جفاف نهر الفرات: سورية تتجه إلى كارثة إنسانية وبيئية

نهر الفرات ينبع في تركيا ويمر في سورية وصولا إلى العراق، ويحذر خبراء من تراجع تاريخي مرعب في منسوبه، الأمر الذي يلحق اضرارا بالزراعة ومياه الشرب وتوليد، وأنقرة تنفي اتهامها بمنع المياه نحو المناطق الكردية في سورية

جفاف نهر الفرات: سورية تتجه إلى كارثة إنسانية وبيئية

نهر الفرات في شمال سورية وقريبا من الحدود مع تركيا (أ.ب.)

انخفض تدفق نهر الفرات في سورية، منذ بداية العام الحالي، وجفت مياهه على مساحة واسعة، فيبست الأشجار وبات من الصعب تأمين حتى مياه الشرب.

ومنذ أشهر، يحذر خبراء وتقنيون ومنظمات إنسانية من كارثة في شمال سورية وشمال شرقها، حيث يمر نهر الفرات، قد تهدد سير العمل في سدوده. إذ من شأن تراجع منسوب المياه فيها، منذ كانون الثاني/يناير الماضي، أن يؤدي إلى انقطاع المياه والكهرباء عن ملايين السكان، وبالتالي أن يزيد من معاناة شعب استنزفه نزاع دام مستمر منذ عقد، وانهيار اقتصادي حاد.

وفي المناطق المهددة بالجفاف والواقعة تحت سيطرة الإدارة الذاتية الكردية، يتهم كثيرون تركيا بمنع المياه واستخدامها كسلاح ضد المقاتلين الأكراد، الذين تعدّهم "إرهابيين"، الأمر الذي نفاه مصدر دبلوماسي تركي. وأعاد أسباب الجفاف إلى التغير المناخي، الذي حذرت الأمم المتحدة في تقرير حديث من أنه سيؤدي إلى كوارث "غير مسبوقة" في العالم الذي تضربه موجات حرّ وفيضانات متتالية.

وفي العام 1987، وقعت سورية اتفاق تقاسم مياه مع تركيا، تعهدت بموجبه أنقرة أن توفر لسورية معدلاً سنوياً من 500 متر مكعب في الثانية، لكن هذه الكمية انخفضت إلى أكثر من النصف خلال الأشهر الماضية، ووصلت في فترات معينة إلى 200 متر مكعب في الثانية، وفق تقنيين.

وينبع نهر الفرات، أطول أنهار غرب آسيا، من جبال طوروس في تركيا ويتدفق منها إلى سورية، من مدينة جرابلس في ريف حلب الشمالي مروراً بمحافظة الرقة شمالاً ومنها إلى دير الزور شرقاً، وصولاً إلى العراق. ويغطي النهر 2800 كيلومتر. يلتقي في العراق بنهر دجلة ليُشكلا سوياً شط العرب قبل أن يصب في مياه الخليج.

وفي سورية، بني سدان أساسيان على نهر الفرات، هما سد تشرين في ريف حلب الشمالي، وسد الطبقة حيث تقع بحيرة الأسد الضخمة في ريف الرقة الشرقي. ويغطي السدان 90 في المئة من حاجات شمال شرق سورية من الكهرباء، بما فيها التيار اللازم لمحطات ضخ المياه. ويهدد تراجع منسوب المياه اليوم عملهما.

ويحذر مدير سد تشرين منذ 13 عاماً، حمود الحماديين، من "انخفاض تاريخي ومرعب" في منسوب المياه لم يشهده السد منذ بنائه، في العام 1999.

ومنذ كانون الثاني/ديسمبر الماضي، تراجع منسوب المياه في السد خمسة أمتار. وفي حال استمراره بالانخفاض سيصل إلى ما وصفه الحماديين بـ"المنسوب الميت"، ما يعني أن تتوقف "العنفات بشكل كامل" عن العمل.

شط العرب في العراق (أ.ب.)

وعدا عن تراجع إمداد المنطقة بالكهرباء، توقفت محطات ضخ مياه عدة عن العمل، وفق الحماديين، الذي نبّه إلى أن انخفاض منسوب المياه يهدد بارتفاع معدل التلوث ويعرض الثروة السمكية للخطر. وقال: "نحن نتجه إلى كارثة إنسانية وبيئية".

