خطاب عباس بمنظور إسرائيلي: نهاية "تعيسة" أم انطلاقة جديدة؟

ردود الفعل تراوحت بين من اعتبره نداء يائسا يشير إلى نهاية مشوار أبو مازن السياسي، وبين من رأى فيه بداية لتحرير عملية السلام من الاحتكار الأميركي، وتحويل السلطة الفلسطينية إلى كيان مستقل لا يستمد شرعيته من اتفاق أوسلو

خطاب عباس بمنظور إسرائيلي: نهاية

تفاوتت ردود فعل وسائل الإعلام والمحللين الإسرائيليين على خطاب الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، أمام المجلس المركزي الفلسطيني، بين من اعتبره نداء يائسا يشير إلى نهاية مشوار أبو مازن السياسي، وبين من رأى فيه بداية لتحرير عملية السلام من الاحتكار الأميركي، وتحويل السلطة الفلسطينية إلى كيان مستقل لا يستمد شرعيته من اتفاق أوسلو.

المحلل السياسي آفي سخاروف كتب في موقع "واللا"، أن عباس الذي سيبلغ بعد شهرين 83 عاما رسم في الخطاب المذكور نهاية طريقه السياسي دون تحقيق أي إنجاز يذكر، بعد أن فقدت فكرة الدولة الفلسطينية في حدود 67 التي طالما لوح بها كسياسة رسمية وغير رسمية، أي أساس لها في الواقع. وأشار سخاروف إلى أنه من السهل اتهام ترامب بما آلت اليه الأمور، إلا أن تبخر فكرة الدولتين بدأ فعليا عام 2009 عند استقالة إيهود أولمرت وفوز بنيامين نتنياهو، بينما كان إعلان ترامب بمثابة إسدال الستارفقط على مسيرة المفاوضات.

في السياق ذاته رأت صحيفة "هآرتس"، في افتتاحيتها اليومية، أن خطاب عباس ليس مجرد كسر تكتيكي لقواعد اللعبة، بل صرخة يأس صادرة عن رئيس فلسطيني يشهد وصول حلم الدولة الفلسطينية إلى طريق مسدود، في ظل حكومة إسرائيلية تشتق هويتها القومية من استمرار الاستيطان في الأراضي المحتلة، وتختلق المبرر تلو الآخر للتملص من أي عملية سياسية، وهي لم تر منذ البداية بعباس شريكا لعملية المفاوضات.

وفيما يبدو كفكي كماشة تطبق على الرئيس عباس، بلسان "هآرتس"، تقف إلى يمين تلك الحكومة، الولايات المتحدة التي تحولت إلى طرف في المفاوضات، بعد اعترافها، بشكل مخالف لسياستها السابقة ولقرارات الأمم المتحدة، بالقدس عاصمة لإسرائيل، ورئيسا أميركيا يهدد بتقليص المساعدات لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين، إذا لم يخضع الفلسطينيون لأوامره، من جهة، وتصدعا لدرع الوقاية العربي بعد انضمام السعودية إلى الحلف الأميركي الإسرائيلي، ومطالبتها لعباس بالتنازل عن المبادئ الأساسية للوطنية الفلسطينية.

تحذر من أن انعدام الأفق السياسي سيزيد من قوة التيارات الراديكالية الدينية والعلمانية، ويجعل ما وصفته بالبديل الإرهابي يحظى بمصداقية أكبر، وذلك عدا عن المس بالتنسيق الأمني مع السلطة، وازدياد احتمالات اندلاع مواجهة عسكرية شاملة، وهي تعتبرخطاب عباس بمثابة الإنذارالأخيرقبل تفكك السلطة الفلسطينية الذي سيلقي على كاهل إسرائيل المسؤولية عن حياة الفلسطينيين في مختلف المجالات.

بالمقابل يرى المحلل السياسي في القناة الثانية، إيهود يعاري، أنه من الخطأ النظر إلى أبو مازن كزعيم وصل إلى طريق مسدود أو أنه في مرحلة نهاية مشواره السياسي، كما يعتقد الكثيرون خطأ، لأن العكس هو الصحيح، فهو سعيد ومرتاح لأنه بات بمقدوره القيام بثلاثة أمور أراد القيام بها في ذات الوقت، وهي: تحرير السلطة الفلسطينية من اتفاق أوسلو ومن الاعتراف بإسرائيل الذي قام به عرفات مرغما، وكسر الاحتكار الأميركي لرعاية "عملية السلام"، والشروع بحملة دولية لتجنيد الدعم للاعتراف بالدولة الفلسطينية دون علاقة بإسرائيل.

ويقول يعاري إن هذا كان هدف عرفات منذ اللحظة الأولى التي وصل فيها إلى البلاد، لكنه لم يستطع تحقيقه بسبب تورطه في مغامرة الانتفاضة الثانية، على حد تعبيره، في حين أن أبو مازن الذي يختلف مع عرفات حول نجاعة استعمال السلاح ضد إسرائيل، لم يختلف معه حول هذا الهدف وهو يصل اليوم إلى تلك النقطة في أعقاب اعتراف ترامب بالقدس عاصمة لإسرائيل والرفض الفلسطيني لمواصلة مفاوضات تحت رعاية أميركا.

من جهتنا، وبغض النظرفيما إذا كان خطاب عباس يمثل نقطة النهاية السياسية بالنسبة للرجل، أم هو انطلاقة جديدة لتحقيق حلم عرفاتي جميل، فإنه يعبر، في الحالتين، عن وصول مرحلة دامت أكثر من 30 عاما، واستنزفت الكثير من طاقات شعبنا إلى نهايتها المحتومة، بكل ما يعنيه ذلك من انفتاح الآفاق لانطلاق مرحلة جديدة يفترض الاستعداد لخوض غمار تحدياتها.

التعليقات