحول الانتفاضة السودانية إلى ثورة تُطيح نظام البشير؟

ما زال مبكرًا التنبؤ بمآلات الانتفاضة الشعبيّة الحالية في السودان وتصنيفها كثورة، فهي لم تكمل أسبوعها الأول بعد، إلّا أن الأحداث المتسارعة لحركة الاحتجاجات المستمرة لليوم الخامس على التوالي، تُدلل على زخم شعبي كبير في حجم وشكل المشاركة في المدن

هل تتحول الانتفاضة السودانية إلى ثورة تُطيح نظام البشير؟

البشير جامع المتناقضات (أ ب)

ما زال مبكرًا التنبؤ بمآلات الانتفاضة الشعبيّة الحالية في السودان وتصنيفها كثورة، فهي لم تكمل أسبوعها الأول بعد، إلّا أن الأحداث المتسارعة لحركة الاحتجاجات المستمرة لليوم الخامس على التوالي، تُدلل على زخم شعبي كبير في حجم وشكل المشاركة في المدن والأرياف السودانيّة في مختلف المحافظات والولايات بشكل لم يشهده السودان من قبل، الأمر الذي يؤهلها لأن تتحول إلى ثورة شعبيّة على غرار الثورات العربيّة عام 2011، في الوقت الذي رفع فيه المتظاهرون شعار "الشعب يريد إسقاط النظام" منذ اليوم الأول.

بدأت المظاهرات قبل أسبوع بسبب غلاء المعيشة ونفاد بعض السلع، ما دفع المتظاهرين بالهجوم على مقرات حزب المؤتمر الوطني الحاكم وإحراقها، لتعمّ المظاهرات في المدن والأقاليم.

وشهدت العاصمة، الخرطوم، أكثر من 15 مظاهرة في نفس الوقت بمناطق مختلفة، أبرزها المظاهرات الطلابيّة التي خرجت من الجامعات مثل جامعة النيلين وجامعة السودان، يوم الخميس الماضي، بالإضافة للمدارس الثانوية والأسواق الشعبيّة، مثل السوق العربي القريب من القصر الجمهوري، ما حدا السلطات السودانيّة إلى تعليق الدراسة في الجامعات.

وتتواصل المظاهرات بشكل يومي، وشهدت عشرات البلدات السودانيّة احتجاجات وحرق لمقار الحزب الحاكم، وجزء من هذه المظاهرات كانت تخرج في ساعات المساء.

واستخدمت الشرطة السودانيّة الغاز المسيل للدموع لتفريق المظاهرات في بعض المواقع، فيما ارتفع عدد القتلى إلى 22 شخصًا من المتظاهرين بحسب تصريحات لقوى سياسيّة، كما طالت الاعتقالات عددًا من الناشطين المعارضين.

ولوحظ قيام بعض البلطجيين بالدخول بين المتظاهرين في محاولة لافتعال أعمال عنف، كما قطعت شركات الاتصالات خدمة الإنترنت عن موقعي "فيسبوك" و"تويتر"، كما قال عدد من الناشطين.

البشير جامع المتناقضات: إخواني ومن خلفية عسكريّة، يحارب إيران في اليمن ويزور الأسد في دمشق (أ ب)

في نفس الوقت، يبدو موقف النظام أقرب إلى الصمت في الوقت الحالي بعد هذه الصدمة من اتّساع دائرة الاحتجاجات، رغم وجود بعض التصريحات التي تتهم المتظاهرين بأجندات تخريبيّة وخارجيّة.

للوقوف على الحراك الجاري في السودان، توجّه موقع "عرب 48" إلى عدد من الناشطين السودانيين للحديث عن آخر المستجدّات.

عبد الرحيم: موجة الاحتجاجات عفوية ولم يدع لها أحد

في حديث مع الكاتب الصحافي، فواز عبد الرحيم، من الخرطوم، قال إنّ أسباب الاحتجاجات الحالية هي ندرة مستمرة في الخبز والوقود والأدوية والسيولة النقدية التي يشهدها السودان منذ بداية عام 2018، مع زيادة أسعار السلع بصورة مضطردة (يبلغ معدل التضخم الشهري الرسمي 69%، بينما ارتفع سعر صرف الجنيه مقابل الدولار ليصل إلى أعلى مستوياته).

وفي بداية الشهر الحالي، بحسب عبد الرحيم، اشتدت حدة الأزمة الاقتصادية، ما أدى لانعدام الخبز تمامًا في بعض الولايات وتضاعف سعره ثلاث مرات ليصل إلى 3 جنيهات في مدينتي عطبرة وبورتسودان.