وفي سد الطبقة، تراجع منسوب المياه في بحيرة الأسد حوالى خمسة أمتار، وبات يقترب من المنسوب الميت أيضاً. وفي كامل شمال شرق سورية، تراجع انتاج الكهرباء بنسبة سبعين في المئة، لأن سدي تشرين والطبقة لا يعملان بالشكل المطلوب، على ما يقول مسؤول هيئة الطاقة في شمال شرق سورية، ولات درويش.

وتتهم الإدارة الذاتية الكردية أنقرة بعرقلة تدفق نهر الفرات إلى سورية، وباستخدام المياه كسلاح للضغط عليها. واتهمت دمشق أيضاً تركيا، التي تدعم منذ بداية النزاع أطرافاً في المعارضة السورية، بحجز مياه نهر الفرات وعدم الالتزام بالاتفاقية الموقعة في 1987.

إلا أن مصدراً دبلوماسياً تركياً قال إن بلاده "لم تقدم يوماً على خفض نسبة تدفق المياه، لأسباب سياسية أو أي أسباب أخرى". وأوضح أنه "تواجه منطقتنا أسوأ فترات الجفاف بسبب التغير المناخي"، مشيراً إلى تسجيل "أدنى مستوى تساقط أمطار منذ 30 عاماً على الأقل" هذا العام في جنوب تركيا.

ويُشكك الباحث في الشأن السوري، نيكولاس هيراس، في نية تركيا استخدام نهر الفرات كسلاح لصالحها، إذ من شأن ذلك أن يعقد علاقاتها مع الولايات المتحدة الداعمة للأكراد وحليفتها على النطاق الأوسع، ومع روسيا أبرز داعمي دمشق، لكن في الوقت ذاته شريكتها في اتفاقات تهدئة عدة في سورية.

ويقول هيراس إن "سلاح المياه الأسهل، والذي استخدمته أنقرة مراراً، هو محطة علوك" الواقعة في منطقة تحت سيطرتها منذ 2019. وأحصت الأمم المتحدة انقطاع المياه عن محطة علوك 24 مرة، منذ العام 2019، ما ينعكس على حياة 460 ألف شخص يستفيدون منها في محافظة الحسكة.

وحتى لو كانت الكارثة التي تهدد شمال سورية وشمال شرقها ناتجة عن تراجع مستوى الأمطار، فإن تركيا قادرة على الاستفادة من الأمر لمصالحها الجيوسياسية، وفق ما يرى الخبير في الشأن السوري، فابريس بالانش. ويقول إنه "خلال فترات الجفاف، تستخدم تركيا ما تحتاج من المياه وتترك الفضلات للأكراد وإن كانت على معرفة كاملة بالتداعيات"، مضيفا أن الهدف هو "خنق شمال شرق سورية اقتصادياً".

ويعيد فيم زفينينبيرغ، من منظمة "باكس" للسلام الهولندية غير الحكومية تراجع منسوب نهر الفرات في سورية إلى مشاريع زراعية ضخمة وضعتها الحكومة التركية، وقد فاقم التغير المناخي الوضع سوءاً. وأضاف أن "الجفاف قادم لا محال"، مشيراً إلى أن صوراً عبر أقمار اصطناعية تظهر "التراجع السريع في النمو الزراعي الصحي" في كل من سورية وتركيا.

وصنف مؤشر الأزمات العالمية، في العام 2019، سورية على أنها البلد الأكثر عرضة لخطر الجفاف في منطقة المتوسط. وفي ريف الرقة الشرقي، بات انكماش بحيرة الأسد، أكبر البحيرات الاصطناعية في سورية، الهم الأكبر لدى عمال سد الطبقة من جهة والمزارعين من جهة ثانية.

ويقول المهندس خالد شاهين، الذي يعمل في سد الطبقة منذ 22 عاماً، إنه "نحاول تخفيض كمية المياه التي تمر عبر السدود للخروج بأقل الخسائر الممكنة"، موضحا أنه "اذا استمر الوضع على هذا الحال، من المحتمل أن نوقف توليد الكهرباء، وأن نغذي فقط المخابز والمطاحن والمستشفيات".

وحذر ائتلاف منظمات تعمل في شمال شرق سورية من انتشار الأمراض الناشئة عن تلوث المياه في محافظات حلب والرقة ودير الزور، فيما تسبّبت مياه معامل الثلج الملوّثة بانتشار الإسهال في مخيمات النازحين.

وأتى الجفاف، وفق منظمات إنسانية، على مساحات زراعية واسعة تعتمد أساساً على مياه الأمطار، في بلد يعاني 60 في المئة من سكانه من انعدام الأمن الغذائي.

التعليقات