تقرير: استمرار الوجود الإيراني بسورية مرهون بردعها لإسرائيل

تقرير إسرائيلي يرصد الخطوات الإيرانية في سورية كي تستقر هناك، مثل بناء طرق ونقل سكان وهيمنة وتأثير على المنطقة الممتدة من العراق إلى لبنان والبحر المتوسط، وأن إيران قد تقرر ردع إسرائيل من خلال توجيه ضربة شديدة كالتي وجهتها للسعودية

تقرير: استمرار الوجود الإيراني بسورية مرهون بردعها لإسرائيل

رؤساء إيران وتركيا وروسيا خلال اجتماعهم في أنقرة، منتصف الشهر الماضي (أ.ب.)

تتابع إسرائيل عن كثب وبشكل مكثف التحركات الإيرانية، وبشكل خاص في سورية، وتعتبر أن إيران تسعى للبقاء في سورية. وقال تقرير صادر عن "معهد أبحاث الأمن القومي" في جامعة تل أبيب، أمس الإثنين، إنه "يوجد لاستمرار الوجود العسكري الإيراني/الشيعي في سورية أهمية إستراتيجية بنظر إيران". وحسب التقرير، الذي أعده الباحث في المعهد، أفراييم كام، فإن بين أسباب الوجود العسكري الإيراني في سورية تنبع من أن "بقاء نظام بشار الأسد ليس مضمونا، كما أن الدولة الإسلامية – داعش – قد تعود وتشكل خطرا على المصالح الإيرانية في سورية والعراق. ولذلك، فإن إبقاء القوات الخاضعة لقيادة إيران في سورية غايتها الحفاظ وترسيخ ارتباط وتعلق نظام الأسد بإيران".

واعتبر التقرير أن إيران تسعى إلى استغلال وجودها في سورية "من أجل تشديد التهديد على إسرائيل، بواسطة حزب الله وميليشيات شيعية أخرى، من خلال توسيع الجبهة ضد إسرائيل من جهة لبنان وسورية. ومن هذه الناحية، الانتشار العسكري في سورية يشكل، بنظر إيران، جبهة أمامية ضد خصومها، وبعيدا عن أراضيها. والتواجد في سورية، يعزز تأثير إيران على جارتيها، العراق ولبنان، المهمتان بالنسبة لإيران بسبب وجود مجموعة سكانية شيعية فيهما. وسورية هي حلقة الوصل بين إيران، عن طريق العراق، ولبنان إلى البحر المتوسط، والتي تسمح لإيران بتعزيز الحيز الشيعي، وضمن ذلك بواسطة تحسين دائم لقدرات حزب الله العسكرية".

وبقاء الوجود الإيراني في سورية منوط بنظام الأسد، بادعاء أن النظام هو الذي استدعى إيران إلى التدخل العسكري في سورية، خلال الحرب الأهلية. وطالما أن النظام يريد بقاء الإيرانيين، فإنه يصعب على روسيا، الحليفة الأخرى للنظام، إخراج الإيرانيين من سورية. وذكر التقرير أنه توجد مؤشرات على أن استمرار هذا التواجد مرغوب به من جانب النظام. "فالأسد مدين لإيران، إلى جانب روسيا، ببقاء حكمه". وفي هذه الأثناء، بدأت مشاريع إعادة إعمار معقد وطويل الأمد في سورية، والنظام بحاجة إلى مساعدات اقتصادية وعسكرية واسعة من إيران. وذلك في الوقت الذي "ما زال هناك أعداء للأسد الذي قد يشكلون خطورة عليه، ومواجهتها يتطلب دعما إيرانيا".

