ما مدى تأثير الهجمات الأميركية على قدرات الحوثيين؟

"التساؤلات بشأن التصعيد المتبادل بين الولايات المتحدة وجماعة الحوثي لم تقتصر على النتائج المباشرة له بل امتدت لتضع كثيرًا من علامات الاستفهام حول مصير الجهود الرامية لتحقيق سلام شامل في اليمن"

ما مدى تأثير الهجمات الأميركية على قدرات الحوثيين؟

(تصوير شاشة / غارات أميركية بريطانية على اليمن)

أثارت الغارات العسكرية التي شنتها الولايات المتحدة وبريطانيا، الجمعة والسبت، ضد أهداف للحوثيين في اليمن، تساؤلات بشأن تأثيرها على القدرات العسكرية للجماعة، وكذا تداعيات هذا التصعيد على الجهود الأممية والدولية الرامية لتحقيق السلام في البلد العربي.

تغطية متواصلة على قناة موقع "عرب 48" في "تليغرام"

والجمعة، أفاد البيت الأبيض في بيان مشترك لـ 10 دول، بأنه "ردًا على هجمات الحوثيين (..) ضد السفن التجارية في البحر الأحمر، قامت القوات المسلحة الأميركية والبريطانية بتنفيذ هجمات مشتركة ضد أهداف في مناطق يسيطر عليها الحوثيون في اليمن".

فيما أعلن المتحدث العسكري للحوثيين يحيى سريع، في بيان متلفز، أن 5 من مسلحي الجماعة قتلوا إثر 73 غارة شنتها القوات الأميركية البريطانية على 5 محافظات في اليمن.

وردًا على ذلك، أكد سريع أن جميع المصالح الأميركية والبريطانية باتت "أهدافًا مشروعة" لقواتها، ردًا على "عدوانهم المباشر والمعلن" على اليمن.

هذه الضربات استهدفت معسكرات، وقواعد جوية للحوثيين في 5 محافظات يمنية أبرزها العاصمة صنعاء (شمال)، ومحافظتي الحديدة وحجة (غرب) المطلتان على معظم الشريط الساحلي جنوبي البحر الأحمر.

ورغم أن تصريحات المسؤولين الأميركيين والبريطانيين اكتنفها "عدم اليقين" بشأن نتائج هذه الضربات؛ إلا أن المتحدث باسم وزارة الدفاع الأميركية، باتريك رايدر، قال في تصريح لقناة الجزيرة القطرية، مساء الجمعة، إن "المؤشرات الأولية" لهذه الضربات تفيد بأن نتائجها "جيدة جدًا".

جماعة الحوثي التي ترفض عادة الإفصاح عن خسائرها العسكرية، اكتفت هي الأخرى بالإعلان عن 5 قتلى من قواتها جراء الضربات الأميركية البريطانية، دون أن تورد أي تفاصيل بشأن الخسائر المادية.

مقدرات مهمة

الكاتب والمحلل السياسي اليمني، ياسين التميمي، قال للأناضول، إن "الضربات التي وجهتها الولايات المتحدة وبريطانيا ضد مواقع تابعة للحوثيين استهدفت مقدرات عسكرية مهمة للجماعة في مناطق مفصلية لها علاقة بالنشاط العسكري جنوبي البحر الأحمر (محافظتي الحديدة وحجة)".

وفيما أوضح أنه "لا تتوفر معلومات دقيقة بشأن حجم الأضرار"، رجح أن تكون الأنباء التي سبقت هذه الضربات قد سمحت للحوثيين في اتخاذ تدابير لحماية بعض هذه المقدرات".

واستبعد التميمي أن تؤدي هذه الضربات إلى توسع رقعة الصراع وصولاً إلى مواجهة شاملة مع الحوثيين.

وأشار بهذا الصدد إلى اتخاذ الولايات المتحدة سلسلة من الخطوات المدروسة لتنفيذ هذه العمليات المحدودة مثل لجوئها إلى استصدار قرار من مجلس الأمن، يجيز لها استخدام القوة لـ"حماية سلامة الملاحة"؛ الأمر الذي يعكس رغبة واشنطن بعدم توسيع رقعة الصراع، وفق التميمي.

والخميس اعتمد مجلس الأمن قرارًا يدين "بأشد العبارات الهجمات التي شنها الحوثيون على السفن التجارية وسفن النقل منذ 19 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي".

القرار الذي حمل رقم (2722) وحظي بتأييد 11 عضوًا وامتناع أربعة عن التصويت أكد "وجوب احترام ممارسة السفن التجارية وسفن النقل للحقوق والحريات الملاحية ومنح الدول الأعضاء حق الدفاع عن سفنها ضد الهجمات بما في ذلك التي تقوض تلك الحقوق".

