ما هو الكساد الاقتصادي الذي غيّر وجه أميركا في عشرينات القرن الماضي؟

على الرغم من السياسات الّتي تمّ تنفيذها خلال فترة الكساد الكبير، استمرّت الأزمة لعقد من الزمان، حيث لم يتمّ تعافي الاقتصاد الأميركيّ بالكامل إلّا بعد اندلاع الحرب العالميّة الثانية، فلا يزال الكساد الكبير يمثّل دراسة حالة مهمّة للاقتصاديّين وصانعي السياسات

ما هو الكساد الاقتصادي الذي غيّر وجه أميركا في عشرينات القرن الماضي؟

(Getty)

بعد انهيار بنك "سيليكون فالي" وإعلان إفلاسه، يتوقّع كثير من الاقتصاديّين أن يكون لذلك تأثير الدومينو على بنوك أميركيّة أخرى، خاصّة مع التضخّم الحاصل في الولايات المتّحدة الأميركيّة، وما تلاه من رفع أسعار الفائدة، وتأثير ذلك على أسعار الأسهم، محذّرين من الدخول في موجة من التخبّط الاقتصاديّ، حيث عادت إلى الأذهان مجدّدًا فترة الكساد الاقتصاديّ، والتي كانت من أكبر الأزمات الاقتصاديّة في التاريخ، حيث تسبّبت في انتشار البطالة والفقر والاضطراب الاجتماعيّ، ولا يزال الاقتصاديّون يناقشون أسباب الكساد الكبير، لكن من المتّفق عليه عمومًا أنّ سبب الكساد الكبير هو مجموعة من العوامل، بما في ذلك انهيار سوق الأسهم، والإفراط في إنتاج السلع، والازدهار الائتمانيّ.

وعلى الرغم من السياسات الّتي تمّ تنفيذها خلال فترة الكساد الكبير، استمرّت الأزمة لعقد من الزمان، حيث لم يتمّ تعافي الاقتصاد الأميركيّ بالكامل إلّا بعد اندلاع الحرب العالميّة الثانية، فلا يزال الكساد الكبير يمثّل دراسة حالة مهمّة للاقتصاديّين وصانعي السياسات.

ونتج الكساد الكبير عن مجموعة متنوّعة من العوامل الاقتصاديّة. كان أحد الأسباب الرئيسيّة هو انهيار سوق الأسهم في عام 1929، وكان هذا الانهيار ناتجًا عن فقّاعة مضاربة في سوق الأوراق الماليّة، والّتي غذّتها زيادة في شراء الهامش، وعندما بدأ السوق في الانخفاض، أصيب المستثمرون بالذعر، وبدأوا في بيع أسهمهم، ممّا تسبّب في تأثير الدومينو الّذي أدّى إلى انهيار كامل.

وسبب آخر للكساد العظيم كان الإنتاج المفرط، فخلال عشرينيّات القرن الماضي، كانت الشركات الأميركيّة تنتج سلعًا أكثر ممّا يمكن للمستهلكين شراؤه، وأدّى ذلك إلى فائض في المنتجات وانخفاض في الأسعار، ومع انخفاض الأسعار، اضطرّت الشركات إلى خفض الإنتاج وتسريح العمّال، ممّا أدّى بدوره إلى انخفاض الطلب بشكل أكبر، وعلى إثر ذلك ارتفعت معدّلات البطالة، وبلغت ذروتها عند حوالي 25٪ في عام 1933. فقد العديد من الناس منازلهم وأجبروا على العيش في مدن الصفيح المعروفة باسم هوفرفيل، وزاد عدد الأشخاص الّذين لا مأوى لهم في أميركا بشكل كبير، وأصبحت مطابخ الحساء وخطوط الخبز من المعالم السياحيّة الشائعة في المدن في جميع أنحاء البلاد.

وكان للكساد الكبير أيضًا تأثير كبير على الحياة الأسريّة، حيث تمزّقت العديد من العائلات بسبب الأزمة، إذ غادر الرجال منازلهم بحثًا عن عمل، وكافحت النساء لإبقاء أسرهنّ واقفة على قدميها، وانخفض معدّل المواليد بشكل حادّ، وأرجأ العديد من الشباب الزواج وتكوين الأسرة.

بالإضافة إلى تأثيره على الأفراد والعائلات، كان للكساد العظيم عواقب سياسيّة وثقافيّة بعيدة المدى، حيث أدّى ذلك إلى صعود الحركات الشعبويّة، مثل حركة Share Our Wealth بقيادة عضو مجلس الشيوخ عن ولاية لويزيانا هيوي لونغ، والحزب الشيوعيّ في الولايات المتّحدة الأميركيّة، كما مهّد الطريق للصفقة الجديدة، وهي سلسلة من الإصلاحات والبرامج الحكوميّة المصمّمة لمعالجة الأزمة.

وكانت قد أجريت العديد من الدراسات حول الكساد الكبير، سواء من حيث أسبابه، أو من حيث السياسات المطبقة لمواجهته، وإحدى الدراسات المؤثّرة هي "أسباب الكساد الكبير: استعاديّة"، التي أجرتها الخبيرة الاقتصاديّة كريستينا رومر. في هذه الدراسة، تبحث رومر في العامل الرئيسيّ الّذي أدّى إلى الكساد الكبير كان الانكماش في المعروض النقديّ، والّذي نتج جزئيًّا عن قرار مجلس الاحتياطيّ الفيدراليّ برفع أسعار الفائدة استجابة للمخاوف بشأن التضخّم.

وفيما يتعلّق بالسياسات الّتي تمّ تنفيذها لمواجهة الكساد الكبير، فإنّ إحدى الدراسات الّتي حظيت بقدر كبير من الاهتمام هي "الصفقة الجديدة في عام 2003: مخطّط لمجتمع عادل؟" والتي أجراها الاقتصاديّ المعروف ديفيد إم كينيدي، حيث توصّل إلى أنّ الصفقة التي عقدتها الحكومة الأميركيّة كانت محدودة في قدرتها على معالجة القضايا الهيكليّة الأساسيّة التي أدّت إلى الكساد الكبير، وأنّ الحكومة لم تفعل ما يكفي لمعالجة قضايا عدم المساواة والعدالة الاجتماعيّة.

التعليقات