تقرير: واشنطن تتخوف من أن تفاجئها إسرائيل وتهاجم إيران

العنصر الزمني قد يمثّل نقطة الضعف في الإستراتيجية الإسرائيلية لمواجهة المشروع النووي الإيراني، وفيما تتحسس تل أبيب سبل العمل لمواجهة التهديد الإيراني، تخشى واشنطن من أن تتورط بحرب أو مواجهة عسكرية واسعة في الشرق الأوسط.

تقرير: واشنطن تتخوف من أن تفاجئها إسرائيل وتهاجم إيران

(Getty Images)

تخيم حالة من الضبابية على العلاقات الإسرائيلية - الأميركية، وسط نجاح الطرفين، مؤقتا على الأقل، في تجنب الدخول في مواجهة علنية ومباشرة، في ظل الاستياء الأميركي من السياسات التي تتبعها حكومة بنيامين نتنياهو، في ما يتعلق بخطة إضعاف القضاء التي أدت إلى انقسام داخلي في إسرائيل، وكذلك السياسة التي تتبعها تل أبيب تجاه إيران والفلسطينيين.

ويخشى المسؤولون في البيت الأبيض والبنتاغون من أن "تفاجئ الحكومة الإسرائيلية الحالية الولايات المتحدة، وتجرها إلى مواجهة عسكرية في الشرق الأوسط"، بحسب ما نقل المحلل العسكري لصحيفة "يديعوت أحرونوت"، رون بن يشاي، عن مسؤول في المؤسسة الأمنية الإسرائيلية.

وشدد المسؤول الأمني الإسرائيلي على أن "الولايات المتحدة وحلفائها يستثمرون معظم مواردهم في دعم أوكرانيا وفي تصعيد المواجهة ‘الباردة‘ مع الصين"، في إشارة إلى أن إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، غير معنية بأن تتورط في مواجهة عسكرية مع إيران أو تصعيد الأوضاع الأمنية في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967.

وأشار إلى أن المسؤولين في واشنطن يعتبرون أن الوضع في العلاقات مع إسرائيل مشابه لما كان عليه في الفترة بين عامين 2010 و2012 ، "عندما كان باراك أوباما رئيسًا للولايات المتحدة، وكان رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، وزير أمنه، إيهود باراك، يخططان لمهاجمة إيران".

وقال بن يشاي إن ذلك يفسر زيارة أكبر مسؤولين في وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون)، في إشارة إلى رئيس هيئة الأركان المشتركة الأميركية، الجنرال مارك ميلي، ووزير الدفاع الأميركي، لويد أوستن، الذي من المقرر أن يصل إلى إسرائيل يوم الخميس، ليحل ضيفا على وزير الأمن الإسرائيلي، يوآف غالانت.

واعتبر أن التصريحات المختلفة الصادرة عن المسؤولين الأميركيين، تشير إلى أن البيت الأبيض يرى بغالانت شخصية معتدلة وعملية في الحكومة الإسرائيلية الحالية، ويمكن التحدث إليها والتأثير من خلاله على مناقشات مجلس الوزراء الإسرائيلي المصغر للشؤون السياسية والأمنية (الكابينيت).

العنصر الزمني... نقطة الضعف في الإستراتيجية الإسرائيلية

في المقابل، أشار بن يشاي إلى أن غالانت لن يكتفي بالإجابة على تساؤلات الجانب الأميركي حول نوايا إسرائيل بشأن إيران والتنسيق الذي يودون القيام به في هذا الصدد، ومطالبة حكومة نتنياهو بتهدئة الوضع في الضفة الغربية المحتلة، إلا أنه بلور بالمشاركة مع رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، هرتسي هليفي، أجندة خاصة لمواجهة النووي الإيراني ويعتزم الدفع بها خلال المحادثات أوستن.

