هل فشل المشروع الاستيطاني على إثر "هجرة سلبية"؟

التزايد السكاني في المستوطنات نابع من التكاثر الطبيعي بين الحريديين، حيث مستوطنتي "موديعين عيليت" وبيتار عيليت" تشكلان ثلث المستوطنين، وميزان الهجرة سلبيا فيهما أيضا، والقدس ستفقر أكثر وأغلبية سكانها ليسوا صهاينة

هل فشل المشروع الاستيطاني على إثر

مستوطنة "بيتار عيليت" (Getty Images)

يبلغ عدد المستوطنين في الضفة الغربية المحتلة قرابة 475 ألفا، وفق معطيات دائرة الإحصاء المركزية الإسرائيلية للعام 2022 الفائت، ويقطنون في 126 مستوطنة و135 بؤرة استيطانية عشوائية بينها عشرات المزارع الفردية.

وتفيد المعطيات بأن نسبة النمو السكاني بين المستوطنين 2.4%، وهو أعلى بقليل منه داخل إسرائيل (ضمن حدود حزيران/يونيو 1967)، حيث النسبة 2.2%. وازداد عدد المستوطنين بـ11,247، العام الماضي، وهذه هي الزيادة الأدنى لعدد المستوطنين منذ 12 عاما، باستثناء العام 2020 عندما ازداد عددهم 11,017. ووفقا لهذه المعطيات، فإن النمو السكاني في المستوطنات موجود "في حضيض غير مسبوق"، حسبما ذكر تقرير في صحيفة "هآرتس"، نهاية الأسبوع الماضي.

سجل العام 2020 ميزان هجرة سلبي في المستوطنات، فقد كان عدد الذين انتقلوا من المستوطنات للسكن في إسرائيل أكثر من الذين انتقلوا للسكن في المستوطنات بـ842 شخصا. وفي العام 2021، انتقل من إسرائيل إلى مستوطنات 74 شخصا أكثر من الذين غادروا المستوطنات وانتقلوا إلى إسرائيل. وفي العام 2022، عاد ميزان الهجرة السلبية حيث كان عدد الذين غادروا المستوطنات أكثر من الذين انتقلوا إليها بـ1022 شخصا. وتظهر المعطيات أن أكثر من 80% من الذين جاؤوا للسكن في المستوطنات في هذا العام هم مهاجرون وصلوا إلى إسرائيل من روسيا وأوكرانيا في أعقاب الحرب في أوكرانيا، ما أدى إلى ميزان هجرة إيجابي بفارق 278 شخصا.

ويتبين من تحليل المعطيات الديمغرافية في المستوطنات في العقد الأخير، أن في نصفه الأول ساهم ميزان الهجرة العام برُبع النمو السكاني في المستوطنات، بينما في نصفه الثاني ساهم ميزان الهجرة بنمو سكاني يقل عن 10%، وبـ2.2% في العام الماضي. ويعني ذلك أن النمو السكاني في المستوطنات يعتمد على النمو الطبيعي.

مسيرة المستوطنين إلى البؤرة الاستيطانية العشوائية "إياتار"، أول من أمس (أ.ب.)

وتشير المعطيات إلى أن 47% من مجمل النمو الطبيعي في المستوطنات مصدره المستوطنتين الحريديتين "موديعين عيليت"، التي تزايد عدد المستوطنين فيها بـ3239، و"بيتار عيليت" بزيادة 2538. ويسكن في هاتين المستوطنتين ثُلث المستوطنين في الضفة. واعتبرت الصحيفة أن هذه المعطيات تعني أن "المشروع الاستيطاني يواجه صعوبة في الحفاظ على مستوطنيه ويتميز بهجرة سلبية، من المستوطنات الأيديلوجية ومستوطنات جودة الحياة معا". إلا أن هذا الوضع لا يُعبر عنه في المعطيات بوضوح، بسبب نسبة الولادة المرتفعة بين الحريديين التي تُخفي الواقع.

وسيشكل الحريديون نصف عدد المستوطنين في الضفة الغربية بعد عشر سنوات في حال استمرار وضع النمو السكاني الحالي. وستكون نسبة المستوطنين العلمانيين أقل من 15%، وباقي المستوطنين من التيارات الدينية القومية.

ولفتت الصحيفة إلى أنه توجد لواقع كهذا تبعات اقتصادية، لأن المستوطنات الحريدية فقيرة وفي المرتبة الدنيا في السلم الاجتماعي الاقتصادي لدائرة الإحصاء المركزية. وسيشكلون عبئا ثقيلا على دافع الضرائب في إسرائيل، وفيما لا توجد آفاق لتغير هذا الوضع بسبب عدم وجود مصادر تشغيل للمستوطنين في الضفة الغربية. إذ أن 60% من قوة العمل في المستوطنات يعملون في إسرائيل، ومعظم الباقين يعملون في وظائف في السلطات المحلية في المستوطنات.

