28/05/2020 - 16:09

وثائق 1948: إسرائيل أقامت غيتوات للعرب في المدن الساحلية

دولة إسرائيل استعارت فور قيامها سياسة النازيين ضد اليهود وغيرهم في ألمانيا والدول الأخرى التي احتلوها، وطبقوها ضد العرب الذين بقوا في البلاد إبان النكبة، واحتجزت العرب في المدن الساحلية، في غيتوات محاطة بأسياج شائكة لقرابة سنة كاملة

وثائق 1948: إسرائيل أقامت غيتوات للعرب في المدن الساحلية

مدينة حيفا عام 1948، من أرشيف الجيش الإسرائيلي

استعارت دولة إسرائيل فور قيامها، في العام 1948، سياسة النازيين في ألمانيا والدول الأخرى التي احتلوها، باحتجاز اليهود وغير اليهود في غيتوات، وطبقوها ضد العرب الذين بقوا في البلاد إبان النكبة، حيث احتجزت العرب في المدن الساحلية، التي تحول العرب فيها من أغلبية إلى أقلية بين السكان، وباتت هذه المدن تُعرف باسم "المدن المختلطة"، في غيتوات محاطة بأسياج شائكة.

والتوثيق الأساسي لهذه الغيتوات، التي تم احتجاز العرب فيها في تلك الفترة، موجود في مئات الملفات الأرشيفية التابعة لوزارة الأقليات، التي كان يتولاها الوزير بيخور -شالوم شيطريت، وفقا لمقال نشره الباحث في معهد "عكيفوت" الذي يعنى بكشف وثائق الأرشيفات الإسرائيلية المتعلقة بالصراع الإسرائيلي – الفلسطيني، المؤرخ آدام راز، في صحيفة "هآرتس" اليوم، الخميس.

وأشار راز إلى أن وزارة الاقليات الإسرائيلية، أغلقت في منتصف عام 1949، "بعدما أن عملت كثيرا، تحت قيود شديدة، من أجل تحسين وضع العرب الذين بقوا في البلاد". كذلك تم توثيق هذه الغيتوات في أرشيف الدولة وأرشيف الجيش الإسرائيلي.

ولفت راز إلى أنه في مستندات ووثائق أخرى من تلك الفترة، والتي تم فتحها للاطلاع عليها على مر السنين، "نصادف أحيانا محاولات لإخفاء وتصفية تعابير وتصريحات ليست مريحة للأذان اليهودية بشكل خاص. ومحاولات الإخفاء هذه ليست متعلقة بقضايا أمنية ويتم فرض الرقابة عليها لأسباب دعائية فقط".

(تصوير: john phillips)

وأورد راز أمثلة على محاولات إخفاء كهذه من بروتوكول مداولات جرت في كانون الأول/ديسمبر العام 1948، عقدتها "اللجنة الوزارية لشؤون الأملاك المتروكة". وتداول الوزراء في هذا الاجتماع حول السكان العرب في اللد، واحتجازهم في أحياء خاصة لصالح إسكان المهاجرين اليهود في المدينة. وخلال الاجتماع، قال مدير وزارة الأقليات، غاد ماخنيس، إنه "أعتقد أن احتجاز السكان العرب في معسكرات اعتقال محددة لم يعد مبررا"، لكن في الفترة الأخيرة فرض أرشيف الدولة رقابة على هذه الجملة. وكتب راز أن "المنطق واضح: لا حق للمواطنين العرب في دولة إسرائيل بمعرفة ماضيهم".

ويذكر أن السلطات الإسرائيلية فرضت حظر تجول على العرب وأحاطت أحياءهم بالسياج الشائك فور احتلال المدن "المختلطة" والعربية، خلال النكبة، كما فرضت على باقي المدن والقرى العربية الحكم العسكري، علما أنه تم تهجير الغالبية العظمى من العرب عن البلاد، والباقون لم يمارسوا أي عمل عسكري.

وأضاف راز أن "الأشهر الطويلة التي تلت احتلال المدن كانت بمثابة اختبار لمستقبل العلاقات بين الشعبين في البلاد". ففي حيفا، التي احتلت في نيسان/أبريل 1948، بقي 3500 عربي، من أصل حوالي 70 ألفا من سكانها الذين تواجدوا في المدينة قبل الاحتلال بوقت قصير. وفي يافا، التي احتلت في 13 أيار/مايو، بقي حوالي 4000 عربي من أصل حوالي 70 ألفا أيضا، كما بقي في اللد والرملة قرابة 2000 عربي من اصل 35 ألفا قبل النكبة. ولم يبق أي عربي في طبرية وصفد وبيسان وبئر السبع. وقد تهجير 85% من العرب في البلاد، وبقي في إسرائيل 160 ألفا فقط في نهاية الحرب، وخضعوا لحكم عسكري، ويخدعون لنظام حظر تجول دائم ونظام تصاريح للتنقل.

"قوانين نيرنبرغ"

أقامت إسرائيل غيتوات للعرب في جميع المدن. ووفقا لراز، فإن كلمة "غيتو" كانت صعبة الاستيعاب في حينه أيضا. وحاولت السلطات استخدام كلمات بديلة، مثلما تم وضع عنوان لأحد ملفات الوثائق في أرشيف الدولة، جاء فيه "نقل عرب إلى منطقة أمنية (غيتو)".