وعن تفاعل الشارع، قال عبد الرحيم إنّه "كان أقوى في المدن التي تم فيها زيادة أسعار الخبز ثلاثة أضعاف. بورتسودان وولاية نهر النيل، هي المدن التي أشعلت الموجة الحالية من التظاهرات وشهدت أعنف المواجهات، في مدن عطبرة ودنقلا تم حرق مقر حزب المؤتمر الوطني الحاكم وأعلنت حالة الطوارئ وتم تعليق الدراسة في مدارس الأساس والمرحلة الثانوية". وأضاف " شهد يوم الجمعة تسارعًا في وتيرة الأحداث، وامتدّت لتشمل مدنا جديدة مثل ربك والقضارف، التي شهدت إحراق مقر الحزب الحاكم، ومبنى المحلية ومنزل الوالي. كما شهدت الخرطوم احتجاجات كثيفة شملت معظم أحيائها حيث شهدت ضاحية ’الحاج يوسف’ أعنف المواجهات، مع إطلاق القوات الأمنية النار فيها على المتظاهرين، أيضا مساء الجمعة تم تعليق الدراسة بكل المدارس والجامعات في العاصمة وخمس مدن أخرى، وبلغت حصيلة الشهداء 28 وعشرات الجرحى، مع الإشارة إلى أنه لا توجد إحصائيات رسمية والرقم مرشح للزيادة".

واتسم تعامل السلطات السودانيّة مع التظاهرات بالعنف المفرط بحسب عبد الرحيم، حيث "تم استخدام الغاز المسيل للدموع والقنابل الصوتية والرصاص الحي، واعتقالات واسعة للمحتجين وبعض قيادات الأحزاب السياسية.. ويتوقع تصاعد وتيرة القمع"، مؤكدًا أن الموجة الحالية من التظاهرات لم يدع لها تنظيم سياسي محدد وهي "عفوية بشكل كبير ولم تتخذ بعض الأحزاب السياسية منها موقفا حاسمًا بعد، وإن كانت هنالك دعوات من تحالف قوى الإجماع الوطني المعارض إلى إضراب سياسي عام".

الكامل: الجيش سلاح ذو حدين ولن نقبل التجربة المصرية

تحفة الكامل
تحفة الكامل

من جهتها، قالت الناشطة السودانية تحفة رفعت الكامل، لـ"عرب 48" إنّ هذا الحراك مختلف عن أي حراك سابق في السودان، وذلك "لأن الحراك انتشر في مناطق كثيرة، إضافة إلى أنه منذ اليوم الأول، هتفت الناس ضد النظام وليس ضد الغلاء، وهو موجّه لإسقاط النظام"، وأكدت الكامل أن الحراك لم يكن بدعوة من أحزاب بل هو "عفوي بامتياز وهذا أمر جيد. لكن في نفس الوقت، هناك حاجة الآن لغطاء سياسي من الأحزاب السياسيّة في السودان، وهذا هو الوقت كي تضع القوى السياسية خلافاتها جانبًا وتتوحد وراء مطالب الشعب، ويجب أن يتم تأسيس مجلس تنسيقي مشترك لأن الحراك الشعبي من دون غطاء سياسي ممكن أن يضيع. يوجد حماس جماهيري منقطع النظير وغير مسبوق، في نفس الوقت نواجه عدوا يحاربنا بشكل قوي ويستعمل القمع الشديد، والمطلوب مجلس رئاسي انتقالي ممثلًا عن المعارضة المدنية".

وحذّرت تحفة وهي طالبة في جامعة الأحفاد في ولاية الخرطوم ومن المشاركات والمساهمات في الاحتجاجات، من التعويل على الجيش قائلة "الجيش سلاح ذو حدين، موقفه الآن أقرب للناس، لكن هذا قد لا يطمئن لاحقًا. نحن ننظر إلى الجيش ليكون مساندًا لنا، لكن ليس كبديل عن النظام القائم كما حصل في التجربة المصريّة. هذه الحكومة جاءت بانقلاب عسكري ولا نريد انقلابا جديدا، ونحن لن نقبل بحكومة عسكرية من جديد. نقبل بالجيش كسند للثورة لكن ليس للاستيلاء على السلطة بانقلاب وهذا أمرٌ وارد، وإن لم نكن واعين لهذه المسألة، الجيش قد يأخذ الأمور لمصلحته".

وأشارت الكامل إلى بدء مبادرات لتنظيم الحراك الجاري، حيث يعمل طلبة الجامعات على التنسيق في ما بينهم، وهناك مبادرة لتجمّع المهنيين الذين يدعون لتحركات يوم الثلاثاء.

