26/03/2021 - 15:07

تاريخ الموساد الأسود: علاقات إسرائيل مع طغاة بنما

كشفت وزارة الخارجية الإسرائيلية، مؤخرا، عن وثائق تتعلق بالعلاقات الإسرائيلية – البنمية خلال حكم الديكتاتورية العسكرية في بنما، طوال 22 عاما، ودور مسؤول كبير في الموساد في تحصين الديكتاتورية وممارسة القمع الدموي

تاريخ الموساد الأسود: علاقات إسرائيل مع طغاة بنما

نورييغا (أرشيف - أ.ب.)

دام نظام الديكتاتورية العسكرية في بنما 22 عاما، خلال الأعوام 1968 – 1990، بفضل الرعاية والدعم الأميركي والإسرائيلي لنظام الجنرال مانويل نورييغا. وتعرض معارضوا الديكتاتورية للأهوال، خلال هذه الفترة. وكان اختطاف معارضي النظام واختفائهم وتعذيبهم وقتلهم جزءا من ممارسات الحكم الديكتاتوري. وسقط هذا النظام إثر الغزو الأميركي لبنما، بعدما رفض نورييغا التنازل عن قوته.

وتدعي إسرائيل أن دعمها للديكتاتورية في بنما كان بسبب مصالح سياسية وأمنية، لا تتعلق ببنما فقط، وإنما بأميركا الوسطى والجنوبية قاطبة، ومثال على ذلك فضيحة "إيران كونتراس"، التي ساعد فيها نورييغا الولايات المتحدة وإسرائيل على تسليح وتدريب القوات في نيكارغوا التي سعت إلى إسقاط النظام الاشتراكي هناك. وتجاهلت انتهاكات حقوق الإنسان الشديدة والفساد العميق. ولا تزال إسرائيل تفرض تعتيما شديدا على العلاقات بينها وبين النظام الديكتاتوري في بنما.

وكشفت وزارة الخارجية الإسرائيلية، مؤخرا، قسما ضئيلا من وثائق في أرشيف الدولة وتتعلق بالعلاقات مع النظام الديكتاتوري في بنما، وفقا لتقرير نشرته صحيفة "هآرتس" اليوم، الجمعة. وتشمل عشرات الملفات التي سُمح بكشفها، برقيات أرسلت من السفارة الإسرائيلية في بنما حول ما يجري في هذه الدولة. إلا أن هذه الوثائق لا تكشف عن عن المصالح الإسرائيلية في بنما، لكنها كشفت بوضوح أن الذي أدار هذه العلاقات ومن خلال إقصاء وزارة الخارجية عنها، هو الموساد، بواسطة عميله الشهير ميخائيل (مايك) هراري، الذي أسس وحدة الاغتيالات في الموساد.

ولعل برقية أرسلها السفير الإسرائيلي في بنما، حنان عولامي، في تموز/يوليو العام 1980، توضح قليلا المصالح السياسية الإسرائيلية. وكتب عولامي أنه "بما يتعلق بنشاط الداعم للفلسطينيين في بنما، بإمكان مايك هراري من الموساد أن يساعدنا بسبب علاقاته مع توريخوس".

هراري (أرشيف - أ.ف.ب.)

وأقام هراري علاقات وثيقة جدا مع قادة الطغمة العسكرية في بنما طوال سنوات الديكتاتورية. وقبل وفاته، في العام 2014، قال في مقابلة إن نورييغا كان متعاونا كبيرا مع جهاز الأمن الإسرائيلي. ومن الناحية الرسمية، تسرح هراري من الموساد في العام 1980، لكنه نشاطه في بنما استمر حتى سقوط الديكتاتورية العسكرية. وتحت غطاء رجل أعمال، بات هراري مستشارا سريا للطاغية نورييغا من قبل الموساد.

وتكشف الوثائق أن الدور المزدوج لهراري أثار غضب العاملين في السفارة الإسرائيلية. ولم يكن واضحا لهم أحيانا ما هي المصالح التي تحركه، أي إذا كان مبعوثا إسرائيليا أم أنه بدفع مصالحه التجارية الشخصية.

