غروسمان: إسرائيل ستكون مختلفة لدرجة يصعب علي العيش فيها

لأجل توطيد سلطة الاحتلال، كما يقول، "يجب تهميش إنسانية الفلسطينيين ومصادرة آدميتهم، وإلا كيف يمكن أن نعيش في واقع يتم فيه اعتقال طفل، ونقتحم بيته في منتصف الليل، ونحتجزه ساعات على الحاجز؟

غروسمان: إسرائيل ستكون مختلفة لدرجة يصعب علي العيش فيها

(أ ف ب)

بعد 30 عاما على صدور كتابه 'الزمن الأصفر' الذي تنبأ فيه بنشوب الانتفاضة الأولى، ووقعت بعد أشهر فقط، يبدو الكاتب الإسرائيلي دافيد غروسمان أكثر تشاؤما، ويقول في مقابلة أجرتها معه 'يديعوت أحرونوت' هذا الأسبوع، إن 'إسرائيل ستكون مختلفة إلى درجة يصعب علي استمرار العيش فيها'.

وفي إشارة إلى التغيرات التي حدثت خلال الـ 30 عاما الماضية يقول غروسمان، عام 1987 كان عدد المستوطنين 100 ألف نسمة، بينما يبلغ عددهم اليوم 480 الف نسمة، وقد نجحوا في خلق واقع يصعب معه رسم خط حدودي يفصل بين إسرائيل والفلسطينيين، الأمر الذي يضع من يريد دولة ديمقراطية ووطنا قوميا أمام خيار مأساوي، وبهذا المعنى فإنهم 'ينتجون خطرا يهدد مستقبل دولة إسرائيل ويجروننا نحو الهاوية'.

ويضيف صاحب 'الزمن الأصفر'، أن ما فعلته المستوطنات هو نقل علامة السؤال التي كانت تحوم فوقها إلى الجميع. الآن يقع وجود إسرائيل كلها تحت علامة سؤال. هناك علامة سؤال على وجودها الذي تتزعزع شرعيته أمام دول العالم، و'دولة إسرائيل الديمقراطية وبيت الشعب اليهودي ستكون مختلفة تماما عما أردت أن تكون، حتى أنه من الصعب علي العيش فيها'.

وفيما إذا كان فقدانه لابنه في حرب لبنان الثانية قد أثر في مواقفه، يقول إنه رغم غضبه على الحرب وعلى حزب الله ونصر الله فإن مواقفه بقيت ثابتة تجاه الانسحاب من لبنان في حينه ومن المناطق العربية والفلسطينية الأخرى، وإنه لا يريد العيش في مكان آخر، لكنه يشعر أن جدران 'البيت القومي' تتحرك، وشعور الأمان الذي يمنحه البيت يتهدده الخطر.

لكنه يستدرك قائلا: 'يوجد أناس يشعرون الآن فقط أنهم في البيت، هؤلاء هم المتدينون الوطنيون (الصهيونية الدينية) الذين شعروا سابقا بالإقصاء'. وهو يستغرب عدم شعور الطرفين بأنهم في بيتهم، رغم أن ذلك هو هدف الصهيونية.

ويستغرب غروسمان من 'عبقرية' نتنياهو التي تستطيع خلط الأخطار الحقيقية بأصداء الصدمة التي مر بها اليهود سابقا، في حين 'نقف نحن لا حول لنا ولا قوة، ورغم قدرة رؤساء حكومات إسرائيل السابقين في هذا المجال، ولكن لم يبلغ أي منهم بالمؤامرة إلى ذروة كالتي بلغها نتنياهو'، مشيرا إلى وجود مخرج له في الزاوية المظلمة التي تكمن فيها تخوفات مصر والأردن والسعودية من داعش ومن إيران بحيث أصبحت هذه الزاوية هي المنظار الذي يرى منه العالم.

 وعن قدرة الاحتلال النجاة مدة 50 عاما، يقول إن إسرائيل تحقق إنجازا لا يصدق، احتلال بدون شعب محتل، الإسرائيلي المتوسط لا يرى الاحتلال تقريبا، إنه لا يسافر، وإذا فعل، فبواسطة طرق التفافية تتجاوز مناطق 'أ'، ولا يرى فيها فلسطينيين. هناك إحساس بنجاح الاحتلال في أوساط اليمين ومثلما نجحت إسرائيل في إحداث العجائب في مجالات أخرى، بعكس المنطق والطبيعة فإنها تنجح في تدعيم الاحتلال كشيء شرعي.

أما عن قدرة الإسرائيليين على التعايش مع هذا الواقع مدة نصف قرن من الزمن، فيقول إن 'المبدأ الديمقراطي يتأسس على المساواة بين الناس، وإذا ما استطعت أن تبقي الآخرين تحت احتلالك 50 عاما بشكل فعال، حتى أنك لا تشعر بذلك تقريبا، فإنك تبدأ بالاقتناع بأنك إنسان أفضل منهم، وإنك تقع في مرتبة أعلى منهم في السلم الإنساني. وفي اللحظة التي تعطي فيها شرعية لهذا الشعور، فإن ذلك لن يتوقف عند الفلسطينيين'.

وهو يرى في قضية إليئور أزاريا مؤشرا لهذا المرض، فلأجل توطيد سلطة الاحتلال، كما يقول، 'يجب تهميش إنسانية الفلسطينيين ومصادرة آدميتهم، وإلا كيف يمكن أن نعيش في واقع يتم فيه اعتقال طفل، ونقتحم بيته في منتصف الليل، ونحتجزه ساعات على الحاجز؟ إذا لم نهمش إنسانيته فإن واقعه الصعب والمؤلم يبدأ بمضايقتنا، ولذلك نهمش شعبا كاملا'.

التعليقات