الدولار الأميركيّ واليوان الصينيّ: الحرب الاقتصاديّة التي ستؤثّر في معظم اقتصادات العالم

الدولار الأميركيّ واليوان الصينيّ: الحرب الاقتصاديّة التي ستؤثّر في معظم اقتصادات العالم

(Getty)

في الثالث من نيسان/ أبريل الماضي، أعلنت البرازيل والصين عن اتّفاق جديد، يفضي إلى استخدام العملتين المحلّيّتين في التبادل التجاريّ فيما بينهم، وذلك في خطوة جديدة نحو التخلّي عن الدولار الأميركيّ.

وجاء هذا الاتّفاق، خلال منتدى أعمال صيني برازيليّ عُقد في بكين، وذلك ضمن سلسلة من الاتّفاقيّات السابقة للتعامل بالعملات المحليّة، حيث تستمرّ الصين بضمّ المزيد من الدول التي تتعامل باليوان الصينيّ والعملات المحليّة الأخرى في التجارة الخارجيّة، وهو ما يعتبر ضربة كبيرة للاقتصاد والدولار الأميركيّ.

ولطالما كان لهيمنة الدولار الأميركيّ تأثير كبير على مكانة الولايات المتّحدة في العالم والاقتصاد العالميّ، وفي حين أنّ وضع الدولار الأميركيّ كعملة احتياطيّة في العالم غير مضمون، إلّا أنّه لا يزال العملة الأكثر استخدامًا في المعاملات الدوليّة، ولا يزال الاقتصاد الأميركيّ هو الأكبر والأكثر استقرارًا في العالم، ومع ذلك، فإنّ صعود العملات الأخرى، وخاصّة اليوان الصينيّ، والمخاطر المرتبطة بهيمنة الدولار الأميركي، مثل العجز التجاريّ المزمن والاختلالات الاقتصاديّة العالميّة، تعني أنّ الولايات المتّحدة لا يمكن أن تأخذ هيمنتها الاقتصاديّة كأمر مسلّم به.

ومن المعروف أنّ أحد الأسباب الرئيسيّة لقوّة الولايات المتّحدة وهيمنتها على العالم، هو قوّتها الاقتصاديّة والعسكريّة، ومكانة الدولار كعملة احتياط، وخلال السنوات الأخيرة، بدأ الحديث حول سقوط الدولار الأميركيّ، والعواقب التي سيواجهها الاقتصاد العالميّ جراء هذا السقوط.

وبدأ وضع الدولار الأميركي كعملة احتياطيّة في العالم بعد الحرب العالميّة الثانية، وذلك ضمن اتّفاقيّة بريتون وودز، حيث حدّدت الاتّفاقيّة الدولار الأميركي كعملة احتياطيّة للعالم، وربطته بسعر الذهب، ممّا سمح للدول باستبدال دولاراتها بالذهب بسعر ثابت، واستمرّ هذا الوضع حتّى السبعينيّات، عندما أنهت الولايات المتّحدة قابليّة تحويل الدولار إلى الذهب.

وعلى الرغم من فكّ الارتباط بالذهب، فقد ظلّ الدولار الأميركي هو العملة الاحتياطيّة العالميّة، حيث تحتفظ العديد من الدول بمبالغ كبيرة من الدولار الأميركي في احتياطيّاتها من العملات الأجنبيّة، وقد أعطى هذا للولايات المتّحدة قوّة اقتصاديّة كبيرة، ممّا سمح لها باقتراض الأموال بأسعار فائدة منخفضة وتمويل إنفاقها الحكوميّ دون مواجهة القيود نفسها الّتي تواجهها البلدان الأخرى.

