الأرجنتين: رئيس يساري يتحدى أعواما من سوء الإدارة الاقتصادية

اعتبرت "نيويورك تايمز" أن نتيجة الانتخابات العامة التي أُجريت أمس الأحد، في الأرجنتين، كانت متوقعة منذ أسابيع، فقد خسر الرئيس السابق، الذي وصل إلى السلطة عام 2015، في انتصار مفاجئ، أجزاء واسعة من قاعدته الشعبية

الأرجنتين: رئيس يساري يتحدى أعواما من سوء الإدارة الاقتصادية

(أ ب)

فاز اليساري ألبرتو فرنانديز، اليوم الإثنين، رسميا، برئاسة الأرجنتين، ليتسلم إدارة البلاد وهي في أسوأ  أزمة اقتصادية تعيشها منذ عام 2001، والتي تفاقمت في عهد خصمه الرئيس الليبرالي المنتهية ولايته، ماوريسيو ماكري.

وقالت صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية، أن فوز فرنانديز الذي لطالما كان نشاطه السياسي يدور خلف الكواليس، بمساعدة من الرئيسة الأسبق، كريستينا فرنانديز دي كيرشنر.

وظهر تفوق فرنانديز بعد فرز 90 بالمئة من الأصوات صباح اليوم، على منافسه ماكري الذي فشل في الوفاء بوعده بأن سياسات السوق الحرة ستقود نموا اقتصاديا في البلاد.

(أ ب)

وتشهد الأرجنتين انكماشًا منذ أكثر من عام وتضخّمًا كبيرًا بلغ 37.7 بالمئة، في أيلول/سبتمبر، ودينا هائلا ومعدّل فقر متزايدا يطال 35.4 بالمئة من السكان أو واحدا من كل ثلاثة أرجنتينيين.

وصرح فرنانديز مطمئنا الناخبين: "سنبني الأرجنتين التي نستحقها".

لكن الرئيس المنتخب، لم يحدد بعد خارطة طريق واضحة لإنقاذ الاقتصاد المنهار، وإنقاذ العملة المحلية، البيزو، من التقلبات الشديدة المستمرة منذ شهور.

ويأمل الكثير من الأرجنتينيين، من أن عودة اليساريين البيرونيين إلى القصر الرئاسي، ستكون الخطوة الأولى لتغيير الوضع الاقتصادي الصعب.

وقال أحد الناخبين المؤيدين لليسار الأرجنتيني، للصحيفة، إنه "لطالما ساهمت البريونية في التنقل الاجتماعي الاقتصادي، والتوزيع الأكثر إنصافا للثروة" في البلاد.

نتيجة متوقعة

اعتبرت "نيويورك تايمز" أن نتيجة الانتخابات العامة التي أُجريت أمس الأحد، في الأرجنتين، كانت متوقعة منذ أسابيع، فقد خسر الرئيس السابق، الذي وصل إلى السلطة عام 2015، في انتصار مفاجئ، أجزاء واسعة من قاعدته الشعبية.

وأوضحت الصحيفة أن خسارة ماكري، بدأت ملامحها في أيار/ مايو الماضي، بعدما أعلنت كيرشنر خطة عودة غير متوقعة للسلطة، لكنها، بدل ترشيح نفسها للرئاسة، فضلت دعم فرنانديز، على أمل تعيينها في منصب نائب الرئيس، رغم أن هذه المرّة الأولى التي يقوم بها الأخير بترشيح نفسه لمنصب مهم في البلاد.

(أ ب)

وذلك يعود جزئيا إلى أنها تخضع لمحاكمة في قضية من بين 11 دعوة قضائية قُدمت ضدها بتهمة "الكسب غير المشروع".

وذكرت الصحيفة أن كيرشنر، التي تركت منصبها عام 2015، بعد إمضاء ثمانية أعوام في منصبها، خسرت شعبيتها، بشكل كبير، فقد قامت خلال فترتها بعزل قادة العديد من التيارات السياسية في الحركة السياسية البريونية، واشتبكت مع قطاعات الأعمال القوية والمؤسسات الإعلامية.

كيرشنر تستغل الأزمة الاقتصادية

ذكرت الصحيفة أن كيرشنر رأت تدهور الاقتصاد في البلاد، فرصة للعودة إلى المشهد السياسي من جديد، حيث أوضحت الباحثة السياسية الأرجنتينية في جامعة كولومبيا الأميركية، ماريا فيكتوريا موريلو، أن كيرشنر ربما تكون قد أدركت أنها كانت ستسبب استقطابا كبيرا في الساحة السياسية في حال قررت ترشيح نفسها للرئاسة، بسبب الخلاف العميق حولها، ما دفعها إلى دعم فرنانديز.