وكشف المحلل الإسرائيلي أن تقرير الوكالة الدولية للطاقة الذرية الذي أكد أن مراقبي الوكالة رصدوا جزيئات من اليورانيوم المخصب بنسبة 83,7% في منشأة فوردو، والذي نشر في الأسبوع الماضي، "أحدث عاصفة صغيرة في أجهزة الأمن الإسرائيلية"، واستشهد كذلك بتصريحات وكيل وزير الدفاع الأميركي للشؤون السياسية، كولن كال، في جلسة بمجلس النواب الأميركي، بأن إيران قادرة على إنتاج ما يكفي من المواد الانشطارية لصنع قنبلة نووية واحدة "في غضون 12 يوما".

وقال بن يشاي إن المسؤولين في الأجهزة الاستخباراتية الإسرائيلية (شعبة الاستخبارات العسكرية والموساد) لا يصدقون التبريرات التي أوردها رئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية، محمد إسلامي، بأن كمية اليورانيوم الصغيرة المخصبة إلى مستوى قريب لصنع قنبلة نووية نتجت عن "خطأ تقني معروف وشائع في عملية التخصيب".

ويرى المسؤولون الإسرائيليون أن إيران عمدت وخططت لتخصيب كمية من اليورانيوم بنسبة 83.7%، وذلك لتحقيق هدفين، الأول هو جعل المجتمع الدولي يعتاد على فكرة أن إيران تزحف بخطوات صغيرة ولكن بثبات نحو قدرة نووية كاملة، وأنها ستصل إلى هذه القدرة في نهاية المطاف، لأنها لم تتخذ خطوات كبيرة، أو تستفز إسرائيل والغرب وتمنحهم سببًا كافيًا لمهاجمتها.

والهدف الثاني هو بث رسالة تحذيرية للولايات المتحدة والأوروبيين، مفادها أن طهران لن تتردد في زيادة وتيرة الزحف نحو تطوير أسلحة نووية إذا لم ترفع العقوبات القاسية التي فرضها الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب؛ أو إذا فكر الغرب في فرض عقوبات إضافية عليها من خلال مجلس الأمن الدولي، بسبب المساعدة العسكرية المزعومة التي تقدمها إيران لروسيا في حربها في أوكرانيا.

وقال إن طهران تحاول بذلك استغلال "نقطة الضعف" في السياسة الخارجية لإدارة بايدن، التي تظهر رغبة كبيرة في أنها تسعى إلى تجنب التورط في صراع عسكري في الشرق الأوسط بأي ثمن تقريبًا. واعتبر أن تصريحات وزير الخارجية الإيراني، أمير عبد اللهيان، بأنه تلقى رسائل من الأميركيين عبر قناة دبلوماسية بأنهم مهتمون في استئناف المفاوضات بشأن إحياء الاتفاق النووي، قد تدل على ذلك.

ورأى أن إيران تحاول كذلك بث رسائل إلى الجانب الإسرائيلي مفادها أن "طهران ستسرع برنامجها النووي وصولا إلى تخصيب اليورانيوم بنسبة 90% بكميات تسمح لها بتطوير رؤوس حربية نووية قبل أن تكون تل أبيب جاهزة لمهاجمة المنشآت النووية عسكريا أو أن يكون لديها ذريعة تخولها بالهجوم"، وذلك ردا على كل هجوم تستهدف إسرائيل من خلاله المشروع النووي أو البرنامج الصاروخي الإيرانيين، على غرار الهجوم الذي استهدف مصنعا عسكريا قرب مدينة أصفهان، نهاية كانون الثاني/ يناير الماضي.

وشدد على أن "البعد الزمني هو العنصر الحاسم الذي قد يعرقل ‘خطة العمل الأمنية‘ الإسرائيلية - الأميركية، التي صممت لمنع إيران من حيازة أسلحة نووية نتيجة كشف الوكالة الدولية للطاقة الذرية"، مشيرا إلى أن إسرائيل بحاجة إلى أكثر من عام لاستكمال الاستعدادات العسكرية التي تخولها بشن هجوم كبير في إيران والشروع في حرب على جبهات متعددة ستتطور في أعقاب هذا الهجوم.

