هل تصمد إيران أمام الخطة الأميركية لـ"تصفير" صادراتها النفطية؟

قد يشكل "تصفير" الصادرات النفطية الإيرانية، ضربة للواردات لأن إيران تدفع ثمن وارداتها باستخدام الدولار الأميركي، ونظرا لأن معظم دول العالم تستخدم الدولار بتجارتها الدولية، فيتعين على إيران الحصول على كمية دولارات كافية لشراء هذه البضائع...

هل تصمد إيران أمام الخطة الأميركية لـ

(أرشيفية- أ ف ب)

منذ أن قرر الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، خروج بلاده من "الاتفاق النووي" مع إيران العام الماضي، اتخذت إداراته عدّة إجراءات بالغة القسوة ضد الحكومة الإيرانية "تُوجت" أمس الإثنين، بقرار محاصرة الاقتصاد الإيراني بالكامل.

وأعلنت السلطات الأميركية أمس، رفضها تجديد الاستثناءات الممنوحة لعدد من الدول لشراء النفط الإيراني، بدءًا من أيار/ مايو المقبل.   

ويشكل هذا القرار ضربة للدول التي لا زالت تزود نفسها بالنفط الإيراني، لكنه بمثابة تصعيد خطير ينذر باحتمال انهيار الاقتصاد المأزوم لهذه الدولة النفطية، خصوصا أن العقوبات الجديدة تهدف إلى "تصفير" صادرات النفط الإيرانية.

وقد صرح البيت الأبيض، أن الولايات المتحدة والسعودية والإمارات "اتفقوا" على تغطية الطلب العالمي من النفط، المتوقع ازدياده بعد وقف تصدير النفط الإيراني.

ما الذي تعنيه هذه العقوبات على الاقتصاد الإيراني؟

إن مدى اعتماد الاقتصاد الإيراني على صادرات النفط، ليس في غاية الوضوح، لكن بـ"فضل" الاستثناءات الأميركية لثمانية دول من العقوبات في حال أرادوا شراء النفط من إيران، فإنها تمكنت من تصدير 1.7 مليون برميل يوميا، في آذار/ مارس الماضي، وفقا لوكالة "إس أند بي غلوبال بلاتس" المتخصصة بالنفط.

 ورغم معارضة الصين أكبر مستورد للنفط الإيراني، وتركيا، القرار الأميركي إلا أن الاقتصاد الإيراني لا يزال على المحك.

ونبه المحلل الاقتصادي في مجلة "ذي ويك" الأميركية، جيف سبروس، من أن إيران، كأي دولة نامية ومتوسطة المستوى التي تحتفظ باحتياطات كبيرة من الموارد الطبيعية، فإن اقتصادها لا يتمتع بالاكتفاء الذاتي، فهي تستورد الكثير من المواد الغذائية والطاقة والأدوات الإلكترونية المتقدمة والسلع الاستهلاكية، مثل السيارات والمركبات الأخرى والمضخات والثلاجات والمحركات والتوربينات وغيرها.

(أ ف ب)

ولفت سبروس إلى أن مدى اعتماد إيران على هذه الواردات ليس واضحا، لكنها تدعي أنها تمكنت من خفض استيراد المواد الغذائية عام 2017، إلى 20 بالمئة فقط، وذلك عندما كانت تمر في مرحلة انتعاش اقتصادي بعد الاتفاق النووي عام 2015، الذي أزال عنها العقوبات الأميركية الشديدة، لكن عقوبات ترامب، أشد بكثير من التي فرضتها إدارة سلفه باراك أوباما.

وقد يشكل "تصفير" الصادرات النفطية الإيرانية، ضربة للواردات لأن إيران تدفع ثمن وارداتها باستخدام الدولار الأميركي، ونظرا لأن معظم دول العالم تستخدم الدولار بتجارتها الدولية، فيتعين على إيران الحصول على كمية دولارات كافية لشراء هذه البضائع، وهذا يحصل عن طريق التصدير.

وذلك قد يشكل أزمة بالنسبة للاقتصاد الإيراني، خصوصا أن النفط الخام شكل 72 بالمئة من الصادرات الإيرانية عام 2017، ما يعني أن إيران تعتمد على النفط كمصدر أساسي للدخل وللحصول على الدولارات، ومع التضييق على صادرتها النفطية فإن ذلك سوف ينعكس على وارداتها (بما في ذلك المواد الغذائية).

وانخفضت الصادرات النفطية الإيرانية في شباط/ فبراير الماضي، بنحو 60 بالمئة مما كانت عليه قبل العقوبات الأميركية عام 2018، ومع إلغاء الولايات المتحدة للإعفاءات، والتي لم تعلن عن موعدها بعد، فإن ذلك سيؤدي إلى انخفاض حاد آخر في صادرات النفط الإيراني.

