الباقورة والغمر: إسرائيل حصلت على مناطق أوسع باتفاقية وادي عربة

مسؤول إسرائيلي: "أعددنا اقتراحا نهائيا مع تسوية تطرقت إلى المواضيع المركزية: الحدود والمياه. وكنا نعلم أنه إذا لم نفعل ذلك، فإن الأراضي الزراعية لمستوطنات الغور ستضطر إلى الانسحاب إلى الحدود الدولية، وسيلحق بها ضررا جسيما"

الباقورة والغمر: إسرائيل حصلت على مناطق أوسع باتفاقية وادي عربة

الملك حسين ورابين يتوسطهما كلينتون أثناء توقيع اتفاقية وادي عربة عام 1994 (أ.ب.)

تولي إسرائيل أهمية بالغة للأردن، وتوصف اتفاقية السلام بين الجانبين بأنها إستراتيجية، لكن هذا لم يمنع تراجع مستوى العلاقات بينهما، على الصعيد العلني، ما أدى حاليا إلى بروز أزمة في أعقاب إعلان الأردن عن رغبته باستعادة منطقتي الباقورة والغمر وعدم تمديد فترة تأجيرهما لإسرائيل. وتعلن إسرائيل إنه تجري مفاوضات حول المنطقتين في هذه الأثناء، وما زال مصير اتفاق جديد بشأنهما غير معروف. ويؤكد مسؤولون إسرائيليون، شاركوا في المفاوضات حول اتفاقية السلام الموقعة في العام 1994، أن استمرار الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، يؤثر بشكل كبير على العلاقات بين إسرائيل والأردن.

أحد هؤلاء المسؤولين هو شمعون شيبيس، مدير عام مكتب رئيس الحكومة الإسرائيلية، يتسحاق رابين، الذي وقع اتفاقية السلام مع الملك حسين، في حينه. وتطرق شيبيس، في تقرير نشرته صحيفة "معاريف" اليوم، الأحد، إلى أهمية السلام مع الأردن، وقال إنه "يجعل وضعنا مستقرا في الجبهة الشرقية. تخيّل أنه لم يكن هناك اتفاقا، وأنهم (الأردنيون) عززوا العلاقة مع العراق. وحقيقة هي أننا تورطنا هناك عدة مرات، مثل حالة (محاولة اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس حينذاك) خالد مشعل. ولو لم تكن العلاقات جيدة مع (الملك) حسين، لكان بالإمكان بسهولة إنهاء العلاقات".

وأضاف شيبيس أنه "برأيي، لو كانت العلاقات مع الفلسطينيين دافئة أكثر اليوم، لتم حل مشكلة المناطق التي حصلنا عليها في الباقورة والغمر. وكان الملك عبد الله الثاني سيوافق بسهولة على التمديد لـ25 سنة أخرى".

وأشار المستشار القضائي الأسبق للحكومة الإسرائيلية، إليكيم روبنشطاين، إلى أن "نية رابين والملك كانت أن اتفاقية الاستئجار ستستمر أوتوماتيكيا. فهذا مكتوب في الاتفاقية. ورغم أن من حق الجانبين الإعلان عن إلغاء الاتفاقية قبل عام من انتهائها، وهذا ما فعله الأردنيون، لكن نية الجانبين أثناء توقيع الاتفاقية كانت بشكل واضح الاستمرار بها. وكلمة ’أوتوماتيكي’ في الاتفاقية كانت قوية وغير مألوفة. وكنت ضالع شخصيا في هذه العملية، ولذلك يؤسفني وما زلت أصلي أن يتوصل الجانبان إلى تسوية".

وأشار المسؤول في جهاز الموساد، أفرايم هليفي، الذي أصبح رئيسا للموساد في العام 1998، إلى العلاقات بين إسرائيل والأردن، قبل توقيع اتفاقية السلام. وقال إنه "في آذار/مارس 1990 تم دعوتي إلى لقاء تقني في لندن مع أحد مساعدي الملك،  وفي منزله القريب جدا من السفارة الإسرائيلية. جلسنا وتحدثنا، وفجأة فُتح الباب ودخل الملك. جلس وبدأ يتحدث، ومساعده غادر الغرفة، وبقينا لوحدنا أنا والملك. ودار الحديث حول أمور جوهرية، تناولت كل شيء. بعد ذلك أصبحت حلقة الوصل. وقبيل حرب الخليج الأولى، في العام 1991، نظمت لقاء سريا بين الملك ورئيس الحكومة، يتسحاق شمير. كنت أمين سرهما. وبعد تعيين رابين رئيسا للحكومة، بقيت في المنصب نفسه، وتبادلا رسائل من خلالي".

ووفقا لهليفي، فإن أمرين دفعا باتجاه اتفاقية السلام بين الأردن وإسرائيل. "اتفاق أوسلو (عام 1993) الذي فاجأ حسين. فهو لم يعلم بالخطوات التي قادت إليه. وأنا أيضا لم أعلم بها. وهذا مسّ بالملك... إضافة إلى ذلك، فإن حسين لم يقف إلى جانب الدول التي حاربت صدام حسين في حرب الخليج الأولى. لقد جلس على الجدار بسبب علاقاته الممتازة مع العراقيين. والأميركيون غضبوا وفرضوا إغلاق بحريا على الأردن. وهذه العزلة دفعت الأردن والملك إلى البدء بالتفكير بأنه حان الوقت للتوصل إلى علاقات سياسية مع إسرائيل".

