حلب تحت القصف العنيف رغم بدء "العملية الإنسانية"

على رغم إعلان النظام وروسيا الخميس فتح أربعة معابر "إنسانية" لخروج المدنيين من الأحياء الشرقية، خلت الشوارع اليوم من المارة، إذ لزم السكان منازلهم خوفا من القصف وتوقفت المولدات الكهربائية في عدد من الأحياء بسبب نفاد الوقود

حلب تحت القصف العنيف رغم بدء

يلازم سكان الأحياء الشرقية المحاصرة في مدينة حلب بشمال سورية منازلهم، اليوم الجمعة، نتيجة القصف العنيف الذي تتعرض له مناطقهم، وفي ظل تحذير الفصائل المقاتلة من خطورة سلوك المعابر الإنسانية التي قرر النظام فتحها أمام المدنيين الراغبين بالمغادرة، والتي وصفتها المعارضة بـ"ممرات الموت".

وأفادت وكالة "فرانس برس" أن غارات كثيفة ينفذها الطيران الحربي منذ الثامنة صباحا على أحياء عدة وخصوصا منطقة الليرمون.

وعلى رغم إعلان النظام وروسيا الخميس فتح أربعة معابر "إنسانية" لخروج المدنيين من الأحياء الشرقية، خلت الشوارع اليوم من المارة، إذ لزم السكان منازلهم خوفا من القصف وتوقفت المولدات الكهربائية في عدد من الأحياء بسبب نفاد الوقود.

وأكدت الوكالة أن المعابر الأربعة كانت لا تزال مقفلة اليوم، وهو ما أكده مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان، رامي عبد الرحمن أيضًا، مشيرا إلى أن "المعابر عمليا مقفلة من ناحية الفصائل لكنها مفتوحة من الجانب الآخر، أي في مناطق سيطرة قوات النظام"، ويصفها سكان حلب بممرات الموت.

وأوضح عبد الرحمن أن "نحو 12 شخصا فقط تمكنوا من الخروج عبر معبر بستان القصر منذ أمس قبل أن تشدد الفصائل المقاتلة إجراءاتها الأمنية وتمنع الأهالي من الاقتراب من المعابر".

وفتحت قوات النظام السوري المعابر الخميس بعد إعلان وزير الدفاع الروسي، سيرغي شويغو، بدء "عملية إنسانية واسعة النطاق" في حلب.

وطالبت قوات النظام سكان هذه الأحياء، الذين تقدر الأمم المتحدة عددهم بنحو 250 ألف شخص بالخروج، ومقاتلي المعارضة بتسليم سلاحهم تزامنا مع إصدار رئيس النظام السوري، بشار الأسد، مرسوما تشريعيا يقضي بمنح العفو "لكل من حمل السلاح" وبادر إلى تسليم نفسه خلال مدة ثلاثة أشهر.

ممرات الموت

وتشكك المعارضة السورية ومنظمات حقوقية ومحللون في نوايا النظام السوري وحليفته روسيا، في ظل الحصار الكامل المفروض على الأحياء الشرقية منذ الـ17 من الشهر الحالي واستمرار القصف بوتيرة يومية.

وبحسب عبد الرحمن "يريد الروس والنظام من خلال فتح المعابر الإنسانية الإيحاء بأنهم يريدون حماية المدنيين لكنهم يستمرون في المقلب الآخر في قصفهم للأحياء الشرقية".

وتشهد مدينة حلب منذ صيف العام 2012 معارك مستمرة وتبادلا للقصف بين الفصائل المقاتلة التي تسيطر على الأحياء الشرقية وقوات النظام التي تسيطر على الأحياء الغربية.

وقال عضو الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، أحمد رمضان، لفرانس برس إنه "ليس هناك أي ممرات في حلب توصف بممرات إنسانية، فالممرات التي تحدث عنها الروس يسميها أهالي حلب بممرات الموت".