ما هي نتائج العقوبات حتى الآن؟

بدأ الإيرانيون بالشعور بعواقب العقوبات الوخيمة، منذ إعلانها العام الماضي، حيث ارتفع التضخم في أسعار جميع البضائع والخدمات بنحو 47.5 بالمئة خلال بضعة أشهر فقط، وبلغ التضخم في أسعار المواد الغذائية والدواء أكثر من 73.3 بالمئة.

وذكر سبروس أنه بمجرد ما تُصبح إيران غير قادرة على الاستيراد ما يكفيها من هذه الضروريات، فإن قدرتها على العرض تنخفض مقارنة بالطلب المحلي، وهذا يرفع من أسعار هذه المواد الأساسية بالريال الإيراني. ما يؤدي إلى ارتفاع أسعار كل شيء.

وانهار سعر صرف الريال في السوق السوداء، حيث أصبح سعر الدولار الأميركي الآن 120 ألف ريال، وتحاول إيران الحفاظ على سعر الصرف الرسمي عند 42 ألف ريال لكل دولار، لكن هذه السياسة تتطلب بيع دولارات لبقية العالم، وكيف لها أن تحصل على القدر الكافي من العمل الأميركية دون تصدير نفطها؟

ما هي الحلول المطروحة أمام إيران؟

في حال لم تتمكن العقوبات الأميركية من إخضاع إيران لتنفيذ مطالبها المنحازة لإسرائيل والسعودية والإمارات بشكل أساسي، فيمكنها تجاوز هذه العقوبات جزئيا، عبر تهريب صادرات النفط عبر الدول والمناطق المجاورة، فليس للولايات المتحدة القدر ذاته من السيطرة على هذا النوع من التجارة "غير الرسمية"، كما لديها في التجارة الدولية.

وتبحث الدول الغربية التي رفضت الخروج من الاتفاق النووي، عن طرق للتجارة مع إيران تتجاوز استخدام الدولار الأميركي، لكن مدى نجاح هذه الخطوات قد يكون محط شك، خصوصا مع القوة الاقتصادية الهائلة للولايات المتحدة، ونفوذها العالمي.

ما الذي ستجنيه الولايات المتحدة من زيادة العقوبات؟

اتخذت إيران إجراءات ردا على العقوبات الأميركية، كالإعلان عن الجيش الأميركي "منظمة إرهابية" في مقابل الإعلان الأميركي عن الحرس الثوري الإيراني بالمثل، وهددت باتخاذ أخرى كإغلاق مضيق هرمز، أحد الممرات الملاحية المهمة لنقل النفط في الخليج العربي، لكنها كانت قد أعلن تهديدات مماثلة في الماضي دون أن تطبقها.

وأعلنت إيران اليوم، أن "حلم" الولايات المتحدة بتقليص صادرات النفط الإيرانية إلى الصفر، سيبقى حلما غير قابل للتحقق، مؤكدا أن محطات الطاقة ومصانع البتروكيماويات سوف تواصل تنفيذ أنشطتها دون أي قيود.

وقال وزير النفط الإيراني بيجن نامدار زنكنة،  إن العمل في مجال صفقة الغاز الطبيعي التي أبرمت مع تركيا جاري على قدم وساق. وقد جرى مؤخرا التوقيع على اتفاقيتين بقيمة 60 مليون متر مكعب من الغاز الطبيعي مع العراق. إضافة إلى اتفاقيات مع أرمينيا وأذربيجان. أمّا الاتفاقية الموقعة مع باكستان لم تتمكن إيران من تنفيذها بسبب الضغوط التي تمارسها الولايات المتحدة وبعض الدول في المنطقة.

وقبل العقوبات الأميركية كانت إيران ثالث أكبر منتج للنفط الخام في منظمة الدول المصدرة للنفط "أوبك"، فيما تراجعت حاليا إلى المرتبة الرابعة بعد السعودية والعراق والإمارات.

وأصدرت صحف عالمية تحليلات كثيرة للتأثير السلبي لـ"تصفير" صادرات النفط الإيرانية، على تجارة "النفط" حول العالم، والتي تلخصت بعدّة أمور أهمها ارتفاع حاد بأسعار النفط، والذي سوف يؤثر بشكل أساسي على دول آسيوية تعتمد بشكل كبير على النفط الإيراني مثل الصين وتركيا والهند كوريا الجنوبية واليابان.

مع ذلك، فإن سبروس أشار إلى أن العقوبات قد لا تكون مثمرة بالنسبة للولايات المتحدة، فنادرا ما تستجيب الدول للمعوقات الاقتصادية التي تفرضها دول كبرى، ما يعني أن ذلك قد يزيد من "تطرف" إيران باتجاه رفض التنازل لإدارة ترامب.

وذلك قد يعني أن إيران قد تتحمل هذه الضربة بكل ما لها من قوة في انتظار الانتخابات الرئاسية الأميركية المُقبلة عام 2020، على أمل أن يفشل ترامب بالوصول إلى كرسي الرئاسة مرّة أخرى.

التعليقات