تأثير محدود

الكاتب اليمني، يعقوب العتواني، بدوره رأى أن الضربات الأميركية والبريطانية ضد الحوثيين "محدودة التأثير"، معتبرًا أن " اكتشاف هذا الأمر لا يحتاج إلى جهد".

وقال للأناضول إن "الإمكانات العسكرية للحوثيين والتي صمدت خلال أكثر من سبع سنوات من غارات التحالف العربي من الصعب أن تتأثر بشكل كبير أمام الهجمات الخاطفة للقوات الأميركية والبريطانية".

وأردف أن "الحوثيين لن يتأخروا في إثبات فشل هذه الضربات عبر استئناف هجماتهم في البحر الأحمر".

تعقيد جهود السلام في اليمن

التساؤلات بشأن التصعيد المتبادل بين الولايات المتحدة وجماعة الحوثي لم تقتصر على النتائج المباشرة له، بل امتدت لتضع كثيرًا من علامات الاستفهام حول مصير الجهود الرامية لتحقيق سلام شامل في اليمن بين الحكومة الشرعية والجماعة في ظل هذه التطورات.

ففي 23 كانون الأول/ديسمبر الماضي، أعلن المبعوث الأممي لليمن، هانس غروندبرغ، التزام الحكومة وجماعة الحوثي اليمنيتين بمجموعة تدابير لـ"وقف شامل" لإطلاق النار في عموم البلاد، وتحسين ظروف المعيشة للمواطنين.

لكن هذا التصعيد الأخير بات يلقي بضبابية حول الموقف الأميركي من جهود السلام، لا سيما أنه كان لافتا تجاهل الولايات المتحدة للإعلان الأممي، في موقف لا يتقاطع مع تصريحات سابقة لمسؤوليها اتسمت بتشجيع الأطراف اليمنية على الدخول في مفاوضات جادة لإنهاء الصراع المستمر منذ نحو 9 سنوات.

وبهذا الصدد أوضح التميمي أن "السعودية كانت قد أوشكت على دفع طرفي النزاع في اليمن على توقيع اتفاق يسمح بالبدء في صياغة خارطة طريق لإنهاء الأزمة".

وأضاف أن "انخراط الحوثيين في الصراع الدائر في المنطقة دفع الولايات المتحدة إلى الضغط لإيقاف هذه العملية إلى أجل غير معروف".

ورجح أن "تساهم الضربات العسكرية الأخيرة في تعقيد جهود السلام (..) ربما يشعر الحوثيون بأن مركزهم السياسي ضمن محادثات السلام قد يتأثر إلى حد كبير بعد أن كان قد حظي بدفعة من الجانب الأميركي".

فيما رأى العتواني أن "الحماس الأميركي لإبرام اتفاق بين الحكومة اليمنية والحوثيين شهد خفوتًا واضحًا في ظل التطورات في البحر الأحمر".

وأوضح أن "الهواجس الأمنية لواشنطن ألقت بظلالها بقوة على الجهود المبذولة لتحقيق السلام في اليمن وربما دفعت نحو تعطيلها".

لم تكتف الولايات المتحدة بالضربات التي نفذتها فجر الجمعة، بل عاودت فجر السبت وشنت عددًا من الغارات على العاصمة صنعاء، بحسب قناة "المسيرة" التابعة لجماعة الحوثي.

وقالت القناة في خبر عاجل عبر منصة إكس: "العدو الأميركي البريطاني يستهدف صنعاء بعدد من الغارات"، مضيفة أن "العدوان استهدف قاعدة الديلمي الجوية (بصنعاء)" دون مزيد من التفاصيل.

من جانبها، ذكرت القيادة المركزية الأميركية "سنتكوم"، أنه "في الساعة 3:45 صباح الجمعة (بتوقيت صنعاء)، نفذت القوات الأميركية ضربة ضد موقع رادار تابع للحوثيين في اليمن".

ولم يصدر عن الحوثيين بشكل فوري تعليق على الهجمات الأخيرة حتى الساعة 08:15 تغ.

وتتكثف منذ مدة مساعٍ إقليمية ودولية لإيجاد حل سياسي شامل للأزمة في اليمن، شملت زيارات لوفدين سعودي وعماني إلى صنعاء، وجولات خليجية للمبعوث الأميركي إلى اليمن تيم ليندركينغ والأممي غروندبرغ.

ومنذ أكثر من عام، يشهد اليمن تهدئة من حرب بدأت قبل نحو 9 سنوات بين القوات الموالية للحكومة مدعومة بتحالف عسكري عربي تقوده الجارة السعودية، وقوات الحوثيين المدعومين من إيران والمسيطرين على محافظات ومدن بينها صنعاء منذ أيلول/ سبتمبر 2014.

التعليقات