"الاستيقاظ على إيران نووية"

وأوضح أن التقييم في إسرائيل هو أنه "يتعين تقصير هذا الجدول الزمني بنسبة كبيرة"، وأوضح أن هذا التقييم تولّد في ظل مخاوف الأوساط الاستخباراتية في إسرائيل والولايات المتحدة من عدم الإطلاع حقيقة على ما يحدث في إيران، وما حققته طهران في مجال تطوير آلية لصنع الأسلحة النووية، وأنها قد تفاجئ الجميع في هذا الصدد".

وقال إن الشك بشأن الوقت الذي سيستغرقه المهندسون الإيرانيون لتطوير قنبلة نووية مرتبط بالتحكم والتسارع الكبير الذي حققته إيران في تقنية تخصيب المواد الانشطارية في ظل امتلاكها لأجهزة طرد مركزي متطورة تعمل بالفعل في منشأة فوردو.

ولفت إلى مخاوف متصاعدة من أن "يستيقظ الإسرائيليون فجأة ويكتشفوا أن إيران على وشك إجراء تجربة برأس نووي أو فعلت ذلك بالفعل، تمامًا كما حصل مع كوريا الشمالية. في مثل هذا الوضع، لن يكون أمام إسرائيل والأميركيين خيار سوى تقبل الواقع وتعلم العيش في ظل النووي الإيراني".

وفي هذا السياق، أشار إلى أن التعاون التكنولوجي المتزايد بين روسيا وإيران يزيد من حدة المخاوف في الأوساط الأمنية الإسرائيلية والأميركية، وذلك في ظل التقارير حول توجه طهران بطلب إلى روسيا للحصول على منظومة الدفاع الجوي الروسية الأكثر تطورا "إس 400" الفعالة للغاية لاعتراض الطائرات والصواريخ التي يصل مداها إلى أكثر من 400 كيلومتر، والحصول كذلك على مقاتلات "سوخوي 35".

وقال إن "التهديد الرئيسي من وجهة نظر إسرائيلية وأميركية هو التعاون الروسي الإيراني الذي يحدث بالفعل في تطوير طائرات مسيرة انتحارية هجومية عالية الدقة، وربما أيضًا في تطوير صواريخ باليستية برأس حربي مناور أو صواريخ تفوق سرعتها سرعة الصوت"، وهما صاروخان دقيقان للغاية وقادران على اختراق أنظمة الدفاع الجوي الإسرائيلية.

ما الذي تسعى واشنطن وتل أبيب إلى إنجازه؟

وبحسب بن يشاي، فإن اللقاءات الأميركية الإسرائيلية التي تعقد مؤخرا على المستويات العسكرية والأمنية والسياسية الرفيعة، تسعى إلى وضع خطط مشتركة لردع إيران عن تخصيب اليورانيوم بنسبة 90% بكمية تكفي لصنع قنبلة نووية واحدة أو أكثر، فيما ترى إسرائيل أن التهديد العسكري الإسرائيلي - الأميركي الجدي وعقوبات إضافية قاسية ستردع الإيرانيين في هذا السياق.

وفيما يرى الجانب الأميركي أن إسرائيل "دولة ذات سيادة" تستطيع التصرف بحسب ما تراه مناسبا لمواجهة النووي الإيراني، إلا أنها تطالب إسرائيل بالتنسيق الكامل وأن يكون القرار مشتركا لأن واشطن "ستضطر إلى المشاركة في الحرب التي قد تندلع، لأن الجنود الأميركيين المتمركزين في الشرق الأوسط سيكونون في خطر إذا هاجمت إسرائيل إيران بشكل غير متوقع".

كما تسعى تل أبيب في هذه اللقاءات، للضغط على واشنطن ومطالبتها بالعمل مع الجانب الأوروبي من خلال الأمم المتحدة، لفرض المزيد من العقوبات على إيران في إطار مجلس الأمن أو خارجه، لإجبار طهران على خفض المساعدات العسكرية لروسيا.

التعليقات