وأشار التقرير إلى المعضلات في سورية. من جهة، رجح التقرير، أن "إيران تأخذ بالحسبان أن الوضع يمكن أن ينقلب. ورغم أن الأسد لا يزال بحاجة إلى إيران، ولكن بشكل أقل مما كان عليه الوضع قبل أربع – خمس سنوات، لأن الخطر الأساسي على النظام زال بقدر كبير. ومن جهة أخرى، فإن الأسد قد يدرك أن استمرار التواجد العسكري الإيراني سيسبب ضررا أكثر من الفائدة، لعدة أسباب بينها أن الوجود الإيراني يورطه مع إسرائيل مرة تلو الأخرى، ويتسبب باحتكاكات مع روسيا. ويرجح أن سورية ستستمر في التعرض لضغوط، من جانب الولايات المتحدة وإسرائيل، وربما من جانب روسيا أيضا، وربما تركيا، من أجل إخراج القوات الإيرانية من سورية. وإيران لا يمكنها أن تتجاهل أيضا احتمال أن نظام الأسد، ورغم استقراره، لن يصمد في الأمد الأبعد، ويحل مكانه نظام يفضل الابتعاد عن إيران".

سياسة اقتصادية – اجتماعية: نقل سكان

اعتبر التقرير الإسرائيلي أنه "لهذه الأسباب، قررت إيران، قبل عدة سنوات على ما يبدو، ألا تكتفي بمنح سورية مساعدات عسكرية واقتصادية، والتدخل عسكريا. ونية إيران كانت وما زالت استغلال الضائقة والدمار الحاصل في سورية من أجل محاولة التأثير على عدة عناصر طائفية واقتصادية في سورية، وتوثيق العلاقات معها، دون أن يكون ذلك مرتبطا بالنظام. وهكذا تحول التغلغل الاقتصادي – الاجتماعي إلى سورية إلى عنصر مركزي في سياسة إيران الشرق أوسطية".     

وأشار التقرير إلى أن إيران وسورية وقعتا على مجموعة اتفاقيات، بين آب/أغسطس 2018 وآذار/مارس 2019، تتعلق بتوسيع التعاون العسكري بينهما، وترميم قوات النظام والصناعات العسكرية في سورية. وقضت هذه الاتفاقيات باستمرار تواجد المستشارين العسكريين الإيرانيين في سورية. وواضح أنه لكلا الجانبية مصلحة في توسيع العلاقات العسكرية والاقتصادية بينهما. "ونظام الأسد لن يسارع إلى المس بعلاقاته مع إيران، رغم الضغوط الممارسة عليه".

حسب التقرير، فإن أكثر الخطوات أهمية التي تنفذها إيران، بالتنسيق مع النظام السوري، هي "توطين عائلات شيعية في سورية على حساب السكان السنة"، وأن هذه العملية تُنفذ على ضوء "لقاء مصالح بين نظام الأسد وإيران من أجل تغيير التوازن الديمغرافي في سورية لصالح العلويين والشيعة، والإمكانيات التي نشأت في أعقاب الدمار الواسع إثر الحرب الأهلية واقتلاع ملايين السنة من بيوتهم، وتواجد القوات الإيرانية والميليشيات الشيعية في سورية".

وادعى التقرير أنه "ثمة أهمية خاصة بالنسبة لإيران بنقل سكان شيعة إلى المنطقة الواقعة بين مدينتي دمشق وحمص، من أجل تعزيز السيطرة الإيرانية في غرب سورية، والمناطق التي تقود إلى لبنان، وبذلك يتم بناء جبهة داخلية لحزب الله من الشرق. وانطلاقا من هذا المفهوم، تشجع إيران نقل عائلات شيعية عراقية، وكذلك عائلات مقاتلين في ’حرس الثورة’ والميليشيات الشيعية، وتوطينهم في منطقتي دمشق وشرق سورية، وهي المناطق التي فر منها سكانها السنة. ومن أجل تشجيع زيادة السكان الشيعة في سورية، تمنح إيران المال والغذاء والخدمات العامة والتعليم مجانا لهؤلاء السكان. وقد افتتح الإيرانيون مدارس، لغة التعليم فيها فارسية، ويقدمون منحا لطلاب جامعات، وبينها للدراسة في إيران".

