عالم الجريمة يشهد تغييرات هائلة في ظل كورونا

تثير جائحة فيروس كورونا المستجد أسئلة كثيرة حول المستقبل القريب كما البعيد، وعلى جميع الأصعدة المتعلقة بالحياة البشرية عموما، بدءا من الاقتصاد والسياسة وحتى التحولات الاجتماعية وغيرها، وتُعد قضية الجريمة إحدى المسائل المُلحة في هذا الصدد، خصوصا بسبب الهدوء المفاجئ..

عالم الجريمة يشهد تغييرات هائلة في ظل كورونا

(أ ب)

تثير جائحة فيروس كورونا المستجد أسئلة كثيرة حول المستقبل القريب كما البعيد، وعلى جميع الأصعدة المتعلقة بالحياة البشرية عموما، بدءا من الاقتصاد والسياسة وحتى التحولات الاجتماعية وغيرها، وتُعد قضية الجريمة إحدى المسائل المُلحة في هذا الصدد، خصوصا بسبب الهدوء المفاجئ في أعمال العنف والجريمة في مناطق اشتهرت بمعدلات عنف مرتفعة.

وأعدت مجلة "فورين بوليسي" تقريرا في هذا الشأن رصدت فيه ارتفاعا جديدا بجرائم القتل حول العالم، بعدما انخفضت نتيجة تدابير الإغلاق لمكافحة الفيروس بشكل هائل في البداية، ومشيرة إلى أن الجريمة المنظمة باتت تزيد من اعتمادها على الحيّز الرقمي للممارسة شتى أنواع النشاطات الإجرامية.

من مظاهرة رمزية احتجاجا على العنف ضد المرأة
في ظل الحجر (أ ب)

وشهدت العديد من البلدان انخفاضا في بعض أنواع الجرائم وزيادات في أنواع أخرى بعد فترة وجيزة من فرض قوانين التباعد الاجتماعي وعمليات الإغلاق لإبطاء انتشار الفيروس. وفي معظم أنحاء أميركا الشمالية وأوروبا الغربية، على سبيل المثال، انخفضت معدلات القتل والاعتداءات العنيفة في ظل ملازمة الناس لمنازلهم. وفي المقابل، انفجرت معدلات العنف المنزلي والعنف الجنسي.

وسجلت بعض أكثر دول العالم عنفا انخفاضات كبيرة في أعداد الجرائم العنيفة. وشهدت المدن الأميركية مثل شيكاغو ولوس أنجلوس ونيويورك انخفاضات مذهلة في قضايا السرقة والاغتصاب، والاعتداء الجنسي عموما. وشهدت السلفادور، والتي تُعد من أخطر دول العالم، انخفاضا في جرائم القتل من 114 جريمة قتل في شباط/ فبراير إلى 65 في مارس. وسجلت جنوب أفريقيا، عاصمة الجريمة في القارة الأفريقية، 94 جريمة قتل فقط في الأسابيع القليلة الأولى من الإغلاق، مقارنة بـ 326 حالة خلال نفس الفترة من العام السابق.

فرحة لم تتم

أشارت المجلة إلى أن هذا الانخفاض مؤقت، فهو لا يقضي على مسببات الجريمة أو المنظمات الإجرامية، ولا يساهم إلا في إبطاء عملها مرحليا. ويُمكن رؤية ذلك بمعدلات الجريمة التي عادت ترتفع تدريجيا في دول مثل البرازيل والمكسيك وكولومبيا، والتي يدفع الغياب الإضافي للشرطة في مناطق العصابات، بسبب تدابير الإغلاق، وشح تجارة المخدرات التي تندفع منظمات الجريمة للاستحواذ على أكبر نسبة منها في هذه الأوقات، باقتتال في الشوارع في ما بينها.

(أ ب)

ويبدو أن الأوضاع الأمنية في مناطق معينة من تلك الدول، باتت أكثير تعقيدا مع الإفراج المبكر عن العديد من السجناء.

ولتقديم لمحة عن الارتفاع بمعدلات الجريمة في البرازيل مثلا، قالت المجلة إن مدينة ساو باولو، وهي موطن إحدى أقوى منظمات الاتجار بالمخدرات في أميركا اللاتينية، شهدت ارتفاعا بجرائم القتل بنسبة 10 بالمئة بين آذار/ مارس 2019 وآذار/ مارس 2020. وفي ولاية سيارا الشمالية، ارتفعت الجرائم العنيفة (بما في ذلك القتل) بنسبة 98 بالمئة في 10 أيام فقط في الشهر ذاته. كما ارتفعت مستويات العنف المنزلي المبلغ عنه في معظم الولايات، وخاصة في ريو دي جانيرو التي شهدت ارتفاعا بـ50 بالمئة بهذا النوع من الجرائم.

وكذلك الأمر في المكسيك التي ارتُكبت فيها أكثر من 2500 جريمة قتل في آذار/ مارس الماضي، وهي أعلى حصيلة شهرية منذ بدء تسجيل الجرائم عام 1997، وسط تقاتل أكثر من 200 عصابة مخدرات في البلاد.