وأضاف راز أن الأمور جرت بشكل متشابه في أي مكان تم نقل العرب إليه. وأصدر رئيس الحكومة الإسرائيلية الأول، دافيد بن غوريون، لدى زيارته حيفا بعد الاحتلال، بأن يتم نقل العرب الذين بقوا في المدينة إلى حيين. المسيحيون إلى وادي النسناس والمسلمون إلى وادي الصليب، وأن يتم تنفيذ ذلك حتى بداية تموز/يوليو 1948.

وأعد عضو حزب "مبام" وأحد رؤساء الدائرة العربية في الحزب، يوسف فشيتس، تقريرا تحدث فيه عن حالة الفوضى الحاصلة في حيفا بعد قرار بن غوريون، وقال إنه لا توجد إمكانية للحفاظ على الأملاك المتروكة، والشقق نتنة ولا يوجد ماء وكهرباء. وأكد "نشطاء يساريون عرب"، كما وصفهم راز، على أن تجميع العرب في غيتوات هي "عملية سياسية – عنصرية وليست عسكرية، بهدف إنشاء غيتو عربي في حيفا".

مواطن عربي في يافا عقب احتلال المدينة عام 1948 (أرشيف الجيش الإسرائيلي)

وكتب فشيتس أن "هذا التركيز هو العمل الأهم الذي مورس بحق العرب في دولة إسرائيل. وهنا سيتقرر ما إذا ستكون دولة إسرائيل دولة ديمقراطية أو دولة إقطاعية مع عادات العصور الوسطى وقوانين نيرنبرغ" التي أصدرتها الحكومة النازية في ألمانيا إبان الحرب العالمية الثانية.

وفي يافا، قال الحاكم العسكري للمديننة، مئير لنيادو، في تموز/يوليو 1948، إنه "من الأفضل أن تكون هناك مناطق خاصة لليهود وأخرى للعرب". واعترض مدير دائرة العلاقات في وزارة الاقليات، موشيه أرام، على تجميع العرب في حي العجمي المحاط من أربع جهات بأحياء يهودية، مشيرا إلى أنه لا يوجد أي تخوف على أمن المدينة ومحيطها: "يوشكون على إحاطة حي العجمي بأسلاك شائكة تفصل بشكل قاطع بين الحي العربي والأحياء اليهودية. وسيمنح هذا الترتيب للعجمي شكل غيتو مغلق ومنعزل. ويصعب الموافقة على هذه الفكرة، التي تثير لدينا تداعيات حيال فظائع. ونحن نزرع بذلك مرة أخرى بذرة مليئة بالسم في قلب السكان العرب. وغيتو بأسلاك شائكة، عو غيتو معزول عن إمكانية الوصول للبحر. أهكذا سيكون خطنا السياسي؟".

وقال المؤرخ الصهيوني يوءاف غيلبر، في كتابه "استقلال ونكبة"، إنه تم إلغاء فكرة إحاطة العجمي بأسلاك شائكة، لكن راز يؤكد أن هذا الادعاء ليس صحيحا. فقد كتب الحاكم العسكري لنيادو أنه "أفكر بإمكانية تخفيف الأسلاك الشائكة ومنح إمكانية حركة حرة أكثر للعرب لكي لا يشعروا أنهم في معسكر عزل"، علما أن العجمي بقي محاطا بالأسلاك الشائكة لأشهر طويلة، كما أكد راز.

ووفقا لتقرير صادر عن وزارة الأقليات، فإن الوزارة سعت، في شباط/فبراير 1949، إلى استصدار تصاريح كي يتمكن السكان العرب "من الذهاب إلى خارج الجدار الشائك". وقال إسماعيل أبو شحادة، من سكان يافا،، إنه "تمكنا من مغادرة المنطقة فقط من أجل العمل في إحدى البيارات حول المدينة، ومن أجل ذلك كنا بحاجة إلى تصريح من المشغل".

وقال الحاكم العسكري الذي سبق لنيادو، موشيه تشيجيك، خلال محادثات مغلقة إن "إسرائيل تخرق شروط الاستسلام مع العرب، التي وعدتهم، بين أمور أخرى، بحرية التنقل في المدينة".

وفي مدينة اللد أيضا تم تجميع السكان العرب الذين خضعوا لنظام حظر التجول. وفي إحدى المرات كتب مواطنون عرب من الرملة أنه "تم وضعنا بشكل مستهجن شيوخا ونساء وفتية وأطفال، لثماني ساعات تحت أشعة الشمس الحارقة من دون ماء وغذاء ومن دون أي سبب سوى الرغبة بتحقيرنا وإذلالنا والتنكيل بنا".

ويصف توثيق أرشيفي آخر إغلاق أحياء بشكل مشابه سكنها العرب في مدن أخرى، مثل مجدل عسقلان وعكا. وقال شيطريت إنه "أعارض إنشاء غيتوات للأقليات" وأن تعامل إسرائيل مع العرب "ينطوي على خلل وعيوب"، وطالب "بإقرار خط واضح بشأن حقوق مواطن متساوية، كي لا ينتقم الواقع منا".

التعليقات