تحليلات: اختلاف وجهات النظر حيال غزة بين العسكريين والسياسيين الإسرائيليين

الجيش الإسرائيلي يوصي "بمعادلة جديدة"، بعد وقف إطلاق النار، بموجبها ترد إسرائيل بشدة على أي قذيفة صاروخية، بالون حارق أو مظاهرة عند الحدود مع غزة. إلا أن "نتنياهو استعرض في الماضي معادلة كهذه، لكنه لم يطبقها"

تحليلات: اختلاف وجهات النظر حيال غزة بين العسكريين والسياسيين الإسرائيليين

كوخافي يصافح نتنياهو خلال المؤتمر الصحافي، أول من أمس (مكتب الصحافة الحكومي)

يتبين من مقالات المحللين العسكريين المنشورة في الصحف الإسرائيلية، اليوم الأحد، التي تستند إلى مصادر عسكرية، أن وجهة الجيش الإسرائيلي نحو تصعيد في قطاع غزة، رغم وقف إطلاق النار الذي بدأ أول من أمس، الجمعة. ورغم ذلك، فإنه يتعين على الحكومة الإسرائيلية أن تصادق على توصيات الجيش، وليس واضحا إذا كانت ستفعل ذلك بعد تضرر صورة إسرائيل في العالم، وخاصة الموقف الأميركي الذي طالب بوقف إطلاق النار، في أعقاب مشاهد الدمار والقتل الذي خلّفه عدوانها الأخير على غزة.

وحسب المراسل العسكري لصحيفة "يديعوت أحرونوت"، يوسي يهوشواع، فإن رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، أفيف كوخافي، سيوصي أمام المستوى السياسي "بشن هجمات شديدة ردا على أي إطلاق نار، إطلاق قذائف صاروخية أو بالون متفجر" من قطاع غزة، بادعاء أنه بذلك "يغير المعادلة التي كانت موجودة حتى اليوم، التي من خلالها احتوى الجيش الإسرائيلي العمليات الإرهابية. وهذه السياسة من شأنها استدراج رد فعل آخر من غزة، ولذلك أوعز كوخافي لهيئة الأركان العامة بالاستعداد لجولة قتال أخرى، لعدة أيام، مقابل حماس، التي قد تبدأ بعد أول قذيفة صاروخية يتم إطلاقها".

وأضاف يهوشواع أن توصيات الجيش تشمل "عدم إدخال المال القطري (المنحة المالية التي تقدمها قطر إلى سكان القطاع) بشكل مباشر إلى حماس وإنما إلى السلطة الفلسطينية، عن طريق نظام خاص ينقله إلى المواطنين مباشرة"، بادعاء أن "حماس استخدمت هذا المال من أجل بناء قدرات جديدة مثل قذائف صاروخية، طائرات مسيرة، أنفاق وكوماندوز بحري. ويدركون في الجيش أنه لا مفر من منع ذلك، حتى لو كان الثمن تبادل ضربات بشكل دائم".

وبحسب يهوشواع، فإن هذه التوصيات ستجعل رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، يواجه صعوبة في مواصلة "سياسة الاحتواء والتهدئة وبنقل المال عن طريق السلطة الفلسطينية. كما أن هذه التوصيات تتناقض مع توجه نتنياهو بإضعاف السلطة وتعزيز قوة حماس".

من جانبه، نقل محلل الشؤون الاستخباراتية في الصحيفة نفسها، رونين بيرغمان، عن مصادر في الجيش الإسرائيلي قولها إن "ستستغرق حماس سنة أو سنة ونصف السنة من أجل إعادة بناء قدرتها لصنع أسلحة، ولذلك ليس لديها القدرة على خوض جولة قتالية كهذه قريبا، الأمر الذي سيؤثر على عملية صناعة القرارات، وتحدي إسرائيل".

السنوار خرج إلى شوارع غزة، أمس (أ.ب.)

وأشار بيرغمان إلى أن حماس سجلت "إنجازا واحدا يصعب جدا قياسه، وهو إعادة الموضوع الفلسطيني مجددا إلى الأجندة العالمية، وتوجيه ضربة شديدة إلى صورة إسرائيل، ولليهود عماما أيضا، في العالم. وستستغرق إسرائيل سنوات كثيرة من أجل إصلاح هذا الضرر".

