التجارة الإلكترونيّة تزدهر بفضل جائحة "كورونا"

ساهمت جائحة فيروس كورونا المستجد وما استتبعته من تدابير إقفال وحجر منزلي في ترسيخ التجارة الإلكترونية كجزء من العادات الاستهلاكية، مما يستلزم تحوّلًا قسريًا في النموذجات الاقتصادية القائمة، قد يؤدي إلى صرف كثر من وظائفهم.

التجارة الإلكترونيّة تزدهر بفضل جائحة

توضيحية (Pixabay)

ساهمت جائحة فيروس كورونا المستجد وما استتبعته من تدابير إقفال وحجر منزلي في ترسيخ التجارة الإلكترونية كجزء من العادات الاستهلاكية، مما يستلزم تحوّلًا قسريًا في النموذجات الاقتصادية القائمة، قد يؤدي إلى صرف كثر من وظائفهم.

ويختصر ما حصل يوم 18 آب/أغسطس هذا الواقع رمزيًا بطريقة كاريكاتورية إلى حدّ ما، إذ أعلنت سلسلة متاجر التجزئة البريطانية "ماركس أند سبنسر" أنها ستستغني عن سبعة آلاف موظف، قبل ساعات من إعلان مجموعة "أمازون" العملاقة للتجارة عبر الانترنت توظيف 3500 شخص في الولايات المتحدة. وقد شهد فصل الصيف الكثير من الإعلانات المماثلة التي كان لها وقعٌ مدوّ في سوق العمل وخصوصًا في بريطانيا.

فسلسلة متاجر "دبنهامز"، التي تقدمت في نيسان/أبريل الفائت بطلب لإشهار إفلاسها، ستصرف 2500 موظف، فيما ستلغي "جون لويس" 1300 وظيفة و"سيلفريدجز" 450. وستسرّح سلسلة صيدليات "بوتس" 4000 موظف.

توضيحية (Pixabay)

وفي المقابل، أعلنت شركة "تيسكو" استحداث 16 ألف وظيفة جديدة لمواكبة النمو الكبير لنشاطاتها عبر شبكة الإنترنت.

ولاحظ خبير التوزيع في شركة "ألفاريز أند مارسال" الاستشارية في مجال تحوّل الشركات، هيرفيه جيلغ، أن "التجارة الرقمية، رغم كونها موجودة منذ مدة طويلة، تشهد بوضوح شديد تسارعًا كبيرًا جدًا".

ويصبّ ذلك في مصلحة الشركات التي تشكل الأعمال عبر الإنترنت جزءًا كبيرًا أصلًا من نشاطها.

ومن هذه الشركات "أمازون" طبعًا التي ضاعفت ربحها الصافي في الفصل الثاني من السنة الجارية، إضافة أيضًا إلى "زالاندو" الألمانية لبيع الألبسة الجاهزة عبر الإنترنت، إذ زادت قاعدة مستهلكيها بنسبة 20 في المئة في الفصل الأول من السنة لتصل إلى 34 مليون مستهلك فاعل.

كذلك حققت سلسلة متاجر التجزئة "وولمارت" نتائج فاقت التوقعات رغم أنها ليست الوحيدة الناشطة على الإنترنت في القطاع، إذ أحسنت الإفادة من نهضة التجارة الإلكترونية في الولايات المتحدة، ومن المساعدات التي قدمتا الحكومة للاستهلاك.

يعود ذلك ببساطة إلى أن "حجم التجارة الإلكترونية زاد بنسبة 41 في المئة في ثلاثة أشهر فحسب"، على ما كشفت شركة "كانتار" لدراسات السوق في تموز/يوليو الفائت. وأشارت إلى أن "معدّل حصّة التجارة الإلكترونية من السوق ارتفع من 8,8 في المئة إلى 12,4 في المئة في بريطانيا وإسبانيا والصين". وباتت التجارة عبر الإنترنت في الصين تشكّل "ربع الإنفاق على المنتجات ذات الاستهلاك الواسع".

وأوضح جيلغ أن هذا التطور كان بدأ قبل أن تشلّ جائحة كوفيد-19 الاقتصاد العالمي، لكنّ الهبوط المفاجئ للحركة بفعل تدابير الحجر أثر سلبيًا بشكل كبير على متاجر المواد غير الغذائية "التي تعوّل كثيرًا على نقاط البيع الميدانية".

وقال المدير المشارك لشركة "بوسطن كونسالتينغ غروب" الاستشارية، ستيفان شارفيريا، إن هذا الوضع غير المسبوق "جعل كل الجهات المعنية بتجارة التجزئة تدرك أن من الضروري جدًا أن تكون حاضرة على الإنترنت وقادرة على المنافسة قدر الإمكان".

وأضاف "حتى الشركات المجهزة جيدًا للتجارة عبر الإنترنت اكتشفت أنها غير مؤهلة، لا كمًّا ولا نوعًا، لمواكبة" الزيادة الكبيرة في الطلب بفعل الظروف الناجمة عن الجائحة.

ورأى شارفيريا أن تطوير الشركات قدرتها في مجال التجارة الإلكترونية "يستلزم إمكانات واستثمارات كبيرة"، في وقت عانى بعض هذه الشركات تراجعًا كبيرًا في قدراته المالية. وإذا كانت المبالغ ستستثمر لتعزيز الحضور الإلكتروني، فهي لن تستخدم أيضًا لتطوير شبكة المتاجر الميدانية.

وفي تموز/يوليو الفائت، طالب مجلس التجارة الفرنسي الحكومة بتخفيضات ضريبية لتمكين الشركات من الاستثمار في المجال الرقمي.

وهذه التحولات ستحصل كذلك تحت ضغط الشركات العالمية الكبرى التي رسخت أصلًا حضورها على الإنترنت، ومنها "أمازون".

ورأى شافيريا أن "مواجهة المنصات الكبيرة تشكّل تحديًا كبيرًا جدًا، ولكنّ على تجار التجزئة، حتى لو لم تكن لديهم الإمكانات لمواجهة هذه المنصات بشكل مباشر، أن يفكروا بوضع خطط تتعلق" بتعزيز الحضور على الإنترنت، ومنها مثلًا إقامة "تحالفات"، ومنها ما هو مع هذه المنصات نفسها.

أما جيلغ فاعتبر أن شبكة المتاجر الميدانية قد يشكّل عنصر قوة. فالسياح، عندما سيعودون، سيرغبون في التعريج على المحال الشهيرة. وفي استطاعة المتاجر أن تستمر في الرهان على "الأصالة" لجذب الزبائن، وهو عنصر لا توفره التجارة الإلكترونية.

التعليقات