وادعى التقرير أيضا، أن "نظام الأسد ينظر بالإيجاب إلى زيادة السكان الشيعة في سورية. إذ يتوقع أن يدعم هؤلاء النظام في حالات الطوارئ، والهجرة الشيعية يمكن أن تعتبرها إيران على أنها تعويض لها مقابل الدعم الواسع الذي قدمته للأسد خلال محنته. وهناك من يعتقدون أن نظام الأسد يساعد بشكل متعمد الاستيطان الشيعي في سورية بواسطة منع عودة اللاجئين السنة إلى بيوتهم... وفي حال بات حجم الاستيطان الشيعي في سورية كبيرا، فإنه سيعزز قاعدة التأثير الإيرانية، وفي موازاة ذلك مكانة حزب الله، في أجزاء من سورية".    

طرق إمدادات

أشار التقرير إلى أن الوجود الإيراني في سورية يستوجب وجود شبكة طرق محمية من إيران إلى العراق ومنها إلى سورية ولبنان. وحسب التقرير، سيتم فتح معبر حدودي بين سورية والعراق عند مدينة البوكمال، الذي سيشكل نقطة أساسية لمحور يمتد من إيران إلى العراق ومن هناك إلى سورية ولبنان وصولا إلى البحر المتوسط. وادعى التقرير أن هذا المحور "سيسمح بنقل سريع لوحدات قتالية وأسلحة نوعية وغيرها من العتاد والبضائع للقوات الإيرانية والشيعية في سورية، وبالأساس من أجل دعم حزب الله في لبنان. وإيران لم تعترف أبدا أنها تعتزم بناء هذا المحور لأغراض عسكرية".

واعتبر التقرير أن "إسرائيل أثبتت تفوقها الجوي والاستخباري تجاه أهداف إيرانية وشيعية، وأبقت إيران من رد مناسب له. وتفعيل هذا المحور كان محدودا حتى الآن، خاصة بسبب تخوف إيران من ضرب قوات وعتاد من جانب إسرائيل، وخصوصا بعد أن بدأت إسرائيل تضرب أهدافا إيرانية وشيعية في العراق أيضا، منذ الصيف الماضي. وعبور قوافل عسكرية إيرانية من هذا المحور يوفر لإسرائيل فترة وإنذارا أطول من إرسالها عبر الجو".

وأردف التقرير أنه "على ضوء هذه الإشكالية، ينبغي الأخذ بالحسبان أن إيران ستختار ردا رادعا تجاه إسرائيل، بمعنى أن تحاول توجيه ضربة شديدة إلى إسرائيل من أجل ردعها من مواصلة هجماتها الجوية ضد أهداف إيرانية. ولعل نجاح الهجوم ضد منشأتي النفط في السعودية، التي بقيت من دون رد، سيشجع إيران (للعمل) في هذا الاتجاه".

وأشار التقرير إلى "عقبات" أمام إيران، أولها "إصرار إسرائيل على منع استقرار إيران في سورية". ثانيا، "كلما استقر نظام الأسد، تتزايد الخلافات بين روسيا وإيران، ويعض الخلافات يتعلق بجوانب عسكرية واقتصادية للتغلغل الإيراني في سورية". ثالثا، توجد معارضة سورية للتغلغل الإيراني، وخاصة من جانب السنة، ولكن على ما يبدو هناك جهات علوية مؤيدة للنظام التي تتحفظ من تغلغل الإسلام المتطرف الإيراني". رابعا، "توجد معارضة في إيران أيضا لاستثمار الموارد في سورية".

وخلص التقرير إلى أن "إيران ستكون مطالبة بمحاولة بناء قدرات رد جديدة ومؤلمة أكثر على الغارات الإسرائيلية، من أجل ردع إسرائيل من مواصلة هجماتها".  

  

التعليقات