08/07/2019 - 11:38

الرواية الإسرائيليّة عن خانيونس: بعضُ التفاصيل المفقودة

غابت عن الرواية الإسرائيليّة لعمليّة خانيونس الفاشلة في تشرين ثانٍ/ نوفمبر الماضي، والتي نشر الجيش الإسرائيليّ، أمس الأحد، نتائج سبع تحقيقات حولها، معلومات هامّة، وردت في الرواية الفلسطينيّة، مثل كيف انكشف أمر القوّة الإسرائيليّة؟ وكيف دخلت إلى القطاع؟

الرواية الإسرائيليّة عن خانيونس: بعضُ التفاصيل المفقودة

المركبة الإسرائيليّة بعد تدميرها (رويترز)

غابت عن الرواية الإسرائيليّة لعمليّة خانيونس الفاشلة في تشرين ثانٍ/ نوفمبر الماضي، والتي نشر الجيش الإسرائيليّ، أمس الأحد، نتائج سبع تحقيقات حولها، معلومات هامّة، وردت في الرواية الفلسطينيّة، مثل كيف انكشف أمر القوّة الإسرائيليّة؟ وكيف دخلت إلى القطاع؟ والسؤال الأهم: ما هو هدف هذه القوّة؟

تبرز الرواية الإسرائيليّة أهميّة العمليّة، وبالتالي التأثير الكبير لفشلها، عبر ذكر أن الاستعدادات لها استمرّت سبعة أشهر، بمشاركة من كافة الأجهزة الاستخباراتيّة، رغم أن شعبة الاستخبارات العسكريّة ("أمان")، التي نفّذت العملية هي من فرق النخبة بالجيش الإسرائيليّ، كما أن رئيس أركان الجيش الإسرائيلي حينها، غادي آيزنكوت، ورئيس "أمان"، تمير هايمان، ورئيس جهاز الأمن العام (الشاباك)، نداف أرغمان، أشرفوا جميعًا على العمليّة أثناء تنفيذها.

تنتقل الرواية من الاستعدادات المفصّلة إلى نقطة انفضاح أمر القوّة، ولاحقًا التحقيقات، دون ذكر الطريقة التي دخلت فيها إلى القطاع ولا سبب انفضاح القوّة، إلّا أن روايات فلسطينيّة وأجنبية، ذكرت سابقًا تفاصيل يساهم ذكرها في رسم صورة أوضح لمسار العمليّة.

ونعتمد في هذه المادّة على الروايات التي وردت على لسان قادة حركة "حماس" وفي تقرير لصحيفة "الإندبندنت" البريطانيّة، وفي مؤتمر صحافي رسمي لكتائب القسّام، وفي تحقيق لوكالة "أسوشييتد برس" الأميركيّة، وإلى الرواية الرسميّة الإسرائيليّة، بطبيعة الحال.

كيف دخلت إلى القطاع؟

بحسب ما قال عضو المكتب السياسي لحركة "حماس"، موسى أبو مرزوق، لوكالة "الأناضول" في تشرين ثانٍ/ نوفمبر الماضي، فإن القوّة الإسرائيليّة تسلّلت إلى القطاع عبر أحد المعابر الرسميّة، دون أن يكشف كيفيّة تم ذلك.

بينما أوردت صحيفة "إندبندنت" البريطانيّة، في كانون أول/ ديسمبر الماضي، أنّ القوة دخلت باستخدام بطاقات هويّة مفصّلة لغزيّين حقيقيين لكنّها مزيّفة، بعدما ادّعوا أنهم أطباء. وهذه الهويّات، بحسب ما ذكرت الصحيفة، "مسروقة" من غزّيين يسكنون في كافّة أرجاء القطاع، باستثناء المنطقة التي جرت فيها العمليّة العسكريّة السريّة، خشيةً من انكشاف أمرهم من قبل الأهالي.

وقال المتحدّث باسم حركة حماس، حازم قاسم، للصحيفة، حينها، فإنّ هذه البطاقات كانت "دقيقة للغاية، وتضمّنت الأسماء الكاملة الصحيحة وأرقام الهويّات وتفاصيل السكّان".