وتُبين الوثائق الوسائل التي استخدمها هراري من أجل مساعدة نورييغا على البقاء في الحكم. ويتضح أن هراري كان شريكا في مؤامرة سياسية غايتها تغيير نتائج انتخابات لصالح نورييغا، وفي إطارها وزّع هراري كتاب تاريخ كاذب ضد خصم نورييغا، واتهمه بتنفيذ مجزرة ضد الجالية اليهودية في بنما.

واعتبر هراري شخصية بالغة الأهمية في بنما، في السنوات الأخيرة للنظام الديكتاتوري، لدرجة أن الإدارة الأميركية طالبت إسرائيل بإخراجه من بنما. "وكان الأميركيون مقتنعون بأنه فقط بطرده من بنما سيكون بالإمكان إنهاء حكم نورييغا، ولم يترددوا بتهديد إسرائيل من أجل تحقيق ذلك"، وفقا للصحيفة.

وتشير الوثائق إلى أن البرقيات التي أرسلها السفراء الإسرائيليون في بنما إلى وزارة الخارجية الإسرائيلية، حول الممارسات القمعية والدموية لقائد الانقلاب، عمر توريخوس، ونورييغا، لم تؤثر أبدا على العلاقة المتينة مع إسرائيل.

القوات الأميركية في بنما، كانون الأول/ديسمبر 1989 (أ.ب.)

وجاء في سيرة ذاتية لنورييغا أعدتها وزارة الخارجية، أنه شارك في دورة في إسرائيل في موضوع المخابرات والدفاع وبتدريبات هبوط بالمظلة. كذلك زار توريخوس ونورييغا إسرائيل عدة مرات. كما زار عضو الكنيست حينها، يتسحاق رابين، لنما والتقى مع نورييغا، في نهاية العام 1983، وتبعه بزيارة أخرى وزير الخارجية الإسرائيلي حينها، يتسحاق شمير، الذي التقى مع نورييغا أيضا.

وفي نهاية الثمانينيات اشتد التوتر بين الولايات المتحدة وبنما، وسعت إدارة الرئيس رونالد ريغان إلى إسقاط نورييغا عن الحكم. وبعد 22 عاما من الحكم الديكتاتوري، بدأت وزارة الخارجية الأميركية تتهم نورييغا بالفساد وانتهاك حقوق الإنسان والمتاجرة بالمخدرات ونقل تكنولوجيا أميركية إلى كوبا. وتبنى مجلس الشيوخ الأميركي قرارا يدعوا نورييغا إلى الرحيل، وبعد ذلك أعلنت إدارة ريغان عن وقف المساعدات العسكرية لبنما.

من جانبه، تمسك نورييغا بالحكم ورفض التنحي. وإسرائيل أيضا تمسكت ببقائه في الحكم. وفي 7 آب/أغسطس 1987، وصلت وثيقة داخلية من بنما إلى السفارة الإسرائيلية في واشنطن، تضمنت خطة لبقاء نورييغا في الحكم. وكانت الخطة تقضي بمنع مظاهرات بواسطة نشر الجيش البنمي في الشوارع من أجل إثارة الخوف، ونشر شائعات حول النية باعتقال أو قتل زعيم المعارضة ورجال أعمال داخل بنما وفي الشتات، والالتفاف على العقوبات الاقتصادية التي فرضتها إدارة ريغان بواسطة التوجه مباشرة إلى السياسيين الأميركيين، وتشديد المراقبة على الصحافة والصحافيين.

وأشارت الوثائق التي كُشفت إلى أن قناعة سادت لدى الأميركيين بأن هذه الوثيقة والخطة التي شملتها "لم تكن ثمرة دماغ نوررييغا، وإنما ثمرة دماغ مايك هراري". واعتقدوا أن هراري يعمل من أجل الحفاظ على حكم نورييغا بأي ثمن، ولذلك أصر الأميركيون على أن يغادر هراري بنما. وجاء في إحدى وثائق الخارجية الإسرائيلية أن "الأميركيين يريدون وقف علاقة نورييغا – هراري"، وأنه "لمصلحة إسرائيل، من الجدير أن يخرج هذا الرجل بأسرع وقت".

وفهم دبلوماسيون إسرائيليون التقوا مع مسؤولين أميركيين أن "الأميركيين مقتنعون بأن مساهمة هراري في تحصين مكانة نورييغا حاسمة وأن ’تفكيك هذه الرزمة’ ستسرع سقوط الجنرال وتقصّر بشكل كبير احتضار النظام الحالي".

التعليقات