خريطة العلاقات الأوروبية الإسرائيلية

* يعتبر صعود أحزاب اليمين المتطرف في بعض هذه الدول الداعمة لإسرائيل كمحفز للتحالف معها، بهدف "إثبات أنها غير معادية للسامية" * نتنياهو يسعى لاستغلال الانقسام الأيديولوجي لتفكيك الإجماع الأوروبي في قضية الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني

خريطة العلاقات الأوروبية الإسرائيلية

رئيس المجلس الأوروبي دونالد توسك ورئيس الحكومة الهنغارية فكتور أوربان (أب)

بيّنت دراسة جديدة تناولت علاقات دول الاتحاد الأوروبي مع إسرائيل، أن هنغاريا هي أكثر دولة تبذل جهودا في منع قرارات الاتحاد الأوروبي التي تنتقد سياسة الحكومة الإسرائيلية، في حين أن إيرلندا هي أكثر دولة تنتقد الحكومة الإسرائيلية، بينما تعتبر فرنسا الدولة الأكثر دعما لتجديد ما يسمى "جهود السلام" الدولية.

نشر الدراسة المعهد الإسرائيلي "متافيم"، هذا الأسبوع، بالتعاون مع المعهد الألماني لشؤون الأمن والقضايا الدولية (SWP) ومنظمة "PAX".

وتأتي هذه الدراسة قبيل الانتخابات الحاسمة للبرلمان الأوروبي، التي تبدأ الأسبوع القادم، وفي ظل الجهود التي يبذلها رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، في السنوات الأخيرة لاستغلال الانقسام الأيديولوجي الحاد في الاتحاد الأوروبي بهدف تفكيك الإجماع الأوروبي في قضية الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني.

وتتضمن الدراسة للمرة الأولى مسحا عميقا لمنظومة العلاقات المركبة بين دول الاتحاد الأوروبي وحكومة نتنياهو، وتحلل العوامل التي جعلت الاتحاد الأوروبي ليس ذا صلة في الدفع باتجاه حل سياسي.

فحصت الدراسة، التي نشرتها صحيفة "هآرتس"، علاقات الاتحاد الأوروبي وإسرائيل منذ زيادة تدخل الاتحاد بهذا الشأن مع إعلان البندقية (فينيسيا) عام 1980، الذي تضمن الالتزام بالعمل بشكل ملموس أكثر من أجل السلام، والاعتراف بحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره.

ولم يتغير هدف الإعلان كثيرا والأسس التي جاءت فيها، وبضمنها دعم الاتحاد الأوروبي لحل الدولتين، بيد أن الباحثين في المعهد الإسرائيلي، د. نمرود غورن، ود. موريئيل أسبورغ، ود. نيكولا فون أوندرزا، ود. أيال رونين، يعتقدون، بحسب الدراسة، أن صلة الاتحاد الأوروبي بحل الدولتين تتضاءل في ظل الهيمنة الأميركية في الوساطة، والتحفظ الإسرائيلي من أية مبادرة أوروبية.

وبين الأسباب المركزية التي جعلت الاتحاد الأوروبي في الخلفية بكل ما يتصل بالصراع الإسرائيلي – الفلسطيني يعدد الباحثون عدة عقبات على مستوى البنيوي للاتحاد، وعلى رأسها أن السياسية الخارجية تتطلب إجماعا تاما، ما يعني، عمليا، أن كل دولة عضو في الاتحاد تستطيع أن تستخدم حق النقض على كل قرار أو تصريح. وهذه الحقيقة لا تؤثر فقط على العلاقات مع إسرائيل، وإنما على روسيا أيضا.

وبشكل مواز، فإن وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي، الذين يترأسون جهازا متشعبا، يفقدون القدرة على البقاء كعامل موحد. وتشير الدراسة، بشكل عيني، إلا أن وزيرة خارجية الاتحاد الحالية، فيديريكا موغيريني، الإيطالية قد خسرت من قوتها السياسية في بلادها، الأمر الذي أثر على مدى نفوذها في الاتحاد.

أما العقبة الثانية التي أشار إليها الباحثون والتي تمنع تحول الاتحاد الأوروبي إلى لاعب فعال في الشرق الأوسط، فهي على المستوى الأيديولوجي، وهي الحوار المتصاعد حول "سيادة أوروبية أمنية – إستراتيجية"، الأمر الذي أحدث شرخا بين "الدول التقدمية" و"الدول الأكثر قومية"، ومنع إجراء حوار موحد في التصورات الأمنية للشرق الأوسط.

وتتصل العقبة الثالثة بمغادرة بريطانيا للاتحاد الأوروبي، والذي يحظى باهتمام أكبر من باقي القضايا، ويعمق انفصال بريطانيا عن أوروبا بكل ما يتصل بالسياسة الخارجية والأمن.

