"المفترس": برنامج سايبر هجومي إسرائيلي ينافس "بيغاسوس" التابع لـNSO

ضابط سابق في الوحدات التكنولوجية في شعبة الاستخبارات الإسرائيلية يؤسس شركات سايبر هجومي، ويوظف فيها مسرحون من هذه الوحدات، ويسجلها خارج إسرائيل لمنع مراقبة صادراته، التي أثارت فضائح في اليونان ومصر وغيرهما

أيمن نور (في الوسط) الذي استهدف ببرنامج "بريداتور" ( Getty Images)

فرضت الولايات المتحدة، وكذلك وزارة الأمن الإسرائيلية، قيود وعقوبات على شركة السايبر الهجومي الإسرائيلية NSO، وتم إدخالها إلى قائمة سوداء أميركية ما تسبب بتراجع صفقاتها ودخلها المالي. إلا أن المستفيد من ذلك ليسوا سياسيين وناشطين معارضين وصحافيين جرى التجسس عليهم بواسطة اختراق هواتفهم المحمولة، وإنما شركة سايبر هجومي أخرى، أسسها ضابط مسرح من وحدة كوماندوز النخبة الإسرائيلية "سَرية هيئة الأركان العامة"، والذي تولى رتبة رفيعة في شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية ("أمان")، طال ديليان.

إحدى شركات السايبر الهجومي التي أسسها ديليان هي شركة "إنتليكسا"، التي طوّرت برنامج بريداتور (Predator أي المفترس). وركّز ديليان على بيع هذا البرنامج التجسسي إلى دول لا تصدر وزارة الأمن الإسرائيلية تصاريح لتصدير برمجيات سايبر هجومية إليها، مثل بنغلاديش والسودان وأوكرانيا، وفق ما ذكر تقرير في صحيفة "يديعوت أحرونوت" اليوم، الجمعة.

وخلافا لشركات السايبر الهجومي المسجلة في إسرائيل وتعمل فيها وتخضع لمراقبة شعبة الإشراف على الصادرات الأمنية في وزارة الأمن، فإن ديليان يعتبر أنه لا يخضع لإشراف وزارة الأمن وبإمكانه تزويد بضاعتها إلى أي دولة أو جهة.

وقبل نحو سنة، بدأ هاتف الصحافي اليوناني، تنيسيس كوكاكيس، يعمل بشكل مريب، حيث أصبحت بطاريته تفرغ بسرعة والمحادثات تنقطع دون سبب. وأصبح الصحافي، الذي انتقد سياسة رئيس الحكومة اليونانية الاقتصادية، يشك بأنه مراقب. وبعد أشهر، اكتشف معهد أبحاث للحماية من السايبر "سيتيزين لاب" الكندي، أنه جرى اختراق هاتف كوكاكيس بواسطة برنامج "بريداتور".

كذلك تبين في أعقاب تشكيل البرلمان الأوروبي لجنة تحقيق في الموضوع، وفحص هواتف 200 من نوابه، أنه جرت محاولة غير ناجحة لاختراق هاتف رئيس المعارضة اليونانية، نيكوس أندرولاكيس، ما تسبب بفضيحة وُصفت بأنها "ووترغيت اليونانية".

ونشر "سيتيزين لاب" تقريرا، في كانون الأول/ديسمبر الماضي، أكد فيه أنه "تم اختراق معارضَين مصريين في المنفى، وهما السياسي أيمن نور، ومقدم برنامج شهير - والذي يرغب بألا يفصح عن هويته. تم الاختراق بواسطة برنامج التجسس بريداتور (Predator)، والذي تم تطويره وبيعه بواسطة Cytrox لتطوير برامج التجسس المرتزقة، وهي شركة غير معروفة مسبقاً". ووفقا للصحيفة، فإن ديليان مرتبط بهذه الشركة أيضا. ولفت "سيتيزن لاب" إلى أن هاتف نور أصيب في الوقت ذاته بهذا البرنامج وكذلك ببرنامج "بيغاسوس الشبيه الذي طورته NSO.

الصحافي كوكيس (Getty Images)

وأضافت الصحيفة أنه تبين من تحقيقات حول الفضيحة اليونانية أن مصدر برنامج "بريداتور" هي إسرائيل. وقبل عدة أسابيع، زار أعضاء في لجنة التحقيق التي شكلها الاتحاد الأوروبي إسرائيل سرا، والتقوا مع مسؤولين في وزارتي القضاء والأمن، وكذلك مع مدير عام ومؤسس NSO، شاليف خوليو. وبعد ذلك أعلنت لجنة التحقيق أنها لم تعثر على أدلة تربط "بيغاسوس"" بفضيحة تجسس في إسبانيا.

