"في العلمنة": إصدار جديد للمركز العربي

صدر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات ضمن سلسلة "ترجمان" كتاب في العلمنة: نحو نظرية عامّة منقّحة. وهو ترجمة مريم عيسى لكتاب عالم الاجتماع ديفيد مارتن On Secularization: Towards a Revised General Theory.

صدر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات ضمن سلسلة "ترجمان" كتاب في العلمنة: نحو نظرية عامّة منقّحة. وهو ترجمة مريم عيسى لكتاب عالم الاجتماع ديفيد مارتن On Secularization: Towards a Revised General Theory، الذي يُغني فيه النقاش في موضوع العلمنة بإدخال الجدال في منعطف تأويلي، آخذًا تعددية المسارات القومية والإقليمية على محمل الجدّ، ومظهرًا كيف كانت دينامية العلمنة مختلفة تمامًا في الثقافات الأنجلو بروتستانتية عمّا كانت عليه في المجتمعات الكاثوليكية. يتألف الكتاب (368 صفحة بالقطع الوسط، موثقًا ومفهرسًا) من ثلاثة عشر فصلًا، فُصّلت في أربعة أقسام.

توجهات

في القسم الأول، "توجهات"، فصلان. في الفصل الأول، "علم الاجتماع والدين والعلمنة"، يتناول مارتن العلاقة بين علم الاجتماع والدين، والعلاقة بين علم الاجتماع واللاهوت، ويقول إنها رواية استرجاعية لمواجهة شخصية مع هذه القضية تحديدًا، وهي العلمنة. بحسب رأيه، تغيّر براديغم العلمنة من منتصف ستينيات القرن الماضي إلى منتصف ثمانينياته، بفعل تأثير النقد الذي وجهه علماء كُثر، إلى أن أضحى ما كان مقبولًا سابقًا أنه "أسطورة" سوسيولوجية أمرًا مرفوضًا اليوم.

في الفصل الثاني، "التوسّع الإنجيلي في المجتمع العالمي"، يجد مارتن أن ثمة تحولًا متصلًا بالعولمة، أحدثه تمازج ديني بين السود والبيض في الغرب الذي رفض وصاية الإنتلجنسيا بعد البروتستانتية وبعد الكاثوليكية. يتزامن هذا التحول مع وعي ذاتي يمزج بين القديم وما بعد الحديث، ويعمل خلف الحدود القومية والإثنية، ويتناغم مع الموارد المحلية، ويجد صداه أقل ما يكون في مناطق الفتور التي خلفتها المؤسسات المنهارة، ولا سيما عندما استخدم حاملو التقليد المناهض للإكليروس سلطة الدولة للقضاء على المنطلق الروحي.

أنماط متنافسة

في القسم الثاني، "أوروبا"، ستة فصول. يُظهر مارتن في الفصل الثالث، "أنماط متنافسة من العَلمنة و’طرق النصر‘ التابعة لها"، كيف يتضمن الدين كل ما لا يشمله تعريفٌ صفائي للدين. فهو يرى أن أنماط الاتصال التي تثير اهتمام علماء اجتماع الدين هي أنماط ثقافة تلطخت بصبغة الدين، ويمكن أن ترتبط السياسة بالدين أو تنفصل عنه بطرائق مختلفة في سياقات قومية متنوعة، لكنهما متماثلان في الشكل في أي حال من الأحوال؛ "فأنت تقرأ من أحدهما وتتابع إلى الآخر"، كما يقول مارتن.

يعيد المؤلف في الفصل الرابع، "العلمنة المقارنة شمالًا وجنوبًا"، صوغ مفهومه للعلمنة، ثم يبتكر مقاربة جديدة تستند إلى رحلة في أرجاء أوروبا، على نحوٍ يلقي الضوء على بعض المبادئ التحليلية المهمة. كما يقدم مبحثًا عن تركيا متحدثًا عن تطبيق العلمنة خارج السياق المسيحي. ويقيم مقارنة بين نسختين من الشمال البروتستانتي (أميركا الشمالية وشمال أوروبا) ونسختين من الجنوب الكاثوليكي (أميركا اللاتينية وأوروبا اللاتينية).

في الفصل الخامس، "الدين والدنيوية والعلمانية والتوحيد الأوروبي"، يرى مارتن أن ثمة سيرورة علمانية لا يمكن إنكارها، تؤثر في قدرة الكنائس على إعادة إنتاج نفسها، وإعادة إنتاج ذاكرتها التاريخية بين الأجيال الشابة. تنطوي هذه السيرورة على ضربات استباقية يوجهها العاملون في الوكالات التعليمية والاجتماعية الرئيسة تحت رعاية الدين ولمصلحة المعايير العلمانية، فضلًا عن تأثير وسائل الإعلام.

