المصطلحات العسكرية الإسرائيلية تعمق حرب الإبادة في صفوف المدنيين الغزيين

الجيش الإسرائيلي يستخدم مصطلح "ضرر جانبي" في وصف استشهاد مدنيين غزيين في غاراته الجوية، لكن التخوف الأساسي هو من احتمال استهداف أسرى إسرائيليين بهذه الغارات، وذلك من دون تغيير في شكل المصادقة على شنّها

المصطلحات العسكرية الإسرائيلية تعمق حرب الإبادة في صفوف المدنيين الغزيين

غارة إسرائيلية استهدفت مدنيين في بيت لاهيا، أمس (Getty Images)

يستخدم الجيش الإسرائيلي مصطلحات بهدف محاولة إخفاء حجم جرائم الحرب التي يرتكبها، وأحدها هو مصطلح "ضرر جانبي" الذي يعني استشهاد مدنيين في غارة جوية يدعي الجيش أنها استهدفت مسلحين، رغم أن الشهداء المدنيين في الحرب على غزة يشكلون الأغلبية العظمى من إجمالي الشهداء.

وألغي اجتماع كان مقررا عقده، هذا الأسبوع، بين القيادة الجنوبية للجيش الإسرائيلي وسلاح الجو، وبمشاركة قائدي هذين السلاحين، على خلفية توتر داخل الجيش سببه "الضرر الجانبي" في قطاع غزة جراء الغارات الإسرائيلية، "أي المواطنين الذين يموتون، والقصف ليس موجها نحوهم"، حسب تقرير في صحيفة "يديعوت أحرونوت" اليوم، الجمعة.

ورغم أن عشرات آلاف المدنيين الفلسطينيين استشهدوا جراء القصف الجوي، الذي يعتبر أنه قصف دقيق، إلا أن الصحيفة وصفتهم بأنهم "يموتون"، وكأنهم توفوا نتيجة إصابتهم بأمراض أو أسباب طبيعية. يشار إلى أن 51,335 شهيدا ارتقوا منذ بداية الحرب، بينهم 1978 شهيدا ارتقوا بعد استئناف الحرب، في 18 آذار/مارس الفائت. وأصيب 117,248، بينهم 5207 مصاب بعد استئنا الحرب، وفق حصيلة أعلنتها وزارة الصحة في غزة، أمس.

قائد القيادة الجنوبية هو قائد الحرب على غزة، بالنسبة للجيش الإسرائيلي، ولديه صلاحيات استخدام القوة العسكرية ويرأس الهيئة التي تقرر الأهداف المستهدفة بشكل يومي. وسلاح الجو يقرر طبيعة تنفيذ الهجوم والذخيرة التي تستخدم خلاله.

قاعدة سلاح الجو الإسرائيلي "رمات دافيد" (أرشيف - Getty Images)

وحسب الصحيفة، فإنه يتزايد "انعدام الارتياح في سلاح الجو تجاه القيادة الجنوبية في الأشهر الأخيرة. وبين أسباب ذلك، عدد المدنيين القتلى في قسم من الهجمات منذ استئناف الحرب". وأضافت أن "التوتر مرتفع جدا، لدرجة أن قائد سلاح الجو، تومِر بار، بدأ هذا الأسبوع يصادق شخصيا على هجمات سلاح الجو"، علما أن هذا الأمر لم يغيّر بشأن عدد الشهداء المدنيين الغزيين الذين ارتقوا بالعشرات يوميا.

رغم ذلك، يعتبر قائد سلاح الجو أن الغارات التي يصادق عليها "تستوفي قيم الجيش الإسرائيلي، ومهنيته"، حسب الصحيفة، لكن يتبين أن المقصود بذلك ليس المدنيين في القطاع وإنما "أي وضع يوجد فيه ’ضرر جانبي’ يتجاوز المتوقع هو احتمال لتشكيل خطر شديد على حياة المخطوفين".