وتتضارب الروايات حول مكوث القوّة الإسرائيليّة داخل القطاع، فبينما توحي الرواية الإسرائيليّة أنّ القوّة دخلت القطاع قبيل تنفيذ العمليّة، أشارت مصادر صحافيّة إلى أنّ القوة دخلت القطاع "أكثر من مرّة قبيل تنفيذ العمليّة"، وقالت رواية فلسطينيّة أخرى إن أفراد القوّة مكثوا في بيت "عميل فلسطيني 24 ساعة قبل الانطلاق لتنفيذ العمليّة".

ولم يؤكّد الجيش الإسرائيلي أو ينفِ هذه التفاصيل، وتبقى ضمن الجزء الذي لم ينشر من التحقيق.

الانفضاح... متى بدأ وكيف تمّ؟

رغم أنّ التحقيقات الإسرائيليّة، بحسب المراسلين العسكرييّن في الصحافة الإسرائيليّة، تركّزت على "ما هي التصرّفات التي أدّت إلى انفضاح أمر القوّة الإسرائيليّة"، ذكرت روايات فلسطينيّة بعضًا من هذه الجوانب.

ففي رواية "الإندبندنت" البريطانيّة، بدأ الشك في القوّة الإسرائيلية عند اجتيازها المعابر الرسميّة بالهويات الفلسطينيّة، وعند دخولهم من المعبر، أبلغ أفراد القوّة الأمن أنهم سينقلون المرضى إلى بيوتهم، وكان معهم كرسي متحرّك، "لكن أمن المعبر اشتبه بهم كون لهجتم لا تتطابق مع المناطق التي قالوا إنهم ينتمون إليها".

ومع هذا الاشتباه، قرر أمن المعبر استدعاء ضباط أرفع منهم للتحقيق، منهم القيادي في حركة حماس، نور الدين بركة، الذي قرر أخذ الفريق الإسرائيلي المتخفّي لإجراء المزيد من التحقيقات في مقرّ عسكري تابع للمقاومة في منقطة قريبة من المعبر، وهو ما دفع أفراد القوّة الإسرائيليين إلى اغتيال بركة.

لكن هذه الرواية تتعارض مع الرواية الإسرائيليّة الرسميّة، التي تفيد بأنّ الانفضاح تم داخل خانيونس (على بعد كيلومترين من الحدود)، لا عند المعبر نفسه، وهو ما يؤكده مكان وقوع الاشتباك ورواية كتائب القسّام لاحقًا، كما تتعارض مع الرواية القائلة إنّ أفراد القوّة مكثوا 24 ساعة داخل منزل أحد العملاء، وانطلقوا من هناك لتنفيذ العمليّة.

من جهتها، نقلت وكالة "أسوشييتد برس" الأميركيّة عن مصادر في المقاومة الفلسطينيّة، قولها إن "تفاصيل صغيرة" ساهمت في إثارة شكّ الأهالي الموجودين في المنطقة، وهذا أقرب إلى الرواية الإسرائيليّة، التي تحدّث عن "تفاصيل عينيّة ونُقطيّة".

وبحسب الوكالة، شكّ أفراد المقاومة الفلسطينيّة، بمركبة القوة الخاصة التابعة للاحتلال، بعد أن مرّت ببلدة عبسان الصغيرة، "حيث الجميع يعرف بعضهم البعض، والغرباء المارّون يجذبون الانتباه بسرعة"، ما أثار الشكوك حول هوية الأشخاص الذين يركبون السيارة وأوقفوهم للاستجواب.

وقال أحد المسؤولين في المقاومة للوكالة، إن أفراد القوّة الإسرائيليّة كانوا يتكلمون اللهجة المحلية بطلاقة، إلا أن عدّة أمور بدت مريبة، فقد "كانت هناك امرأة جالسة بين رجلين رغم أن بطاقات هويتهم أظهرت أنهم من عائلات مختلفة"، ويُعتبر جلوس امرأة بجانب رجل ليس قريبها، أمرًا مخالفا للعادات والتقاليد في المنطقة.