ويمارس مجلس المستوطنات التضليل بادعائه أن هذا الوضع سببه عدم المصادقة على تصاريح بناء وتوسيع المستوطنات. إلا أن الواقع، وفقا للصحيفة، هو أنه خلال السنوات الخمس الأخيرة، تم تنفيذ أعمال بناء أكثر بعشرات النسب المئوية مقارنة بالسنوات الخمس التي سبقتها.

ومنذ العام 2021، تحولت مستوطنة "أريئيل" إلى المستوطنة الرابعة من حيث كبرها، بيعد المستوطنتين المذكورتين أعلاه ومستوطنة "غفعات زئيف"، بسبب ميزان هجرة سلبي منها، "وبالرغم من أن مئات العرب مسجلين كسكان فيها". كذلك كان ميزان الهجرة سلبيا في مستوطنة "معاليه أدوميم" بالرغم من نقل السلطات الإسرائيلية عددا كبيرا من المهاجرين الجدد إليها.

كذلك شهدت المستوطنتين الأكبر ميزان هجرة سلبي: عام 2020 كان عدد المستوطنين الذين غادروا "موديعين عيليت" أكثر من الذين انتقلوا إليها بـ758، و452 في العام 2021، و867 في العام 2022. وعدد الذين غادروا "بيتار عيليت" في العام 2020 كان 1752، و158 في العام 2021، و419 في العام 2022. والزيادة السكانية في هاتين المستوطنتين نجم عن التكاثر الطبيعي لدى مستوطنيها الحريديين.

أحياء الحريديين الفقيرة في القدس (Getty Images)

واستنتجت الصحيفة أن هذا الوضع يعني أن المستوطنات "لم تعد جذابة"، بالرغم من الامتيازات التي تمنح للمستوطنين. "وإذا كان يأمل أحد أن المستوطنات ستغير الميزان الديمغرافي في الضفة، فإن أمله سيخيب". فنسبة المستوطنين حاليا هي 13.5%، ونسبة المستوطنين في المنطقة من نابلس شمالا ومن الكتلة الاستيطانية "غوش عتصيون" جنوبا هي أقل من 4%، بينما 75% من المستوطنين يتركزون في "غلاف القدس".

وتسعى الحكومة الإسرائيلية الحالية إلى تكثيف الاستيطان في القدس والمناطق المحيطة بها، بهدف قطع التواصل الجغرافي الفلسطيني في الضفة ومنع إمكانية قيام دولة فلسطينية. وحسب المخططات الإسرائيلية، فإنه ستقام مستوطنة جديدة في مطار قلنديا بشمال القدس المحتلة وفيها 9 آلاف وحدة سكنية؛ إقامة مستوطنة جديدة باسم "غفعات همتوس" قرب بيت صفافا في جنوب القدس تشمل 2610 وحدات سكنية؛ وإلى جانبها مستوطنات جديدة أخرى، مع 1446 وحدة سكنية، وتوسيع مستوطنة "هار حوما" بـ539 وحدة سكنية، ومستوطنة باسم "غفعات هشاكيد" مع 473 وحدة سكنية، ومستوطنة في المنطقة E1 شرقي القدس الشرقية مع 3412 وحدة سكنية، ومستوطنة "غفعات عيطام" مع 2500 وحدة سكنية. وصادقت "الإدارة المدنية" مؤخرا على بناء مئات الوحدات السكنية الأخرى في "غلاف القدس" المحتلة. ويصل إجمالي عدد الوحدات السكنية هذه إلى أكثر من 22 ألفا.

وأشارت الصحيفة إلى أن ذلك يعني إضافة أكثر من 140 ألف مستوطن في القدس المحتلة، معظمهم من الحريديين. وتهدف إقامة هذه المستوطنات إلى قلب الواقع المتمثل بميزان هجرة يهودي سلبي في القدس.

إلا أن الصحيفة اعتبرت أن لتطور كهذا عواقب اقتصادية. فقد تدهورت القدس إلى المرتبة الثانية الدنيا في السلم الاجتماعي – الاقتصادي، خاصة بسبب نسبة الحريديين المتزايدة فيها، وقد تتراجع المدينة أكثر إلى أسفل السلم الاجتماعي الاقتصادي.

وأضافت الصحيفة أنه "يتطور وضع ينطوي على تناقض، فيه معظم سكان عاصمة إسرائيل ينفون الصهيونية. وستكون مدينة فقيرة وغير صهيونية، ونصف سكانها (أي الفلسطينيين) ليسوا مواطنين، وستواجه مصاعب كي تكون عاصمة إسرائيل".

وبحسب الصحيفة، فإن "المشروع الاستيطاني هو فشل للصهيونية من كافة النواحي. ويشكل خطرا على الأغلبية اليهودية في إسرائيل وعلى الديمقراطية، وهو ينهار أيضا. والمستوطنات فاشلة، ولا تصمد اقتصاديا، ونصف سكانها هم حريديون، وهي عبء على دولة إسرائيل. والمستوطنات تصمد الآن فقط بفضل دعم اقتصادي مكثف من الدولة، وحتى هذا ليس كافيا من أجل منع هروب سكانها".

التعليقات