من يريد اغتيال رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي؟

قوات حماية رئيس الوزراء العراقي أسقطت طائرتين، والثالثة انفجرت وألحقت أضرارا بمنزله. وتوالت ردود الفعل المحلية والدولية والإقليمية وبضمنها إيران لمحاولة الاغتيال. ومعارفه يصفونه بأنه "لاعب ماكر" وأنه "لا يعادي أحدا"

من يريد اغتيال رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي؟

الكاظمي (أ.ب.)

أفاد مصدر أمني بأن محاولة الاغتيال الفاشلة التي استهدفت رئيس الوزراء العراقي، مصطفى الكاظمي، فجر اليوم الأحد، "تمت بثلاث طائرات مسيرة، أسقطت منها قوات حماية رئيس الوزراء الأمنية اثنتين"، فيما انفجرت الثالثة و"ألحقت أضرارًا بمنزله" حسبما نقلت عنه وكالة فرانس برس.

وأوضح مصدر أمني آخر أن "الطائرات الثلاث انطلقت من جهة نهر دجلة قرب جسر الجمهورية"، المقابل للمنطقة الخضراء المحصنة، حيث يقع منزل الكاظمي ومقرات حكومية وسفارات غربية بينها السفارة الأميركية.

وأضاف المصدر أن بطاريات "سي رام" الدفاعية الأميركية "لم تفعّل"، موضحاً أن "السبب بعد المسافة بين المنزل وبين السفارة الأميركية، فالمنظومة مخصصة للعمل على حماية السفارة الأميركية والمباني المحيطة بها من ضمنها قيادة العمليات المشتركة" للجيش العراقي.

وأدى الهجوم إلى إصابة اثنين من حرس الكاظمي بجروح طفيفة، وفق مصدر أمني ثالث.

وتشهد الجهة المقابلة لهذه المنطقة اعتصاما لمعترضين على نتائج الانتخابات النيابية المبكرة، التي أجريت في العاشر من تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، تطوّر إلى صدامات مع القوات الأمنية راح ضحيته شخص على الأقل وأصيب نحو 125.

وترفض الكتل السياسية الممثلة لـ"الحشد الشعبي"، وهو تحالف فصائل شيعية موالية لإيران ومنضوية في القوات المسلّحة، النتائج الأولية التي بيّنت تراجع عدد مقاعدها. وتكررت في الأشهر الأخيرة الهجمات بالطائرات المسيرة، وهي تستهدف خصوصا القوات والمصالح الأميركية في العراق ولا تتبناها أي جهة، لكن تنسبها واشنطن عادة إلى فصائل عراقية موالية لإيران تطالب بالانسحاب الكامل للقوات الأميركية من العراق.

انتشار كثيف لقوات الأمن في بغداد اليوم (أ.ب.)

الهجوم وعملية تشكيل الحكومة

وفي دولة تتنافس على النفوذ فيه طهران والولايات المتحدة، أفرزت الانتخابات وفق النتائج الأولية، برلمانا مشرذما ما يفتح الأبواب أمام سيناريوهات عدة. ورجّح الباحث في مركز "تشاثام هاوس"، ريناد منصور، لوكالة فرانس برس أن يكون هجوم اليوم "مرتبطا بعملية تشكيل الحكومة"، موضحا أن الهجمات بالطائرات المسيرة "باتت إستراتيجية شائعة لإرسال رسائل تحذيرية ... هي تحذير للكاظمي لكن أيضًا لمقتدى الصدر" الحائز على أكبر عدد من النواب ( أكثر من 70) وفق النتائج الأولية، وكان يقوم بجولات تفاوضية مؤخرًا في بغداد.

وخرجت ردود الأفعال المستنكرة عقب هذا الهجوم، من أطراف محلية ودولية وعربية. وشجب الرئيس العراقي، برهم صالح، "الاعتداء الارهابي الذي استهدف رئيس الوزراء"، فيما ندّد زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، بـ"العمل الإرهابي" الذي استهدف الكاظمي، معتبرا في تغريدة أنه "استهداف صريح للعراق وشعبه".