وأشار المسؤول إلى أن هذا "السبب الرئيسي الذي أثار الشكوك"، الأمر الذي زاد النقاش بين أمن حماس وجنود الاحتلال الذين زعموا بأنهم سيزورون امرأة "لا تقطن بالمنطقة" (رواية "الإندبندنت" هي أنهم أطباء سيقومون بعلاجها، لا زيارتها).

دفع هذا الارتياب أفراد المقاومة الفلسطينيّة إلى استدعاء قائدهم، نور بركة، حيث "تدهور الوضع بعد وصوله"، بسبب طرحه للمزيد من الأسئلة، ومن ثم أمر باعتقالهم، وعندما شعر أنهم يكذبون، ومن دون سابق إنذار، أطلقت قوّة الاحتلال النار عليه ليسقط شهيد، وفق الوكالة الأميركية.

أما "الإندبندنت" فذكرت أنّ الشهيد بركة كان يعرف إحدى النساء التي تحمل القوّة الإسرائيليّة هويتها، ويعرف كذلك أنها توفّيت في الواقع.

التحقيقات... ما الذي حدث فيها؟

تذكر الرواية التي قدّمها الجيش الإسرائيلي أن أفراد المقاومة الفلسطينيّة أوقفوا قائد القوّة الإسرائيليّة للتحقيق، قبل أن يبادر أفراد قوّته إلى إطلاق النيران، غير أن صحيفة "الإندبندنت" ذكرت بعضًا مما ورد في هذه التحقيقات، مثل "ادّعاء أفرادها أنهم عمال إغاثة في منظمات مجتمع مدني غير حكوميّة، وكانت معهم نساء في السيارة، واستخدموا ذلك لتبرير سبب تسللهم لقطاع غزّة"، وأنّ "وظيفتهم هي نقل المرضى إلى بيوتهم بعد تلقي العلاج".

وفي لحظة معيّنة، اقتنع أفراد القوّة الإسرائيليّة، بحسب التحقيقات الرسميّة التي أعلن عنها الأحد، أن أمرهم انفضح وبدأوا بإطلاق النار على القوّة الفلسطينيّة، ما أدى إلى استشهاد بركة.

أسئلة غائبة عن الروايتين

لا شكّ أن فشل العمليّة العسكريّة، بحسب المحلّلين الإسرائيليّين، "شكّل ضربة قوية لقوات النخبة الإسرائيليّة لا زالت تلقي بظلالها" على شعبة الاستخبارات العسكريّة وعلى قيادة أركان الجيش الإسرائيلي، وقد تطيح قريبًا، برئيس "أمان"، هايمان، من منصبه.

غير أنّ هدف هذه المهمّة، التي أشرف عليها، كما سلف، آيزنكوت وهايمان وأرغمان، لا زالت سريّة وغير معروفة، رغم إلماح حركة حماس إلى أنها كانت تهدف إلى "زرع معدّات للتجسس"، في حين قال المحلّل العسكري لصحيفة "يديعوت أحرونوت"، رون بن يشاي، في تشرين ثانٍ/ نوفمبر الماضي، إلى أنها استهدفت "قدرات عسكرية نوعية جدا لحماس"، وأنّ مهمتها "منع تفعيل قدرات الذراع العسكري لحماس خلال مواجهة كبيرة مع الجيش الإسرائيلي". وبحسب بن يشاي فإنه "ربما أن العملية العسكرية نُفذت في عدة مواقع في آن واحد"، غير أن الرواية الإسرائيليّة الرسميّة تتجاهل هذه النقطة.

ورغم ذكر الرواية الإسرائيليّة إلى عدم حصول حركة حماس على "معدّات متطورة وحسّاسة" تركها الجنود الإسرائيليون وراءهم، إلا أن كتائب القسّام استعرضتها لاحقًا في شريط مسجّل.

كما تغيب عن الروايتين كيفيّة معرفة كتائب القسّام لأسماء أفراد القوّة المشاركين في العمليّة ونشرها لاحقًا على مواقع التواصل الاجتماعي.

التعليقات