طبّاخ بوتين

مع بدء الحرب الروسيّة على أوكرانيا، تزايد عدد جنود "فاغنر" بشكل كبير، خاصّة مع قرار تجنيد السجناء الذي أقرّه الرئيس بوتين، حيث قالت تقارير إنّ أعداد مقاتلي "فاغنر" وصلت إلى 25 ألف مقاتل.

طبّاخ بوتين

يفغيني بروغوجين (Getty)

بعد أكثر من سنة على تحوّل الحرب الروسيّة الأوكرانيّة إلى موادّ روتينيّة في نشرات الأخبار، حدث التحوّل الأكبر الذي لم يكن أحد ليتوقّعه، ولا حتّى الرئيس الروسيّ فلاديمير بوتين ذات نفسه؛ فبين ليلة وضحاها أصبح السلاح الروسيّ الموجّه تجاه أوكرانيا، موجّهًا فجأة تجاه موسكو في تحرّك وصفه الكرملين بـ"التمرّد المسلّح" من رئيس مجموعة "فاغنر" العسكريّة الروسيّة الخاصّة، يفغيني بروغوجين، والذي اشتهر بلقب "طبّاخ بوتين"، وأصبح أكبر مصدر تهديد لسلطته.

بروغوجين، الذي ولد عام 1961 في لينينغراد، مسقط رأس بوتين، حسب موقع "مسنجر" الأميركيّ، كان معروفًا في أزقّتها بقضايا تتعلّق في الدعارة والسرقة والاحتيال، كما قضى سنين طويلة في السجن، ولكن ما إن خرج، حتّى وجد نفسه في روسيا جديدة، روسيا مختلفة عن تلك التي عهدها من قبل، ليفتتح أوّل كشك لبيع النقاق، ومع مرور السنين، تضخّم عمله حتّى وصل إلى سلسلة من الأكشاك والمطاعم ومحلّات السوبرماركت.

كان الرئيس بوتين معجبًا وبشكل خاصّ بمطعم "نيو آيلاند"، وأصبح مفضّلًا بالنسبة له، حتّى أنّ شخصيّات بارزة زارت هذا المطعم، ومنهم الرئيس الأميركيّ جورج دبليو بوش، ومن هُنا، بدأت رحلة صعود بروغوجين، في تشييد إمبراطوريّته، بعد فوزه بعدّة عقود حكوميّة لتحضير طعام السجناء والسجون والمدارس والجيش والكرملين في روسيا، بأكثر من مليار دولار للعقد الواحد، ويعرف لاحقًا باسم "طبّاخ بوتين". وعُرف عنه بعد ذلك تمويل "وكالة أبحاث الإنترنت"، والتي كانت قد اتّهمت في أكثر من مرّة بنشر أخبار كاذبة ومعلومات مضلّلة عبر الإنترنت، كما اتّهمت بأنّها تعمل تحت قيادة الكرملين ونيابة عنه، وفُرضت عليه عقوبات من قبل وزارة الخزانة الأميركيّة.

رجل بوتين الأوّل

(Getty)

مع خروج مظاهرات الانفاصليين شرقي أوكرانيا عام 2014، خرج بريغوجين من الظلّ، وأنشأ "مجموعة فاغنر العسكريّة الخاصّة"، وحسب موقع "ذا بيل" الروسيّ، لم يكن لدى بريغوجين خيارًا في هذا الأمر، إذ وقع عليه الاختبار من الكرملين لقيادة مجموعة فاغنر من أجل تمويلها، وهناك رواية أخرى تقوى، إنّ المجموعة تأسست من قبل ضابط روسيّ سابق يدعى ديميتري أوتكين، ومن هنا، بدأت المجموعة الخاصّة بتنفيذ الأعمال نيابة عن الكرملين والجيش الروسيّ الرسميّ، حيث ساعدت هذه المجموعة بضمّ شبه جزيرة القرم لروسيا، كما خاضت معاركها في دونباس الأوكرانيّة، وكان لهم دور كبير في تثبيت حكم بشار الأسد، كما دخلوا في دول أخرى مثل ليبيا والسودان، وكان معروفًا عنه بظهوره في فيديوهات واقفًا عند قبور جنود "فاغنر" في أوكرانيا.

وحسب التقرير المنشور في موقع "مسنجر"، فإنّ مجموعة "فاغنر" عملت في أكثر من 30 دولة، في معظمها أفريقيّة، كما أنّ المجموعة ساعدت حكومات في مقابل حصولها على امتيازات لتعدين الذهب والماس، كما وجّهت اتّهامات كثيرة لمقاتلي المجموعة، لأسباب عديدة منها القتل والتعذيب والاغتصاب.

مع بدء الحرب الروسيّة على أوكرانيا، تزايد عدد جنود "فاغنر" بشكل كبير، خاصّة مع قرار تجنيد السجناء الذي أقرّه الرئيس بوتين، حيث قالت تقارير إنّ أعداد مقاتلي "فاغنر" وصلت إلى 25 ألف مقاتل.

التمرّد المسلّح

(Getty)

وكان بريغوجين قد عُرف على مواقع التواصل الاجتماعيّ، خاصّة بعد انتشار مقاطع فيديو وحشيّة له، بالإضافة إلى توجيهه الانتقادات للقيادة العسكريّة الروسيّة، متّهمًا إيّاها بالفشل في تزويد مجموعته بالذخيرة، كما عرف حسب صحيفة "ذا غارديان" البريطانيّة، أنّه "أقسى القادة" في حرب أوكرانيا.

وظهرت الخلافات بين بريغوجين والقيادة العسكريّة الروسيّة في أوكرانيا، كما انتقد أسلوب إدارة الحرب، كما دعا إلى استبدال كبار القادة العسكريّين، وفي أكثر من مرّة، طالب باستخدام الأسلحة النوويّة التكتيكيّة، بالإضافة إلى اتّهامات متكرّرة للقيادة العسكريّة بحجب الذخيرة عن قوّات "فاغنر"، حتّى وصل الأمر مؤخرًا إلى اتّهامه القيادة العسكريّة بقصف قوّاته، محمّلًا موسكو مسؤوليّة مقتل أعداد كبيرة منهم، ليوجّه سلاحه إلى موسكو، ويعلن الرئيس بوتين عن "تمرّد مسلّح" من رئيس مجموعة فاغنر.

(Getty)

وكان بريغوجين قد وعد بتحرير الشعب الروسيّ من خلال إرسال قوّاته باتجاه موسكو، إلّا أنّه وبعد بضع ساعات، أعلن تراجعه من أجل تجنّب "إراقة الدماء الروسيّة"، كما أعلن أنّ الأرتال تعود إلى المعسكرات الميدانيّة. وصدر قرار إنهاء التمرد بعد أن صار مقاتلو فاغنر في وقت سابق السبت على مسافة تقل عن 400 كيلومتر من العاصمة.

وبعد مغادرة قواته روسيا، ستسقط السلطات الدعوى القضائية المرفوعة على بريغوجين الذي سيتوجه إلى بيلاروس، بحسب ما أعلن الكرملين. كما لن تتم محاكمة أي من مقاتلي المجموعة التي أدت دورا قتاليا رئيسيا إلى جانب الجيش الروسي في أوكرانيا.

وقال المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف إن الاتفاق مع بريغوجين هدفه تجنّب إراقة الدماء، مؤكدا أن "الهدف الأسمى هو تجنّب حمّام دم وصدام داخلي واشتباكات لا يمكن التنبّؤ بنتائجها".

التعليقات