تونس: "لم تعد ممسكة بخطوط اللعبة السياسية"... "النهضة" أمام امتحان الاستمرارية

تقف حركة "النهضة" وزعيمها، راشد الغنوشي، أمام امتحان جديد من أجل ضمان الاستمرارية في المشهد السياسي التونسي، فيما يرى خبراء أن قرارات الرئيس قيس سعيّد، بتجميد أعمال البرلمان، أضعفت الحركة وأججت الخلافات الداخلية فيها، مستبعدين في الوقت ذاته إمكانية إقصاء "النهضة".

تونس:

الغنوشي خلال اجتماع شورى "النهضة"؛ من صفحة الحركة في "فيسبوك"

تقف حركة "النهضة" وزعيمها، راشد الغنوشي، أمام امتحان جديد من أجل ضمان الاستمرارية في المشهد السياسي التونسي، فيما يرى خبراء أن قرارات الرئيس قيس سعيّد، بتجميد أعمال البرلمان، أضعفت الحركة وأججت الخلافات الداخلية فيها، مستبعدين في الوقت ذاته إمكانية إقصاء "النهضة" من المشهد.

عادت حركة "النهضة" التي تأسست قبل أربعين عاما، إلى الحياة السياسية في تونس إثر ثورة عام 2011، وكانت جزءا من كل البرلمانات ومعظم الحكومات منذ ذلك الوقت، ثم تراجع حضورها بشكل لافت، وانتقل تمثيلها البرلماني من 89 نائبا في العام 2011 إلى 53 (من أصل 217) في الانتخابات التشريعية الأخيرة، في العام 2019.

وظهرت دلائل قوية في السنوات الأخيرة على أزمة داخلية يمر بها الحزب، بينها استقالات قيادات مؤسسة من الحركة، رافضة بقاء راشد الغنوشي، البالغ من العمر 80 عاما، على رأس الحزب منذ أربعين سنة.ومع إعلان الرئيس سعيّد قراراته الاستثنائية في 25 تموز/ يوليو الماضي، بتجميد أعمال البرلمان - الذي تملك فيه النهضة أكبر كتلة - لمدة ثلاثين يوما، وإقالة حليفها، رئيس الحكومة، هشام المشيشي، وتولي السلطة التنفيذية بنفسه، خرج الخلاف الداخلي في الحزب إلى العلن، وتجلى في استقالات جديدة ومواقف رافضة لخيارات الحزب السياسية.

خلال الاجتماع الأخير لمجلس شورى "النهضة"؛ من صفحة الحركة في "فيسبوك"

ورد الحزب على سعيّد باعتبار قراراته "انقلابا على الثورة والدستور"، ودعا أنصاره للخروج للتظاهر و"الدفاع عن الشرعية"، لكنه سرعان ما تراجع عن هذه الدعوة، تجنبا للعنف، كما قال.

ويرى البعض أن هذه الأزمة الداخلية على خلفية الأزمة السياسية الوطنية، قد تهدد موقع الحزب في المشهد السياسي.

وفي هذا السياق، قال أستاذ التاريخ المعاصر والمحلل السياسي، عبد اللطيف الحنّاشي: "لن تكون النهضة كما كانت منذ العام 2011. هذا أكيد. ستكون أضعف"، معلّلا ذلك بحدة "الزلزال الداخلي" بين من يدعم بقاء الغنوشي وتنامي شق آخر يدعو لرحيله.

غير أن الغنوشي المعروف بدهائه السياسي، قال في مقابلة سابقة مع وكالة "فرانس برس" إن حزبه "مستعدّ لأي تنازل، إذا كانت هناك عودة للديمقراطية".

من جانبه، يرى الباحث في العلوم السياسية، محمد الصحبي الخلفاوي، أن "ما حدث مع الرئيس (سعيّد) أظهر النهضة في حالة ضعف كبير، لم تعد ممسكة بخطوط اللعبة السياسية عكس ما كانت عليه في الماضي".

وأضاف أن "تحجيما للدور السياسي للحزب" قد يحصل، "لكن إقصاءه تماما من المشهد صعب". وأشار إلى أن لدى الحركة "من الانغراس والعمق الشعبي ما يسمح لها بمواصلة تواجدها".

وكانت النهضة قد قرّرت عندما كانت في الحكم في العام 2013 وإثر أزمة سياسية حادة أججتها اغتيالات سياسية طاولت معارضين لها، الخروج من الحكم والمشاركة في حوار وطني انتهى آنذاك بتشكيل حكومة تكنوقراط.

البرلمان التونسي مغلق بموجب قرارات سعيّد (أ ب)

إثر ذلك، ومن أجل ضمان البقاء في السلطة، شكلت ائتلافا "هجينا" مع حزب "نداء تونس" الليبرالي العلماني في العام 2014، وتقرّبت من رئيسه الراحل، الباجي قائد السبسي. وفي انتخابات 2019، تحالفت مع حزب "قلب تونس" الذي يلاحق رئيسه، نبيل القروي، بتهم فساد وتبييض أموال.

ويملك حزب النهضة خبرة "وقدرة على التكيّف مع الأزمات وامتصاصها، لأنه مهيكل ومنظم"، حسب الحنّاشي.

وخفّف مجلس شورى النهضة بعد اجتماعه، الأربعاء الماضي، من حدة خطابه ضد سعيّد، ودعاه إلى حوار وطني وتعيين رئيس حكومة جديد، وأقر بضرورة القيام بمراجعات لسياسة الحزب المنتهجة في السنوات الأخيرة وتحمّل مسؤوليته واستعداده للاعتذار عن الأخطاء المرتكبة.

وهذه الخطوة في تقدير الحنّاشي "انحناء للعاصفة لتجاوزها". لكن سعيّد يشدد على أنه "لا رجوع إلى الوراء".

ويمثّل الغنوشي الذي يقدّم نفسه "إسلاميا ديموقراطيا"، البعد الرمزي القوّي للإسلام السياسي في تونس، ويرى أنصاره أن له فضلا كبيرا في نجاح بقاء الحركة في السلطة طيلة السنوات العشر الماضية وتأمين الانتقال الديموقراطي في البلاد.

من صفحة "النهضة" في "فيسبوك"

في المقابل، ينتقد آخرون "سلطة الغنوشي الأبوية" على الحزب الذي أصبح "مشروعا شخصيا" له ودفع العديد من القيادات، على غرار حمادي الجبالي ولطفي زيتون وعبد الحميد الجلاصي وزبير الشهودي، إلى الاستقالة.

وكان من المفترض أن يكون المؤتمر 11 للحزب في العام 2020 الأخير لرئاسة الغنوشي، وأن تنتخب فيه قيادة جديدة، لكن تم تأجيله للعام 2021 بسبب انتشار جائحة كورونا في البلاد، بينما علّل مراقبون السبب المباشر للإرجاء، بأنه إيجاد طريقة لبقاء الغنوشي في الزعامة.

ويقدّر الحناشي أن الغنوشي "سيخرج ولكن في صورة مشرفة له"، لأنه "أصبح عبئا على جزء من النهضة وقياداتها". كما يعتبر الخلفاوي أن "مستقبله (الغنوشي) كلاعب متصدر المشهد السياسي انتهى وأصبح من الماضي"، مستبعدا إقصاءه تماما، لأن "القوى الإقليمية والدولية ليست مُجمعة على ذلك".

التعليقات