وجرائم إسرائيل باستهداف المدنيين الفلسطينيين متجذرة في الجيش الإسرائيلي. ففي تموز/يوليو العام 2002، اغتالت إسرائيل بغارة جوية القيادي في حركة حماس، صلاح شحادة، بإلقاء قنبلة زنتها طن على منزله في مدينة غزة. وأسفرت الغارة عن استشهاد شحادة ومساعده، وعن استشهاد 13 مدنيا بينهم 9 أطفال. ووصف قائد سلاح الجو في حينه، دان حالوتس، في مقابلة صحافية شعوره بعد غارة كهذه، بأنه "أشعر بضربة خفيفة في جناح الطائرة نتيجة لتحرير القنبلة. وبعد ثانية واحدة ينتهي ذلك. هذا كل ما في الأمر".

وأضافت الصحيفة أن "الطيارين والملاحين الجويين يريدون التيقن من أن الهدف لائق، وإذا استُهدف مواطنون، أن يكون عددهم معرف ومحصور وعادل. وهذه مسألة قانونية، إذا ينبغي أن يكون هناك تناسبا بين أهمية الهدف والضرر الحاصل كنتيجة ترافق تحقيقه".

وقال طيار حربي إسرائيلي إنه "بإمكان الطيارين والملاحين الذين ينفذون مهمات في قطاع غزة أن يقتلوا عشرات الأشخاص بقنبلة واحدة، ولذلك يعلم الطيارون في سلاح الجو دائما أكثر ما يمكن من معلومات حول هدفهم. هذه هي الروح في السلاح"، حسبما نقلت عنه الصحيفة، التي أشارت إلى أن الطيارين يتلقون قبل الهجوم معلومات حول "الضرر الجانبي الذي يرجح أن يحدث".

إلا أن الصحيفة أفادت بأن ما يحدث في الأشهر الأخيرة، هو أن "الطيارين يكتشفون بعد تنفيذ هجوم أن أعداد القتلى المدنيين أعلى بكثير"، وأنه عندما يجري سلاح الجو تحقيقا في سبب الأعداد المرتفعة من الشهداء المدنيين، فإنه "لا يلقى تعاونا لائقا، حسب ادعاء مسؤولين كبار في سلاح الجو".

وقال ضابط كبير في سلاح الجو الإسرائيلي إن "علاقات العمل مع القيادة الجنوبية جيدة جدا"، وأنه لا يوجد خلافات بينهما حول اختيار الأهداف، وأن "جميع الأهداف أخلاقية"، حسبما نقلت عنه الصحيفة.

وتابعت الصحيفة أن "المسألة تتعلق بالمعلومات الواردة، التي تقود إلى القصف، وماذا يفعلون مع نتائجها. تحدث أخطاء. لكن عندما لا يحققون فيها جيدا، وهذا يتكرر، يتعالى الانطباع لدى مسؤولين في سلاح الجو حول إصبع غير مهنية (تضغط) على الزناد، وحول شق عصا الطاعة في إطلاق النار الذي يقتل مدنيين. وربما هذا ليس خللا".

وبحسب الصحيفة، فإنه بعد 18 شهرا على بداية الحرب واستشهاد عشرات آلاف المدنيين الغزين، فإن "الشعور في سلاح الجو وفي قسم من وحدات شعبة الاستخبارات العسكرية هو أنه يوجد الآن تغيير للأسوأ. وينسبون ذلك إلى العملية العسكرية الجديدة (استئناف الحرب) في القطاع، وتآكل وانخفاض عدد الأهداف النوعية (أي مقاتلي حماس) وبدء ولاية القائد الجديد للقيادة الجنوبية، يانيف عاسور. فالهجمات أصبحت أشد، والاهتمام بموت المدنيين تراجع، ولذلك لم تتحسن النتائج العملياتية. لكن يوجد شعور في سلاح الجو بأن القيم القتالية تآكلت، ولا يمكن نفي ذلك".

التعليقات