ومع ذلك، فإنّ الهيمنة العالميّة للدولار الأميركي كان لها أيضًا عواقب سلبيّة، فمن ناحية، أدّى ذلك إلى عجز تجاريّ مزمن، حيث إنّ الدول الأخرى مستعدّة للاحتفاظ بالدولار الأميركي والاستثمار في الأصول الأميركيّة، عوضًا عن شراء السلع والخدمات الأميركية، وقد ساهم هذا في تراجع التصنيع الأميركيّ وفقدان الوظائف في الولايات المتّحدة.

وبحسب خبراء، فقد أدّى التأثير العالميّ للدولار الأميركي أيضًا إلى اختلالات كبيرة في الاقتصاد العالميّ، حيث راكمت بعض الدول مبالغ كبيرة من الدولارات الأميركيّة في احتياطيّاتها، بينما يواجه البعض الآخر انخفاضًا مزمنًا في قيمة العملات، وقد ساهمت هذه الاختلالات في عدم الاستقرار الاقتصاديّ العالميّ، كما رأينا في الأزمة الماليّة الآسيويّة في التسعينيّات والأزمة الماليّة العالميّة لعام 2008. وكان للهيمنة العالميّة للدولار الأميركيّ أيضًا عواقب سياسيّة، وهو ما سمح للولايات المتّحدة باستخدام النفوذ الاقتصاديّ لتعزيز أهداف سياستها الخارجيّة، وقد أدّى ذلك في بعض الأحيان إلى توتّرات مع دول أخرى، لا سيّما تلك الّتي تشعر أنّها مستهدفة بشكل غير عادل من قبل السياسات الاقتصاديّة الأميركيّة.

وتعدّ الصين الآن ثاني أكبر اقتصاد في العالم، وتتحدّى بشكل متزايد الهيمنة الاقتصاديّة للولايات المتّحدة، حيث تعمل بنشاط على الترويج لاستخدام اليوان كبديل للدولار الأميركيّ، لا سيّما في تجارتها مع الدول الأخرى.

وأظهرت بعض الدراسات أنّ التحوّل عن الدولار الأميركيّ قد يكون له عواقب اقتصاديّة كبيرة على الولايات المتّحدة والاقتصاد العالميّ، إذ وجدت إحدى الدراسات الّتي أجراها بنك التسويات الدوليّة (BIS) أنّ تراجع هيمنة الدولار الأميركيّ يمكن أن يؤدّي إلى زيادة كبيرة في عدم الاستقرار الماليّ العالميّ، ووجدت الدراسة أنّ تراجع هيمنة الدولار قد يؤدّي إلى زيادة تقلّبات العملة وتراجع الطلب على الأصول الأميركيّ، ممّا قد يؤدّي إلى ارتفاع حادّ في أسعار الفائدة وتراجع في النموّ الاقتصاديّ العالميّ.

وبحسب خبراء، فإنّ تراجع الدولار الأميركيّ، سيؤدّي بالضرورة إلى تراجع النفوذ الجيوسياسيّ للولايات المتّحدة الأميركيّة، ورغم هذه التحذيرات، يناقش بعض الاقتصاديّين بأنّ وضع الدولار الأميركيّ كعملة احتياطيّة للعالم آمن في المستقبل المنظور، ويستندون في ادّعائهم إلى أنّ الدولار يعتبر العملة الأكثر استخدامًا في التعاملات الدوليّة، بالإضافة إلى أنّ معظم احتياطات الدول في العالم محفوظة بالدولار.

وسلّطت جائحة COVID-19 الضوء على بعض المخاطر المرتبطة بهيمنة الدولار الأميركيّ، حيث أدّى الوباء إلى زيادة كبيرة في الطلب العالميّ على الدولار الأميركيّ، حيث سعى المستثمرون إلى أصول الملاذ الآمن خلال الاضطرابات الاقتصاديّة، وأدّى ذلك إلى نقص في الدولار الأميركيّ في بعض أجزاء العالم، لا سيّما في الأسواق الناشئة، الّتي تكافح من أجل خدمة ديونها المقوّمة بالدولار.

التعليقات