وعن أجواء المظاهرات، قالت الكامل "أنا أنظر لهذا الحراك كما باقي الناس، هناك هدف واضح لا حماس عابرًا، وهذا انعكس في التزامن بالخروج بين مناطق مختلفة ومتباعدة. حتى عندما تأتي الشرطة لتقمع، نرى استعداد الناس للبقاء والتظاهر بشكل أكبر. يوم أمس، كان ثلاث مظاهرات في نفس الوقت في السوق العربي، والأمن لم يستطع تفريق المظاهرات. والناس تنتهي من مظاهرة وتذهب إلى واحدة أخرى في نفس اليوم. وحماس الأجهزة الأمنية للقمع أقل، خصوصًا أنهم هم، أيضًا، جزء من الشعب ويتعرضون لما يتعرضه الشعب. والمميز لهذه المظاهرات أنها تجمع جميع فئات الشعب من رجال ونساء وشباب وأطفال وطلاب وعمال. والتجاوب كبير من الجميع، فعلى سبيل المثال أصحاب المحلّات التجارية يقفلون محالهم عندما تبدأ المظاهرات وينضمون لها، وهناك مشاركة واسعة للنساء في الولايات".

وقالت الكامل في ختام حديثها "نحن أمام مشهد يمكن اعتباره بداية لثورة جادة لإسقاط النظام، ونحن متفائلون".

أبو بكر: السودان سوف يعيد الأمل للشعوب العربية والربيع العربي

أمّا الباحث السوداني أبو بكر عبد الرازق، فتحدث عن مآلات الانتفاضة السودانية الحالية، قائلًا إنه رغم الإحباط الذي كان عند السودانيين بسبب ما جاء في تجارب الثورات العربيّة عام 2011 مثل مصر وسورية واليمن، إلّا أن السودانيين يخرجون اليوم للتظاهر معتبرًا أن "الحكومات الاستبدادية في المنطقة العربية وظّفت مخرجات الربيع العربي بشكل رسالة مفادها أنه ’إذا خرجتم للتظاهر سيحصل لكم مثلما حصل في ليبيا واليمن وسورية’، لكن السودان حسم أمره ورأى أنه لا يمكن استبدال الحرية بأمان متوهم في ظل أنظمة استبدادية".

أبو بكر عبد الرازق

وأضاف عبد الرازق "هذه الأنظمة الاستبدادية ارتهنت لقوى إقليمية وفاقدة للشرعية تستجدي التعاطف الإقليمي والدولي، وفي نفس الوقت، تحكم في الداخل بشرعية الغاب. السودانيون أدركوا أن الحاكم فشل على مدار ثلاثين عامًا من رفعه لشعارات لم يحققها. والنظام لم يقم فقط بتنازلات وارتهانات للخارج، بل كان يساوم على قضايا عربية. فالتطبيع مع إسرائيل اليوم مطروح من قبل النظام بهدف رفع العقوابات عنه".

الهروب من الجنايات الدولية بالتمسك في السلطة

وأكد أبو بكر أن الرئيس السوداني، عمر البشير، يحاول أن يجد لنفسه مخرجات من مذكّرة محكمة الجنايات الدولية، التي تأمر باعتقاله، لذلك يقوم بتقديم التنازلات "الشعب السوداني معروف بدعمه للقضية الفلسطينية، النظام تاجر فيها لفترة من الزمن والآن تتضح المواقف بشكل أكبر. كما أن زيارة البشير الأخيرة إلى بشار الأسد كانت صادمة للسودانيين".

واعتبر أبو بكر أن المحرك الأساسي للاحتجاجات هو فشل النظام في إقامة دولة توفّر الأمان ويتحقق فيها السلام "منذ عام 2002، قام النظام بعقد أكثر من عشرين اتفاقية سلام مع أطراف متحاربة أو مع المعارضة وحركات مسلحة ومن ثم كان ينقضها، حيث كان يسعى من وراء هذه الاتفاقيات إلى أن يمنح لنفسه عمرًا جديدًا في السلطة، وخشية البشير من الجنايات الدولية جعلته يتمسك أكثر وأكثر بالسلطة. لذلك نرى السودانيين اليوم يطالبون برحيل هذا النظام وإحراق مقار الحزب الحاكم يقول كل شيء. فهذا الحزب مسؤول عن حروب في دموية في دارفور، وجرى تدمير التعليم وبيع المؤسسات الحكومية كلها، بالإضافة لحالة غير مسبوقة من الفساد، ناهيك عن تواطئ النظام في انفصال الجنوب كي يبقى هو الحكم".

وخلص أبو بكر قائلًا "السودانيون قرروا وقف العبث. السودانيون يحاولون الآن بالقيام تجربتهم الخاصة للربيع العربي. السودان هو رئة جديدة للربيع العربي قد تنعش آمال المصريين والسوريين واليمينيين والليبيين.. وكل الشعوب في المنطقة العربية".

التعليقات