نشر أرشيف الدولة الإسرائيلي اليوم، الجمعة، 40 وثيقة سرية تتعلق بالمفاوضات بين إسرائيل وسورية بوساطة وزير الخارجية الأميركي في حينه، هنري كيسنجر، حول اتفاق تبادل أسرى وفصل القوات. ويأتي نشر الوثائق بمناسبة مرور 50 عاما على زيارة مندوبي الصليب الأحمر للأسرى الإسرائيليين في سورية في الأول من آذار/مارس العام 1974.
بعد انتهاء حرب تشرين الأول/أكتوبر العام 1973، استمر الجيش الإسرائيلي في احتلال أراض مصرية وسورية إضافة إلى الأراضي التي احتلها في حرب حزيران/يونيو العام 1967. وكان التخوف الإسرائيلي من حرب استنزاف، إلى جانب أزمة اقتصادية على خلفية استمرار تجنيد قوات الاحتياط وتسلح الجيش الإسرائيلي مجددا.
وتوصلت إسرائيل ومصر إلى اتفاق تبادل أسرى بسرعة، وجرى تنفيذه خلال تشرين الثاني/نوفمبر. وأراد كسينجر رعاية المرحلة الثانية من الاتفاق المتعلقة بفصل القوات، لأنه سعى إلى استغلال الوضع من أجل دفع خطوات دبلوماسية أوسع بهدف منع استمرار الدعم السوفييتي للدول العربية. وجرى توقيع اتفاق فصل القوات بين إسرائيل ومصر، في كانون الثاني/يناير العام 1974، وانسحبت إسرائيل من قسم من الأراضي المصرية التي احتلتها في العام 1967.
وحسب الوثائق الإسرائيلية السرية التي كُشفت اليوم لأول مرة، فإن المفاوضات مع سورية كانت أصعب، وفق ما ذكرت صحيفة "يديعوت أحرونوت". وكان الرئيس السوري في حينه، حافظ الأسد، معنيّ بانسحاب إسرائيلي، ورفض في المقابل تسليم إسرائيل قائمة بأسماء أسراها في سورية وزيارات للصليب الأحمر، وهذا كان شرطا إسرائيليا لبدء مفاوضات.
وزار كسينجر دمشق والتقى الأسد، في 20 كانون الثاني/يناير. بعد ذلك انتقل إلى إسرائيل والتقى في مطار اللد مع رئيسة الحكومة، غولدا مئير، بحضور نائبها يغآل ألون، ووزير الخارجية، آبا إيفن، ومدير مكتب رئيس الحكومة، شلومو غازيت، والسفير الإسرائيلي في واشنطن، سيمحا دينيتس.
وحسب الوثائق الإسرائيلية، قال كسينجر إن الأسد هاجم الرئيس المصري، أنور السادات، ووافق في الوقت نفسه على بحث خطة لفصل القوات. وأضاف كسينجر أن الأسد أبلغه بأن وضع الأسرى الإسرائيليين جيد، وطالب بانسحاب إسرائيلي واسع من هضبة الجولان المحتلة.
ولاحقا، وافق الأسد بعد ضغوط مارستها عليه الولايات المتحدة ودول عربية، خاصة مصر والسعودية، على أن يسلم كسينجر إسرائيل قائمة بأسماء أسراها، وعددهم 65 أسيرا، حسب السردية في الوثائق. وقررت الحكومة الإسرائيلية أن تكون صفقة التبادل البند الأول في أي اتفاق فصل قوات.
وخلال اجتماع للحكومة الإسرائيلية، بداية آذار/مارس 1974، قال إيفن إنه توجد توقعات غير واقعية في الجمهور الإسرائيلي مفادها أن اتفاق فصل القوات مع سورية سيكون مشابها للاتفاق مع مصر.
وتشير بروتوكولات الحكومة الإسرائيلية حينذاك إلى وجود خلافات حول انسحاب من هضبة الجولان المحتلة إلى ما وراء "الخط البنفسجي"، وهو خط وقف إطلاق النار بعد حرب 1967. وبحثت الحكومة الإسرائيلية في دلالات أمنية للانسحاب من جيب سوري عند القنيطرة وبادعاء التخوف على أمن المستوطنات في الجولان المحتل.