منظور مقارن

في الفصل السادس، "كندا من منظور مقارن"، يطرح مارتن أسئلة لا إجابة عنها إلا في سياق الحالة الكندية: هل هناك ثقافات تأسيسية؟ ما حجمها؟ ما قوتها النسبية وتوزّعها على الأرض؟ يرى أن بين المجتمعات الأنجلو أميركية يتضح أن كندا هي الوحيدة التي تملك ثقافتين تأسيسيتين، وربما ثلاث ثقافات، تتمتع كل منها بقاعدة إقليمية مرسومة الحدود. وللثقافتين البروتستانتية والرومانية الكاثوليكية في سلسلة أوروبا الشمالية قواعدهما الإقليمية، لكن الحدود في الثقافة الكاثوليكية مرسومة أكثر منها في الثقافة البروتستانتية.

في الفصل السابع، "الولايات المتحدة الأميركية من منظور وسط أوروبا"، يفكر المؤلف في مقارنتين: الأولى بين بيئة الفضاء المقدس في ميونخ وبرلين بصفتهما قطبين متنافسين في بلد فدرالي بنسختين رئيستين من المسيحية متوازنتين عدديًّا؛ والثانية بين الفضاء المقدس في ألمانيا والفضاءات المقدسة المتعددة في الولايات المتحدة، وهي دولة فدرالية أيضًا تضم أشكالًا متنوعة من المسيحية، لكن تترابط من خلال أسطورة "الدين الأميركي" المشتركة، والمتداخلة مع "الدين المدني".

في الفصل الثامن، "أوروبا الوسطى وتراخي الاحتكار والرباط الديني"، يناقش مارتن مثال هنغاريا، وفردنة الروحانية المعاصرة مقارنةً بجماعات الكاثوليكية والبروتستانتية الأخلاقية الأكثر عضوية التي تحتفظ بروابط مؤسساتية مع الدولة، أو لديها حضور معترف به في الساحة الشعبية، خلافًا للروحانية المعاصرة؛ فهي تولّد عوضًا عن ذلك عاطفة أخلاقية منتشرة موجهة ضد الرأسمالية أو الدولة.

سرديات العلمنة

في القسم الثالث، "السرديّات والسرديّات الكبرى"، فصلان. يعلّق مارتن في الفصل التاسع، "العلمنة: سرديّة كبرى أم قصص عدة؟"، على الأنموذج القياسي للعلمنة الذي استطاع الصمود أربعة عقود أمام الضغط الحرج لأنه ليس خاطئًا. ثم يعود إلى وضع التفسير المبني على الشكّ في وجه الأمور المسلّم بها جدلًا. ويشير إلى القصص المحتملة والمعنية بالعلمنة، ملمّحًا إلى التأثيرات الأيديولوجية والفلسفية واللاهوتية. ويستفيض في الحديث عن التناقضات والالتباسات التي تحرف مسار التقدم العلماني وتلفّه بالضبابية.

في الفصل العاشر، "البنتكوستالية: سرديّة حداثة كبرى"، يقول مارتن إن أول ما نحتاج إليه عند عرض سرديّة كبرى مبنية على البنتكوستالية بصفتها خيارًا عالميًّا هو تقديم أنموذج لعلاقة الدين بالمجتمع والثقافة، "فإذا استطاع المرء أن يفهم أي دين معيّن بأنه ذخيرة مترابطة من أفكار وموضوعات تكوّن مقاربة إلى العالم في الحدود التي عرضها ماكس فيبر في الأصل، تصبح قضية الدين بالعلاقة مع التحديث إذًا قضية تتصادى بموجبها غيابات بعض الموضوعات وضروب حضورها مع إمكانات تطورية بعينها".

السياسي والأكاديمي

في القسم الرابع، "تعليقات"، ثلاثة فصول. في الفصل الحادي عشر، "الإرسالية وتعدد الأديان"، يجد المؤلف نوعين من التعددية الدينية: الأول هو التعددية الطائفية التي تقوم على التقارب المتسامح للأديان ضمن وحدة اجتماعية أكبر، حيث هناك في معظم الأحيان جماعة متفوقة ومركزية بين جماعات أخرى ثانوية وهامشية. والثاني يكمن في المنافسة المفتوحة لعوالم الحياة وأساليبها. ويرى أن علينا النظر مليًا في نوعي التعددية هذين، بينما يتّسعان في العالم المعاصر وينحصران.

في الفصل الثاني عشر، "ما هي اللغة المسيحية؟"، يتأمل مارتن طبيعة اللغة الدينية إزاء خلفية العلمنة. يقول: "إذا فُهمت العلمنة على أنها جزء لا يتجزأ من تطور الحداثة، ونُظر إلى المسيحية على أنها جزء لا يتجزأ من المجتمع التقليدي، فإن لغة الدين سيصيبها الإهمال، لا لأسباب عارضة تتعلق بالوصول المحدود أو بقمع الدولة أو بالإهمال المبدئي، بل لأنها بقايا قديمة".

في الفصل الثالث عشر والأخير، "المسيحي والسياسي والأكاديمي"، يطرح مارتن قضية اللغة المسيحية وعلاقتها بالسلطة والسياسة والعنف في سياق العلمنة. أحد النصوص التي يبني عليها هو "السياسة بوصفها مهنة" لماكس فيبر، لأنه يحلل فيه خصائص الدور السياسي وقيوده مقارنةً بالدورين الديني والأكاديمي.

التعليقات