(أ ب)

وباختيارها تأييد فرنانديز للرئاسة، فاجأت كيرشنر المؤسسة السياسية، فعندما انتُخب سلف كيرشنر، وهو زوجها، نستور كيرشنر، رئيسا للبلاد عام 2003، عين فرنانديز رئيس وزرائه، وذلك في خضم الأزمة الاقتصادية، حيث كانت البلاد تعاني من الانهيار الاقتصادي المدمر عام 2001، والذي تخلفت فيه الأرجنتين عن سداد ديون بقيمة نحو 100 مليار دولار.

لكن كيرشنر دخلت بخلاف عميق مع فرنانديز بعد وصولها إلى السلطة عام 2007، فقد أصبح الأخير ناقدا حادا لقيادتها وتعاملها مع الاقتصاد.

فرنانديز "المُنقذ"

ورأى أرجنتينيون كثر، بشخص فرنانديز (60 عاما)، وهو بروفيسور في القانون، استمر في التدريس خلال حملته الانتخابية، "أملا" في مستقبل أفضل.

(أ ب)

وحافظ الرئيس الجديد خلال حملته الانتخابية، على صورة الرجل العادي البسيط، وقدم مواقف أكثر تقدمية من سلفه ماكري، في القضايا الاجتماعية، وأبرزها، دعمه إلغاء تجريم الإجهاض.

ويُنظر إلى فرنانديز على أنه أكثر واقعية في توجهه الاقتصادي من حليفته كيرشنر، فقد انتُقدت الأخيرة لـ"تشويهها" رموز اقتصادية معروفة، وإنشاء خليط من المعونات الحكومية "غير المستدامة" التي قالت الصحيفة إنها مهدت الطريق لـ"إفلاس الدولة عندما انخفضت أسعار السلع خلال فترة حكمها".

ولا يزال طرح فرنانديز الاقتصادي، غامضا، حيث أنه لم يقدم خطّة لانتشال الاقتصاد من الانهيار بعد، رغم أن البلاد تعاني من ارتفاع حاد في معدلات التضخم وانخفاض قيمة العملة المحلية باطراد، لكن المحللين السياسيين والأرجنتينيين العاديين يتوقعون منه أن يتبنى سياسات أكثر ميلا للحمائية من سلفه ماكري، الذي دعم نهج السوق الحرة بشدّة.

ما الذي سيواجهه فرنانديز؟

يكمن أحد التحديات الكبرى التي سيضطر فرنانديز لمواجهتها، في وضع خطة لإعادة هيكلة ديون الأرجنتين للمقرضين من القطاع الخاص وصندوق النقد الدولي، الذي وافق العام الماضي على اعتماد ائتماني بقيمة 57 مليار دولار للأرجنتين، وهو أضخم دين يقدمه الصندوق على الإطلاق.

وارتفعت سندات ديون الأرجنتين إلى 72 بالمئة من إجمالي الناتج المحلي هذا العام، بعدما كانت تشكل 41 بالمئة فقط، عام 2015، وفقًا لتقديرات "إليبسيس"، وهي شركة استشارية اقتصادية تتخذ من بوينس آيرس مقرا لها.

ويندفع المستثمرون إلى سحب أصولهم في الأرجنتين في الآونة الأخيرة، خوفا من تخلّف البلاد مرّة أخرى عن سداد ديونها، ما سيعمق أزمتها الاقتصادية، كما أن الأرجنتينيين يسحبون الدولار الأميركي، مفرغين بذلك الاحتياط الأجنبي للدولة.

(أ ب)

وعلى الرغم من مشاكلها الاقتصادية المستمرة، لا تزال الأرجنتين حتى الآن، محصنة إلى حد كبير من الاضطرابات العامة التي هزت العديد من البلدان في المنطقة في الأسابيع الأخيرة، بسبب الإحباط من عدم المساواة الراسخة وسوء الحكم في احتجاجات واسعة. لكن بعض المحللين يحذرون من أن الأرجنتين قد تنضم قريبا إلى موجة الاضطرابات.

وحذر المدير الإداري لملف أميركا اللاتينية، في مجموعة "أوراسيا" للأبحاث والاستشارات السياسية، دانييل كيرنر، من أن "التوقعات التي يتم وضعها على ألبرتو فرنانديز لتحسين الاقتصاد مرتفعة، وإذا لم ينجح في ذلك، فقد يظهر شعور أكثر معاداة للمؤسسة فجأة". موضحا أن نتائج الانتخابات هي نتيجة مباشرة لتعهد المرشح بإلغاء حالة التقشف في البلاد، لكن الباحث "غير متأكد من قدرته على الوفاء بهذا الوعد".

التعليقات