وأدانت بعثة الأمم المتحدة في العراق "محاولة اغتيال" الكاظمي، داعيةً إلى "الهدوء والحثّ على ضبط النفس".

وسارعت الولايات المتّحدة إلى إدانة هذا "العمل الإرهابي الواضح" وعرضت على السلطات العراقية المساعدة في التحقيق.

واستنكرت كل من جامعة الدول العربية ومصر ولبنان والسعودية ومجلس التعاون الخليجي كذلك الهجوم.

واستنكرت إيران محاولة اغتيال الكاظمي ودعت إلى "اليقظة لإحباط المؤامرات الأمنية" في البلد المجاور. وقال الناطق باسم وزارة الخارجية الإيرانية، سعيد خطيب زاده، في بيان نقلته وكالة الأنباء الرسمية (إرنا) إنه "ندين استهداف رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي ونؤكد موقفنا الثابت بدعم الأمن والاستقرار في العراق".

وأضاف "أدعو الجميع الى التحلي باليقظة لمواجهة المؤامرات الرامية لاستهداف أمن العراق وتنميته"، مشيرا إلى أن "عملية الاغتيال تصب في مصلحة المعتدين على استقرار العراق وأمنه واستقلاله لتحقيق مطامعهم الاقليمية". وتابع البيان أن "مثل هذه الاحداث تصب في صالح من انتهك سيادة العراق واستقلاله على مدى 18 عاما وأيضا في صالح من سعى لتأسيس الجماعات الإرهابية وزرع الفتنة لتحقيق أهدافه الإقليمية المشؤومة" في إشارة واضحة إلى الولايات المتحدة.

وأدانت فصائل شيعية تنضوي في إطار "المقاومة العراقية" محاولة اغتيال الكاظمي، معتبرة أن هدف المحاولة هو فرض نتائج الانتخابات البرلمانية المبكرة التي جرت الشهر الماضي.

و"المقاومة العراقية" إطار يضم فصائل شيعية مسلحة مرتبطة بإيران ومناهضة للوجود الأميركي في العراق بينها "عصائب أهل الحق" وكتائب "حزب الله" العراقي، و"حركة النجباء"، وكتائب "سيد الشهداء".

وترفض هذه الفصائل النتائج الأولية للانتخابات بعد خسارة مظلتها السياسية تحالف "الفتح" الكثير من مقاعدها.

وقالت الفصائل في بيانها إنه "نُدينُ عملية استهداف منزل رئيس مجلس الوزراء العراقي المنتهية ولايته ونعده استهدافا للدولة العراقية... كون هذا الموقع حصرا من أهم مؤسسات الدولة، ونعتبره المنجز الأهم الذي حصلت عليه الأغلبية (الشيعية) بعد سقوط الدكتاتورية". وأضافت أن "من قام بهذا العمل يحاولُ خلط الأوراق"، مشددة على مطالبتها بقوة "بإجراء تحقيق عادل" في فض اعتصام المحتجين على نتائج الانتخابات ببغداد يوم الجمعة الماضي.

واعتبرت بأن "صناعة حادثة كهذه لنْ تمنعنا من إصرارنا على معاقبة الجناة ول اسيما المتورطين الكبار في إراقة دماء الأبرياء من المتظاهرين السلميين". كما دعت إلى "تشكيل لجنة فنية مختصة بمشاركة المختصين من الحشد الشعبي للتحقيق بهذا الحادث وإعلان النتائج". وأشارت إلى أن "اتباع الطرق السلمية والقانونية المكفولة دستوريا في استرداد الحقوق المنهوبة هو سبيلُنا الذي نراهُ يتلاءمُ وحرصنا في الحفاظ على استقرار العراق وأمنه".

وحذرت الفصائل من "وجود مسلسل يحتوي المزيد من هذه الأفعال التي هدفها إرباك الشارع العراقي وتمشية نتائج الانتخابات المزورة للانتقال بالعراق إلى مراحل خطيرة في مستقبله السياسي والاقتصادي والأمني".