وفي حال حدوث تصعيد مجددا، كالذي يوصي الجيش الإسرائيلي برد شديد عليه، بعد إطلاق قذيفة صاروخية أو بالون حارق أو مظاهرة عند السياج الأمني المحيط بالقطاع، شكك بيرغمان بأن يصادق المستوى السياسي على توصيات كهذه. وكتب: "هل سيصادق رئيس الحكومة، نتنياهو أو أحد آخر، على خطوة كهذه بعد أربعة أشهر؟ ليس مؤكدا أبدا".

غليان في القدس

صرح نتنياهو، خلال المؤتمر الصحافي، أول من أمس، بأن إسرائيل سترد بقوة شديدة على أي إطلاق نار "ولن تتحمل تقطير قذائف صاروخية". لكن المحلل العسكري في صحيفة "هآرتس"، عاموس هرئيل، أشار إلى أن "نتنياهو استعرض في الماضي معادلة كهذه، لكنه لم يطبقها".

وبحسب هرئيل، فإن شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية (أمان)، كانت تصف رئيس المكتب السياسي لحماس في قطاع غزة، يحي السنوار، بأنه مر بعملية اعتدال سياسي في السنوات الأخيرة. واعتبر أنه في الفترة ما بين إعادة انتخابه رئيسا للحركة، في بداية آذار/مارس الماضي وإعلان الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، عن إلغاء الانتخابات التشريعية، في نهاية نيسان/أبريل، "وُلد الخط الجديد للسنوار".

وأضاف هرئيل أن "السنوار، وفقا لأمان، دخل حالة شبه خلاصية وأقنع نفسه بأنه صلاح الدين جديد. وهكذا أدار المعركة ضد إسرائيل". وحسب هرئيل، فإنه "في أمان يقللون من أهمية (قائد كتائب القسام) محمد الضيف في عملية اتخاذ القرارات، رغم التهديد النادر الذي أطلقه عشية إطلاق القذائف الصاروخية على القدس".

وتابع أن أقوال نتنياهو ووزير الأمن، بيني غانتس، وقادة الجيش بأن قادة حماس سيصدمون من مشاهد الدمار "تبدو كأنها أمنية. والقوة العسكرية التي مارستها إسرائيل ستكون عاملا لاجما، لكنها لن تكسر روح التنظيم المتعصب، الذي يخوض ضدنا معركة أيديولوجية مليئة بالضحايا طوال عقود".

وأشار هرئيل إلى "وجود وضع خطير تتطلع حماس إليه. وتكمن فيه تكتل الجبهات – غزة، الضفة، القدس، داخل إسرائيل – في معركة واحدة، متواصلة، على غرار الانتفاضة الثانية. ولوحظ احتمال كهذا في الأسابيع الأخيرة، ويترسخ أكثر إثر وضع السلطة الفلسطينية الحساس. وأثناء المواجهة في غزة، سحب عباس قواته الأمنية في الضفة، وقلص التنسيق الأمني وسمح بمظاهرات كبيرة، إلى جانب خروج مخربين لمحاولات تنفيذ عمليات".

ولفت هرئيل إلى خلافات داخل جهاز الأمن الإسرائيلي حيال حماس، وأن رئيس الشاباك، ناداف أرغمان، "شكك طوال سنين بادعاء أمان بأن السنوار أصبح براغماتيا. وصد أرغمان بشكل دائم توصيات الجيش الإسرائيلي بمنح تسهيلات واسعة لغزة، وبضمنها زيادة عدد العمال الداخلين إلى إسرائيل".

وبحسبه، فإن "أرغمان قلق الآن لأسباب أخرى. فخلال المواجهة، نقل الشاباك موارد استخباراتية وتحقيقات كبيرة إلى الجمهور العربي في إسرائيل وعناصر اليمين المتطرف اليهودي، إثر المواجهات في المدن المختلطة. وطوال سنين كانت هذه القضايا موضوعة في مكان متدن في سلم الأفضليات قياسا بالإرهاب الفلسطيني. ويبدو الآن أن هذا الترتيب سيتغير قليلا" أي أن الشاباك سيتوغل بشكل أكبر في المجتمع العربي خصوصا.

ورأى هرئيل أنه على الرغم من وقف إطلاق النار، "إلا أن الميدان لا يزال يغلي"، في القدس على خلفية قضية حي الشيخ جراح وسعي المستوطنين إلى الاستيلاء على بيوت فلسطينيين "والصراع على السيطرة" على الحرم القدسي. "وسيكون سهلا نسبيا إعادة إشعال هذه النار".

التعليقات