وفيما فرضت السلطات الأميركية والإسرائيلية عقوبات وقيود على شركات سايبر إسرائيل، قام مسؤول في شركة مخابرات السايبر الإسرائيلية "فيرنت"، يدعى سام رابين، بالاستقالة كي يُعيّن نائب مدير عام شركة السايبر الهجومي "إنتليكسا"، التي يتواجد مقرها في شمال مقدونيا، لكن معظم العاملين فيها ومديريها، وبضمنهم قراصنة إنترنت، هم مسرحون من أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية. ومؤسس هذه الشركة هو ديليان، الذي يحمل رتبة عقيد في الجيش الإسرائيلي وكان قائدا للوحدة التكنولوجية 81 وضابطا كبيرا في وحدة العمليات الخاصة في الجيش.

وأضافت الصحيفة أن ديليان أقام شبكة متشعبة من الشركات والشراكات في أنحاء العالم، وطور بواسطتها منتج سايبر هجومي يمكن مشغليه من الوصول إلى أي هاتف في العالم تقريبا. "وعندما أمرت وزارة الأمن الشركات الإسرائيلية بالخروج من معظم الدول التي عملت فيها، سارع ديليان وموظفيه إلى التوجه إلى تلك الدول وعرض عليها منظومة سلاح سيبرانية هجومية".

وتفيد تقارير "سيتيزين لاب" بأن شركة ديليان عرضت برنامج "بريداتور" على حكومات دول عديدة، بينها: ساحل العاج، مدغشقر، مالي، السعودية، صربيا، عُمان، بنغلاديش، أرمينيا والفلبين. وأشارت الصحيفة إلى أنه يحظر على شركات السايبر الإسرائيلية العمل مع معظم هذه الدول.

وأسس ديليان "إنتليكسا" في العام 2019، ودمج فيها شركات أخرى من مجال السايبر الهجومي، وهي مسجلة في إيرلندا. والمنتج الأهم الذي طورته هو "بريداتور"، والذي باعته لاحقا إلى شركة "سايتروكس"، المرتبطة بديليان أيضا.

وتبين من دعوى قدمها خبير السايبر، آفي روبنشطاين، ضد ديليان إلى المحكمة المركزية، وانتهت باتفاق الجانبين، أن "إنتليكسا" هي عمليا شركة وهمية يقف من ورائها "خرم كبير من الشركات المسجلة في عدد كبير من الدول، وتتجمع كلها تحت اسم الإلياذة"، وفقا للصحيفة.

وأسس ديليان "الإلياذة" في العام 2014، سوية مع عوز ليف، سلفه في قيادة الوحدة 81، وسُجلت في جزر العذراء، وهي ملاذ من الضرائب لشركات دولية.

البرلمان الأوروبي يستمع، أمس، لإفادات صحافيين حول شبهات استهدافهم ببرنامج "بيغاسوس" (Getty Images)

قبل ذلك أسس ديليان شركة سايبر هجومي باسم "سيركليس"، وسجلها في قبرص كي لا يخضع لرقابة وزارة الأمن الإسرائيلية. وفي العام 2013، باع ديليان "سيركليس" بمبلغ 130 مليون دولار إلى صندوق الاستثمار الأميركي "فرانسيسكو بارتنرز"، الذي اشترى NSO بعد ذلك بعدة أشهر. وجرى دمج الشركتين، وعُين ديليان رئيس لمجلسة إدارة الشركة، ثم غادرها.

وبعد ذلك أسس ديليان مع ليف شركة "ويسبر"، التي طورت قدرات اختراق هواتف بواسطة شبكة واي-فاي، وسجلها في قبرص أيضا، التي أدار منها أعمالا مع دول عربية في الخليج قبل التوقيع على "اتفاقيات أبراهام"، حسب الصحيفة.

ووظف ديليان في "ويسبر" مسرحين من وحدة التنصت الإلكتروني في الجيش الإسرائيلي 8200 ومن وحدات تكنولوجية أخرى، الذين عملوا في مقر الشركة في قبرص، مقابل رواتب تصل إلى عشرات آلاف الدولارات لكل موظف.

واستدرجت هذه الإغراءات نير بن موشيه إلى الشركة، وهو الرئيس السابق لدائرة المسؤول عن الأمن في وزارة الأمن الإسرائيلية، وهي الدائرة المسؤولة عن حراسة وأمن المعلومات وتشرف على صناعات الأسلحة الإسرائيلية وعلى منشآت لجنة الطاقة الذرية. ووصف مسؤولون أمنيون إسرائيليون انضمام بن موشيه إلى "ويسبر" بأنه "قانوني، لكنه نتن، وتوجد فيه إشكاليات معينة تتعلق بالآداب".

التعليقات