في المقابل، عبر ديّان عن تخوفه من استئناف الحرب إذا استمرت إسرائيل باحتلال الأراضي السورية التي احتلتها في حرب 1973. وعارضت غولدا أي انسحاب إلى ما وراء "الخط البنفسجي"، لكنها وافقت على الانسحاب من القنيطرة.
وبعد النشر في وسائل الإعلام عن المفاوضات وتقدمها، تزايدت الاحتجاجات في إسرائيل ضد أي انسحاب. وانتمى المحتجون إلى اليمين الإسرائيلي، من حزب الليكود والصهيونية الدينية وحركة "غوش إيمونيم" الاستيطانية، بادعاء أن انسحابات كهذه من شأنها أن تقود إلى انسحابات من أراض محتلة أخرى، وخاصة من الضفة الغربية. وهاجموا كسينجر ووصفوه بأنه يمارس "سياسة تزوير وتضليل ويغرر بنا كي ندخل إلى مصيدة موت".
ودعا المستوطنون في الجولان المحتل إلى منع المس "بقيمة الاستيطان". وخلال دفاعه عن اتفاق مع سورية، في اجتماع مع المستوطنين في 6 أيار/مايو، قال إيفن إنه حتى لو لم يكن بالإمكان التوصل إلى اتفاق معقول مع سورية، فإنه يجب بذل جهد من أجل الحفاظ على العلاقات مع الولايات المتحدة، وإلا فإن إسرائيل تخاطر بحرب إقليمية من شأنها أن تقود إلى أزمة بين الدولتين العظميين. وأضافت غولدا أنه لن يكون فصل قوات بأي ثمن، وأنه إذا الاتفاق خطرا على المستوطنات بالجولان فإن الحكومة لن تصادق عليه.
اقرأ/ي أيضًا | الترانسفير المسكوت عنه: تهجير سكان الجولان بعد النكسة
وفي 7 أيار/مايو، هاجم زعيم الليكود حينها، مناحيم بيغن، كسينجر، خلال نقاش في الكنيست، وقال إنه "بالرغم من ماضيه كيهودي ملاحق في ألمانيا، إلا أنه غير مبال بضائقة يهود سورية ويخاطر بأمن إسرائيل من خلال تسوية مرحلية وانسحاب من دون سلام".
وجاء في إحدى الوثائق التي تناولت لقاء بين كسينجر وطاقم المفاوضات الإسرائيلي، أن كسينجر لا يبرر الاتفاق بين إسرائيل وسورية بطعون عسكرية وأنه لا توجد أي أهمية لمضمون الاتفاق. واعتبر وزير الخارجية الأميركي أن "مجرد التوقيع على اتفاق مع دولة عربية راديكالية هو أمر هام، وكذلك تشجيع الدول العربية المعتدلة وإبعاد السوفييت عن المنطقة". ومن الجهة الأخرى، تشير الوثائق إلى أن كسينجر وافق على "مبدأ" عدم تفكيك مستوطنات في الجولان المحتل.
وبين هذه الوثائق، برقية سرية بعثها سفير إسرائيل في واشنطن، سيمحا دينيتس، في أعقاب محادثة متوترة مع كسينجر، بعد انضمام الولايات المتحدة إلى تنديد مجلس الأمن الدولي بإسرائيل إثر غارات إسرائيلية في لبنان ورفضها استخدام الفيتو ضد القرار.
ونقل دينيتس في البرقية عن كسينجر قوله خلال المحادثة بينهما، "إنني أكثر قلقا على إسرائيل كيهودي من كوني وزير خارجية الولايات المتحدة. وأميركا هي دولة كبيرة وبإمكانها تحمل الكثير، لكن دولة إسرائيل تتعرض للخطر وأي خطأ قد يكلف استمرار وجودكم. ولن أفعل عن وعي شيئا يشكل خطرا على المصلحة الإسرائيلية. وإذا كانت هناك خلافات بيننا، فهذا ليس لأنني أريد أن أصنع جميلا للعرب أو الروس وإنما لأنني بحق وبصدق أؤمن أن هذا لصالح المصلحة الإسرائيلية. ولن أسمح لنفسي أبدا بدخول التاريخ كمن سمح، لا قدر الله، بخراب أو ضرر لإسرائيل. وما هي الجدوى والهدف الذي سيتبقى في بقية حياتي وكيف سأتمكن من العيش مع نفسي".
التعليقات