وأوضحت المجلة أنه في هذه البلدان وغيرها، استحوذت العصابات على مهمة فرض أوامر في العشوائيات والأحياء التي تسيطر عليها، والتي تفتقر لتواجد الدولة. كما تعزز منظمات الجريمة (وخاصة المافيا الإيطالية)، من قوتها الناعمة، مع تقديم بعض الخدمات الأساسية للفقراء، مثل المواد الغذائية وغيرها، وتقدم النصائح للناس للحفاظ على قواعد التباعد الاجتماعي في مشهد قد يزيد من شعبيتها في الأماكن التي تتغيب السلطات عنها.

الاقتصاد محرك للعنف مرّة أخرى

لفتت المجلة إلى أن تصاعد العنف المرتبط بالمخدرات يعود جزئيا للتغييرات الجارية في الأسواق العالمية، فالتباطؤ الذي تعاني منه التجارة الدولية يعني تضاؤل فرص العصابات لنقل بضائعها غير القانونية خفية عبر سلاسل التوريد العالمية، سواء عن طريق البر أو الجو أو البحر.

(أ ب)

وفي خضم ذلك، يكافح منتجو المخدرات في بوليفيا وكولومبيا وبيرو والمكسيك من أجل الحصول على السلائف الكيميائية لإنتاج الميثامفيتامين والفينتانيل وحتى الكوكايين. ولا يؤثر إغلاق المصانع الصينية على تصدير وبيع البضائع الأصلية فحسب، بل على السلع المقلدة (المزيفة) أيضا.

وذكرت المجلة أن الأزمة الاقتصادية العالمية تتسبب بصدمات في العرض والطلب على تجارة المخدرات ككل. وقام بعض تجار المخدرات في الأشهر القليلة الماضية، بتكثيف الشحنات خشية تباطؤ تجارتهم نتيجة الوباء. إذ أفاد مسؤولو إنفاذ القانون الأوروبيون عن زيادة في واردات الكوكايين في آذار/ مارس ونيسان/ أبريل الماضيين، مع ضبط شحنات هائلة في ميناء أنتويرب، بلجيكا، أحد أكثر الموانئ ازدحاما في القارة. وعلى الرغم من إغلاق العديد من المطارات الدولية، تتبع الأقمار الصناعية تدفقًا ثابتًا من الطائرات التي تهبط وتقلع من غينيا بيساو، مما يشير إلى استمرار دورها كمركز عبور معروف للكوكايين.

(أ ب)

وأشارت إلى أنه هناك علامات على أن المستخدمين أنفسهم يلجئون للبدائل المحلية بمجرد أن يواجهوا صعوبة في الحصول على المخدر الذي يتعاطونه، والذي يصل عادة من الخارج. فيما يميل البعض الآخر لتخزين المخدرات، مما يعني زيادة الأسعار. ونتيجة لذلك، يتحول بعض مستخدمي الهيروين إلى مواد أفيونية أكثر قوة وخطورة مثل الفنتانيل. وفي جميع أنحاء المنطقة، يسرع الوباء لجوء الناس لشراء المخدرات عبر الإنترنت، بما في ذلك عبر ما يسمى بـ"الإنترنت المظلم".

تأثير طويل الأمد

رغم إقرار معدي التقرير بأن الاضطرابات في سوق المخدرات ستكون مؤقتة على الأرجح، إلا أنهم يعتقدون أنها ستخلق أثرا طويلة الأمد في غاية الخطورة على عالم الجريمة. فمع جفاف سيولة الأموال لدى المنظمات الإجرامية (وإن كان مؤقتا)، فإن العصابات ستتجه بشكل أكبر نحو استهداف البنوك والمشاريع التجارية والمساكن، للحصول على مدخول يغطي شح تجارتهم، عبر السرقة أو فرض الإتاوات وأساليب أخرى.

وفي أميركا اللاتينية خصوصا، والتي تعاني من أعلى معدلات الجريمة في العالم، فإن العصابات قد تمارس قدرا أكبر من عمليات الاختطاف والابتزاز لتحصيل الأموال. وسيشهد تهريب المهاجرين واللاجئين هبوطا حادا مع تركيز الدول المتزايد على حدودها، ما يعني تعريض هذه الشرائح المستضعفة لأخطار إضافية، وزيادة في تجارة البشر.

وسيُضاف إلى ذلك، ارتفاع في تعزيز الجريمة الإلكترونية، واختراق الأجهزة والحواسيب مع تحول العالم نحو الرقمنة المتزايدة.

(أ ب)

ويتسبب الوباء اليوم بتغييرات في الجريمة المنظمة، فبالإضافة إلى تأجيج العنف المتزايد، يمكن للوباء أن يعزز النفوذ الاجتماعي والاقتصادي والسياسي لبعض المنظمات الإجرامية بالطريقة ذاتها التي ظهرت بها المافيا الإيطالية والياكوزا اليابانية كمنظمات أقوى بعد الاضطرابات الكبيرة في الحرب العالمية الثانية.

وخلصت المجلة إلى القول إن رؤساء منظمات الجريمة يعلمون جيدا أن أنظمة تطبيق القانون والعدالة الجنائية مرهقة بشكل كبير وأن السجون تتفجر بأعداد هائلة بالسجناء في بعض مناطق العالم، علاوة على أنهم يدركون أن الناس سيعانون من نقص شديد في المؤن مستقبلا، مما قد يزيد من خطر العنف.

التعليقات