والجمعة الماضي، شهدت بغداد مواجهات بين قوات الأمن ومتظاهرين ضد النتائج الأولية للانتخابات البرلمانية المبكرة، أسفرت عن إصابة 125 شخصا بينهم 27 من أفراد الأمن، وفق وزارة الصحة العراقية، فيما أكد مصدر طبي مستقل مقتل متظاهر.

رجل المخابرات الذي لا يعادي أحدًا

الكاظمي هو رئيس سابق لجهاز المخابرات وصحافي سابق ومفاوض ماهر بات مستقبله السياسي مجهولاً بعد الانتخابات النيابية المبكرة، التي جرت الشهر الماضي

وتولى الكاظمي، المولود في بغداد عام 1967، رئاسة جهاز المخابرات الوطني العراقي في حزيران/يونيو 2016، في ذروة المعارك ضدّ تنظيم "داعش".

ونسج خلال وجوده في هذا الموقع الإستراتيجي الذي أبعده عن الأضواء، روابط عدة مع عشرات الدول والأجهزة التي تعمل ضمن التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة.

في بداياته، كان الكاظمي الذي درس القانون في العراق، صحافياً وناشطاً مناهضاً للرئيس العراقي السابق صدام حسين من أوروبا، التي لجأ إليها هرباً من النظام الدكتاتوري. وعاش سنوات في المنفى لكنه لم ينضم إلى أي من الأحزاب العراقية.

بعد سقوط نظام صدام حسين في العام 2003، عاد الكاظمي إلى العراق ليشارك في تأسيس شبكة الإعلام العراقي، تزامناً مع دوره كمدير تنفيذي لـ"مؤسسة الذاكرة العراقية"، وهي منظمة تأسست لغرض توثيق جرائم نظام البعث.

الكاظمي، في تموز/يوليو الماضي (أ.ب.)

في العام 2016، كانت مفاجأة أن يعيّن رئيس الوزراء آنذاك، حيدر العبادي، كاتب العمود والناشط الحقوقي في رئاسة جهاز المخابرات.

إضافة إلى دوره في مكافحة الإرهاب والتهريب على أنواعه، طوّر الكاظمي مواهبه كمفاوض ووسيط. وقال سياسي مقرب منه، إن "للكاظمي شخصية لا تعادي أحداً، صاحب عقلية براغماتية، ولديه علاقات مع كل اللاعبين الأساسيين على الساحة العراقية: علاقة جيدة مع الأميركيين، وعلاقة عادت إلى مجاريها مؤخراً مع الإيرانيين".

خلال زيارة إلى الرياض، المنافس الإقليمي لطهران، عقب توليه رئاسة وزراء العراق في أيار/مايو 2020، شوهد الكاظمي وهو يعانق مطولاً صديقه الشخصي، ولي العهد السعودي محمد بن سلمان.

ونتيجة هذه العلاقات المنسوجة شرقاً وغرباً، حاول في الأشهر الأخيرة جعل بغداد تتمتّع بمركز دولي. فقد كانت العاصمة العراقية مسرحاً لمفاوضات مغلقة بين طهران والرياض، وشهدت زيارة تاريخية للبابا فرنسيس في آذار/ مارس ااماضي، واستضافت في آب/ أغسطس الماضي مؤتمراً دولياً، شارك فيه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون. واعتبر مراقب غربي أنّ الكاظمي "يجسد عودة دولة عراقية ذات سيادة".

لكنّ فصائل موالية لإيران تتّهمه بأنه متواطئ في اغتيال قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، قاسم سليماني، على يد الولايات المتحدة في بغداد. وكان لا بدّ عليه لذلك أن يعيد تحسين صورته أمام طهران.

وقال مدير الدراسات في معهد الشرق الأوسط بكلية لندن للاقتصاد، توبي دودج، "إنه مفاوض بارز ولاعب ماكر".

التعليقات