وأضاف عبر الهاتف "نعتبر الإعلان الروسي ومطالبة المدنيين بمغادرة مدينتهم جريمة حرب وجريمة ضد الإنسانية وهو ما يتنافى مع التزامات روسيا كعضو دائم في مجلس الأمن"، مشددا على أنه لا يحق "لدولة أن تغزو بلدا آخر وتطالب سكان مدينة كحلب بمغادرتها دون أن يكون هناك ما يبرر ذلك".

وكان المنسق العام للهيئة العليا للمفاوضات الممثلة لأطراف واسعة في المعارضة السورية، رياض حجاب، وجه أمس رسالة إلى الأمين العام للأمم المتحدة ندد فيها بـ"بتغيير ديموغرافي وتهجير قسري" في حلب.

وأعلنت المعارضة، وفق رمضان، حلب "مدينة منكوبة" في ظل "مخطط يشارك فيه الطيران الروسي والحرس الثوري الإيراني لتهجير الأهالي من مدينتهم" مضيفا أن ما يجري "تدمير كامل ومنهجي للمدينة على سكانها سواء كانوا مدنيين أم مقاتلين".

وتتهم المعارضة والفصائل قوات النظام باستخدام سياسة الحصار لتجويع المناطق الخارجة عن سيطرتها وإخضاعها، بهدف دفع مقاتليها إلى تسليم سلاحهم.

كما انتقدت فرنسا "الممرات الإنسانية"، وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية، رومان نادال، أن "فرضية إقامة ممرات إنسانية تقضي بالطلب من سكان حلب أن يغادروا المدينة لا تقدم حلا مجديا للوضع"، مشيرا إلى أن "القانون الدولي الإنساني يفرض إيصال المساعدة بصورة عاجلة" إلى السكان المحاصرين.

الموت جوعًا أو خلال الفرار

ويقول مصدر دبلوماسي غربي لفرانس برس "الروس والنظام يريدون دفع الناس إلى تسليم أنفسهم"، مضيفا أن "ما يريدونه هو الاستسلام وتكرار ما حدث في حمص" عام 2014، حين تمّ إخراج نحو ألفي مقاتل من المدينة القديمة بعد عامين من الحصار المحكم والقصف شبه اليومي من قوات النظام.

ويرى مدير الأبحاث في معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية في باريس، كريم بيطار، أن "سكان حلب يواجهون معضلة وجودية رهيبة، إذ غالبا ما يضطرون إلى الاختيار بين خطري الموت جوعا أو خلال فرارهم".

وفي غياب أي وقف حقيقي للقتال، يشير بيطار إلى أن "علامات استفهام كبرى تُطرح عما إذا كان ما يسمى بالممرات الإنسانية سيجعل عمليا المدنيين بمنأى عن الأذى".

ويضيف "سكان حلب في محنة ويعيشون حالة من انعدام الثقة، وهو أمر مفهوم، بعدما أثبتت المأساة السورية أن الجانب الإنساني غالبا ما يوظف كخدعة لتعزيز مصالح جيوسياسية".

ويسأل بيطار "إذا كان الهدف فعلا حماية سكان حلب فلماذا لا يسمح لعمال الإغاثة واللجنة الدولية للصليب الأحمر بالوصول بشكل كاف إلى المدنيين الذين هم بحاجة ماسة إلى المساعدة".

وفي سياق متصل، شددت اللجنة الدولية للصليب الأحمر في بيان الخميس على "وجوب حماية" من يقرر البقاء في الأحياء الشرقية مطالبة الأطراف كافة بالسماح للمنظمات الإنسانية بالوصول إليهم وتقييم احتياجاتهم.

ويجمع محللون على أن خسارة الفصائل المقاتلة لمدينة حلب سيشكل ضربة قاسية للمعارضة. ويقول بيطار "سقوط حلب يعني أن الأسد وبوتين حققا أحد أهدافهما الرئيسية واستعادا اليد الطولى" في سورية.

التعليقات