ويشير الباحثون إلى تحد رابع، وهو انتخابات البرلمان الأوروبي، التي تبدأ الأسبوع المقبل، حيث أنه بالرغم من أن تأثير أعضاء البرلمان على السياسة الخارجية محدود، إلا أنه على المستوى البنيوي يستطيعون التأثير على هوية رؤساء المؤسسات المركزية الجدد، وعلى المستوى الأيديولوجي يستطيعون التأثير على قوة القوى الشعبوية و"الشكوكية الأوروبية" (Euroscepticism) (التي تعارض تشكيل اتحادات سياسية كالاتحاد الأوروبي).

وفحصت الدراسة بشكل معمق الطريقة التي يسعى نتنياهو بواسطتها، في السنوات الأخيرة، إلى استغلال هذه الفجوات والتحديات لـ"تصويب" ما يعتبره توجها غير متوازن تجاه إسرائيل. وبضمن ذلك، يسعى نتنياهو إلى كسر العلاقة بين القضية الفلسطينية وبين تطوير العلاقات مع إسرائيل، وفي الوقت نفسه يعمل على "تعزيز" الربط بين الانتقادات لسياسة إسرائيل وبين معاداة السامية، ويتجلى ذلك، في الأساس، في علاقة إسرائيل مع الحكومة النمساوية الحالية. وهذه السياسة تشكل تهديدا للعلاقة بين إسرائيل وبين "الجاليات اليهودية" التي ترى جوانب عنصرية تجاه اليهود في ائتلاف اليمين المتطرف في بلادهم.

ويسعى نتنياهو لتحقيق هذه الأهداف بواسطة التقرب من مجموعات داخلية في الدول، وخاصة في وسط وشرقي أوروبا، وبينها مجموعة دول "فيسغراد" (هنغاريا وبولندا وسلوفاكيا وجمهورية التشيك)، والدول البلقانية  (رومانيا وبلغاريا وكرواتيا)، والهيلينية (اليونان وقبرص)، ويعمل اليوم بطريقة مماثلة مع الدول البلطية أو دول البلطيق (ليتوانيا ولاتفيا وأستونيا).

وتتشارك هذه التحالفات، بحسب الدراسة، برؤية متماثلة تجاه تهديدات خارجية وداخلية، كـ"قضايا الهجرة والإرهاب، والرغبة في التعاون مع إسرائيل في المجالات الأمنية، والطاقة والريادة والابتكار". ويعتبر صعود أحزاب اليمين المتطرف في بعض هذه الدول كمحفز للتحالف مع إسرائيل، بهدف "إثبات أنها غير معادية للسامية".

وتقسم الدراسة علاقات دول الاتحاد الأوروبي مع إسرائيل إلى ثلاث كتل مركزية، الأولى هي الدول التي تنتقد سياسة الحكومة الإسرائيلية مثل إيرلندا وفرنسا والسويد وبلجيكا وإسبانيا والدانمارك ولوكسمبورغ ومالطا والبرتغال وسلوفينيا.

وكانت إيرلندا أكثر الدول انتقادا لسياسات إسرائيل، وتعمل حاليا على سن قانون داخلي يمنع استيراد منتجات المستوطنات، بينما السويد هي الدولة الأوروبية الوحيدة التي اعترفت بفلسطين على شكل علاقات دولية كاملة. أما في إسبانيا فيعمل اليسار على الدفع بمشاريع مختلفة لحماية حركة مقاطعة إسرائيل، بينما تتركز فرنسا في الدفع بمبادرات سلام، في حين تميل كل من الدانمارك وفنلندا، مؤخرا، إلى احتلال منتصف قائمة الدول.

أما المجموعة الثانية فتضم الدول "المعتدلة"، بحسب الدراسة، وتضم كلا من ألمانيا وبريطانيا وإيطاليا وهولندا. ومع ذلك فإن إيطاليا تميل إلى الدفاع عن الفلسطينيين في مناطق "ج"، في حين تميل ألمانيا أحيانا إلى توجيه انتقادات.

وتضم المجموعة الثالثة الدول الداعمة لإسرائيل، وهي دول فيسغراد إضافة إلى النمسا ورومانيا وبلغاريا وكرواتيا وأستونيا ولاتفيا وليتوانيا واليونان وقبرص. ومع ذلك، فإن علاقات إسرائيل مع بولندا تشهد بعض التوتر، في حين أن الدول البلطية لا تزال تدعم حل الدولتين.

وشددت الدراسة على أن الخلافات الداخلية في الاتحاد الأوروبي في الشأن الفلسطيني أدت إلى منع حصول إجماع على الاقتراحات والتصريحات، ومع ذلك، فإنه لا يوجد ما يؤكد حصول تغيير في السياسة الجوهرية، والدليل على ذلك حقيقة أنه لم تقم أية دولة أوروبية بنقل سفارتها في إسرائيل إلى القدس، وذلك التزاما بسياسة الاتحاد الأوروبي، رغم بعض التصريحات والتلميحات من جانب دول يعمل نتنياهو على عقد تحالفات معها.

التعليقات