أ. ب. يهوشوع واندثار حل الدولتين

إن خيار الدولة الواحدة في الوقت الذي يصلح كتكتيك أو ورقة يمكن التلويح بها في مواجهة من يسعون إلى تدمير حل الدولتين إسرائيليا، يصلح أيضا كإستراتيجية يمكن البناء عليها لحل شامل ودائم للقضية الفلسطينية وللمسألة اليهودية في فلسطين.

أ. ب. يهوشوع واندثار حل الدولتين

في وقت اعتبرت فيه وزيرة القضاء الإسرائيلية، اليمينية المتطرفة، أيليت شاكيد، قرار مجلس الأمن الذي أدان الاستيطان مناسبة للحديث صراحة عن "الضم"، وكانت تقصد ضم الضفة الغربية أو المناطق "جـ" منها، كما يدعو حزبها "البيت اليهودي"، في الوقت ذاته فجر الأديب "اليساري" الإسرائيلي أ. ب يهوشوع قنبلة من العيار الثقيل بدعوته إلى منح الإقامة الإسرائيلية لفلسطينيين في مناطق "جـ"، الأمر الذي اعتبر بنظر كثيرين دعوة صريحة لضم تلك المناطق لإسرائيل وانسحاب واضح من حل الدولتين.

يهوشوع الذي شارك في مؤتمر نظمه "معهد القدس لدراسات السياسة" تحدث عن النشاط الجاري في المساحات المشتركة لفئات سكانية مختلفة في "القدس الكبرى" وبالذات للفلسطينيين واليهود، وأهمية هذه المساحات المشتركة كمختبر لحياة ثنائية القومية في ما سماه كامل "أرض إسرائيل"، استعدادا لما وصفها لإامكانية المحزنة والصعبة بأن حل الدولتين لا يتحقق في النهاية وانجرار الفلسطينيين والإسرائيليين بخاطرهم أو ليس بخاطرهم إلى دولة ثنائية القومية.

وبرر الأديب الإسرائيلي الذي كان يعتبر أحد رموز "معسكر السلام"، تراجعه بالقول إنه في ضوء الوضع العالمي الذي يتجه نحو التطرف اليميني وفي ظل الوضع الذي يسود العالم العربي من فوضى واغتراب عن النزاع الإسرائيلي الفلسطيني المستمر منذ 140 عاما، وضمن واقع سيطرة اليمين الإسرائيلي وسلبية السلطة الفلسطينية، على حد تعبيره،  يبدو واضحا تراجع إمكانية تحقيق حل الدولتين، لذلك يجب البدء بالتفكير بحلول جزئية أخرى، كما قال.

وجوبه اقتراح يهوشوع  بانتقادات واسعة، من قبل بقايا ما كان يعرف بـ"معسكر السلام الإسرائيلي"، الذي ما زال يتمسك بهذا الحل عكس في المحصلة مدى الوهن الذي أصاب هذا المعسكر وعجزه عن مواجهة المد اليميني الجارف الذي يجتاح اسرائيل منذ مقتل رئيس الحكومة الأسبق إسحق رابين، واحتلاله مواقع السطوة والقرار في الدولة اليهودية. وبات اندحار هذا المعسكر أمام المد الاستيطاني الديني اليميني واضحا، وهو عوضا عن تمسكه بمواقفه الفكرية والسياسية المتعلقة بالديمقراطية والسلام يتهاوى تحت ضربات اليمين ويتماهى مع أطروحاته في محاولة لكسب بعض من الرأي العام الذي ينزلق نحو اليمين.

ارتفاع نغمة موت حل الدولتين لم تعد حكرا على اليمين وعلى المحللين والمعلقين الذين يطرحونها من زاوية قراءة الواقع السياسي الراهن، بل باتت تسمع من قبل اقطاب "معسكر السلام الإسرائيلي" مثل زعيم حزب العمل ورئيس المعسكر الصهيوني، إسحق هرتسوغ وغيره من رموز هذا التيار، ما يشير إلى تآكل ثوابت برنامجه السلامي وانزياحه باتجاه أطروحات اليمين.

وفي السياق ذاته، رأى العديد من المحللين والمعلقين الإسرائيليين، في خطاب كيري الأخير، محاولة لنفخ الروح في جثة تكاد تكون هامدة، حيث اعتبره ناحوم برنيع المعلقين في "يديعوت أحرونوت" على أنه "مرثية لحل لدولتين"، فيما حاول رئيس تحرير "هآرتس"، ألوف بن، في مقال نشره نهاية الأسبوع الماضي، القبض على الوقت المحدد الذي جرى فيه التخلي عن حل الدولتين، مشيرا إلى أنه يقع في 25 تموز/ يوليو من العام 2000 بعد فشل محادثات كامب ديفيد وإعلان إيهود براك عن عدم وجود شريك فلسطيني، وعدم تنفيذه لـ"النبضة الثالثة" من اتفاقيات أوسلو التي كانت تقضي الانسحاب من مناطق "جـ" في الضفة الغربية.

ويرى بن أن عدم تنفيذ النبضة الثالثة، من اتفاقيات أوسلو، ترك 60% من أراضي الضفة الغربية تحت سيطرة إسرائيلية امنية وسياسية كاملة، وفتح شهية إسرائيل، حيث تعاظم الاستيطان ومعه الجهود لطرد الفلسطينيين من مناطق "جـ" والتي يطالب الوزير نفتالي بينيت بضمها رسميا لإسرائيل.

وعلى الجانب الآخر من المتراس، يقول الكاتب اليساري غدعون ليفي إنه الأوان لأن نعترف أن حل الدولتين قد مات وأن أمامنا أحد الخيارين، إما دولة أبرتهايد وإما دولة واحدة ديمقراطية، ويشير إلى أن الأحاديث المتزايدة التي تشهدها الآونة الأخيرة عن الضم إلى جانب التشريعات غير الديمقراطية تفيد بأن إسرائيل ترسي القواعد الفكرية والقانونية لدولة الأبرتهايد.

الى ذلك، فان تشبث الفلسطينيين بحل الدولتين، دون إفساح المجال لمعاينة اجتهادات جديدة على غرار الدولة الواحدة، في وقت يسحب فيه البساط من تحت أقدام هذا الحل نظريا ويجري تدمير إمكانيات تحقيقه على الأرض ويتم إغلاق أي أفق سياسي لتمريره عمليا، يدعهم دون بديل سياسي يستندون إليه في حال السقوط التام لحل الدولتين.

في ضوء ذلك، فإنه إلى جانب خوض الجولة الأخيرة من الحرب على حل الدولتين الذي تسعى إسرائيل إلى تدميره بشتى الوسائل، يجب صياغة البرنامج البديل الموازي والمناهض لسياسة الضم الزاحف لتي تتبعها حكومة المستوطنين التي يرأسها نتنياهو، وهو البرنامج المقاوم لدولة الأبرتهايد المقبلة وقوانينها العنصرية.

إن خيار الدولة الواحدة  في الوقت الذي يصلح كتكتيك أو ورقة يمكن التلويح بها في مواجهة من يسعون إلى تدمير حل الدولتين إسرائيليا، يصلح أيضا كإستراتيجية يمكن البناء عليها لحل شامل ودائم للقضية الفلسطينية وللمسألة اليهودية في فلسطين.

التعليقات