وأضاف هليفي إنه دُعي إلى زيارة خاصة مع زوجته في القصر الملكي، في نيسان/أبريل 1994. "لقد قضينا هناك عدة أيام كضيوف. وفي نهاية الزيارة، فاجأني الملك وقال إنه يريد المبادرة إلى خطوة باتجاهنا. ودخل في التفاصيل. وعدت إلى البلاد عشية يوم الاستقلال حاملا البشرى، لكن في صبيحة اليوم نفسه وقعت عملية تفجيرية في الخضيرة، وقررت تأجيل إبلاغ رابين برسالة الملك. وعقد رابين وشمعون بيرس مؤتمرا صحفيا ونددا بالأردن بشدة. وبعد المؤتمر الصحفي أبلغت رابين باقتراح الحسين. فسألني: ’لماذا لم تقل مسبقا؟’ ولم ينتظر ردا مني، وقد فهم الأمر وأصدر تصحيحا لتصريحاته في المؤتمر الصحفي. ولم يعلم الملك ببيان التنديد أثناء إصداره. لقد كان في فيينا، وقد علم بالتنديد والتصحيح معا. وكان بالإمكان الشعور بالراحة بعد الرسالة التي تلقيتها منه".   

مستوطنات مقابل أزمة مياه

أحد الذين عملوا في الطاقم الإسرائيلي برئاسة روبنشطاين هو ضابط الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية، دافيد شيتنر، وكان يركز مجموعة المياه، برئاسة نوح كنيرتي. وقال شتنر إنه "كنا نعلم أنه لا يوجد مياه في الأردن. وقد جاؤوا إلى محادثات سلام لأنهم كانوا بحاجة للمياه من أجل العيش. وأدركوا أن أملهم الحقيق يأتي من إسرائيل، لأنه ممن سيحصلون عليها، من السعودية؟ وقمنا بجمع معطيات ووضعنا توقعات، بأنه العام 2005 لن تبقى مياه في الأردن".

بدوره، قال شيبيس إن "رابين والملك التقوا خلال محادثات مسبقة، وسرية، ومن دون علم الجمهور. وأذكر لقاء حاسما، شارك فيه عن الجانب الأردني الملك والأمير ورئيس الوزراء والمسؤول عن المياه، وعن الجانب الإسرائيلي كان رابين وبيرس وفدا كاملا. جلسنا طوال الليل وكانت هناك نقاشات".

واستمرت هذه المفوضات أياما طويلة دون التوصل إلى تفاهمات، وتبين أن الجانب الإسرائيلي أراد رسم حدود تستند إلى ضم أراض من الأردن، حسب خريطة الحدود التي رسمها الانتداب البريطاني. وقال شتنر إنه "أعددنا اقتراح نهائي مع تسوية تطرقت إلى المواضيع المركزية: الحدود والمياه. وكنا نعلم أنه إذا لم نفعل ذلك، فإن الأراضي الزراعية لمستوطنات الغور ستضطر إلى الانسحاب إلى الحدود الدولية، وسيلحق بها ضررا جسيما".

وأضاف أنه "رصدنا مناطق في الغور التي بالإمكان إعطائها للأردن مقابل مناطق تبقى بأيدينا. وكان الاقتراح ألا تكون الحدود مستقيمة وإنما متعرجة، بحيث تحيط أراضينا في الأردن، ولكن في المقابل تدخل قليلا إلى إسرائيل وتعطيهم مناطق بديلة. وقررنا أن تكون نسبة (التبادل) 1:1، دونم مقابل دونم، من دون أخذ جودة الأرض بالحسبان" وفي النهاية تمت الموافقة على هذا الاقتراح.

وقال القائم بأعمال رئيس لجنة الحدود الإسرائيلية، حاييم سرفيرو، إن "تم الاتفاق على كل شيء باستثناء الباقورة والغمر. والباقورة كانت قصة أخرى. فهي تقع شرقي نهر الأردن، والأردنيون قدموا شكاوى للأمم المتحدة طوال الوقت (أثناء احتلال إسرائيل لها). والمزارعون (الإسرائيليون) استمروا بزراعتها رغم الاحتجاجات الأردنية. وفي اتفاقية السلام صنع الأردنيون جميلا بموافقتهم على تُعرّف هذه المنطقة أنها تحت السيادة الأردنية وباستخدام إسرائيلي. ليس إجارا. لا ندفع شيئا بالمقابل. واتفق على أن هذه الوضعية تستمر 25 عاما".

وأضاف أن "الغمر كانت حالة خاصة لأنها منطقة صغيرة وتبدو كإصبع في العين. والقسم الشرقي منها يقع على بعد كيلومتر عن شارع الغور الأردني و6.5 كيلومترات من شارعنا في الغور. وتبين أنه إذا أردنا هذه المنطقة سنضطر إلى إعطاء الأردن منطقة أكبر بعشر مرات داخل أرض إسرائيل. ولأنه تم الاتفاق على مسألة الباقورة، قلنا أننا سنطبق الفكرة نفسها في الغمر".

وفيما تحاول إسرائيل، الآن، البقاء في الباقورة والغمر، من خلال تمديد فترة استئجارهما، إلا أنها حصلت من خلال اتفاقية السلام مع الأردن، عام 1994، على أراض واسعة لصالح مستوطناتها في الأغوار، بواسطة إعادة ترسيم الحدود، بأن تكون متعرجة، فيما لا تزال أزمة المياه في الأردن مستفحلة.         

التعليقات