31/10/2010 - 11:02

احتلال زائل وشعب باق لا يموت / ايمن ابوجبل

احتلال زائل وشعب باق لا يموت / ايمن ابوجبل
تسعة وخمسون عاماً مضت من مسيرة شعبنا الخالدة في صنع الحرية والعزة والافتخار .. تسعة وخمسون عاماً هي لا شيء في عمر البشرية، لكنها تعني لنا نحن السوريين الكثير الكثير من المعاني والمفاهيم والقيم وكل الكلمات التي قيلت، وتلك التي لم يقلها شعبنا بعد، فهي ذكرى غالية على قلوب السوريين، نستحضر فيها أولئك الرجال الأشداء في وقت الشدائد؛ عشرات آلاف الشهداء منهم، والمجاهدين الذين حملوا أرواحهم معزوزة مكرمة إلى المجد والخلود، في سبيل أن نحيا نحن أحفادهم بعزة وكرامة وكبرياء.

تسعة وخمسون عاماً وشعبنا يحيي عرساً وطنياً، نلتئم حوله ونغنى قصص البطولة والتضحيات، وكل منا يستحضر حكايات الأجداد والآباء. ومن منا لا يحمل قصة واحدة في ذاكرته قصها من تبقى حياً من الثوار والمجاهدين صناع استقلال سورية؟ من منا لم يقرأ تاريخ المجاهدين ومآثرهم في معارك مجدل شمس وراشيا والقنيطرة وبانياس والسكرة؟ من منا لم يسمع جده يحكي قصة من قصص المجاهد اسعد كنج واحمد مريود والمجاهد حسن شمس واسعد الجوهري، وعشرات الحكايا التي تخلد هذا اليوم المجيد من تاريخ شعبنا؟

حقاً، لقد صنع هذا النصر على أكتاف وأجساد الفلاحين العرب السوريين، وبناتهم وزوجاتهم وأولادهم، وكل من أرضه وموقعه، متسلحين بالإرادة والإيمان والقناعة. والشعار الوطني الذي حملوه عالياً فوق بنادقهم وسيوفهم هو تحرير الوطن من الاستعمار الفرنسي، وانتزاع الاستقلال الوطني دون تفريط بحبة تراب واحدة من ارض سورية.

عيد الجلاء، هو يوم عظيم، وهو عرس وطني نجتمع حوله، دون مواقف وأهداف، دون ضغائن وأحقاد. نجتمع أفراداً، لنشكل هذا النسيج الوطني الاجتماعي الإنساني، إكراماً وإجلالاً للذين مضوا على مذابح الحرية وأعواد المشانق ودروب الاستقلال، في الغوطة والسويداء والمزرعة ومجدل شمس وجبل الزاوية وسهل الغاب ودمشق. نجتمع مستحضرين هذه القافلة المحملة زهواً وعطراً وكبرياء وطنياً. نستحضر يوسف العظمة ورفاقه في ميسلون، وسلطان باشا الأطرش في جبل العرب الأشم. نستحضر إبراهيم هنانو وصالح العلي وحسن الخراط وعبد الرحمن شهبندر، وعشرات الآلاف غيرهم كانوا هنا. كانت دمائهم تروي كل بقعة من ارض سورية الحبلى بثورة الحرية والاستقلال والعدالة الاجتماعية.

عيد الجلاء ليس يوماً ككل الأيام العابرة في تاريخنا الاجتماعي والسياسي في الجولان السوري المحتل. فهو ليس يوم عطلة وإضراب اعتيادي وتقليدي، ومهرجاناً احتفالياً على خط وقف إطلاق النار نشارك فيه جزئنا المكمل الآخر من أبناء شعبنا ووطننا، وإنما هو يوم للوجدان، فيه كلمة وصوت وصورة من ماضي عريق مجبول بالدماء والبكاء والأحزان والآلام. هو يوم يعيد لحاضرنا المعتم شيئاً من نور الماضي، لنستكمل الطريق، طريق أولئك الذين زرعوا الأمل فينا، وامتشقوا إيمانهم سلاحاً في مواجهة أعتى القوى العسكرية الغاشمة التي ربضت فوق أرض وطننا الغالي خمسة وعشرين عاماً، تحول فيها الوطن إلى إقطاعية فرنسية، يتقاذفها جنرالات الحرب والاستعمار، وعرابي الجرائم وعمليات الاغتيال من أركان الحكم الاستعماري الفرنسي، الذين يتجددون اليوم وفي خطاب أحفادهم السياسي، لإعادة عجلة التاريخ إلى الوراء، والنيل من استقلال الوطن الغالي، وسيادته وحريته وكرامته؛ التي دفع أبنائه ثمنها بالغالي والنفيس في الأرواح والأجساد، غير آبهين بالعبر القاسية التي وجهها لأجدادهم أجدادنا البواسل، في سبيل عزة الوطن وحياة حرة كريمة لأجياله. وكما تركوا بصماتهم خالدة في تاريخنا، سيترك الجولانيون، طال الزمن أم قصر، بصمات تشبثهم في أرضهم ودفاعهم عنها، وكسر مؤامرة ضمها وسلخها عن جذورها السورية والعربية. ولن تجدي محاولات الإكراه والتهديد والإغراء في تبديل الانتماء وتغير الهوية، لأن شعبنا السوري في الجولان يحمل في جذوره سر هذا الانتماء الذي لن تستطيع قوة اختراقه.

فهل تدرك أجيالنا قيمة هذا اليوم الجليل في تاريخ شعبنا؟ وهل نعي ونثق نحن أن يوم جلاء المستعمر الفرنسي عن أرضنا السورية الغالية قبل تسعة وخمسين عاماً هو حتمية تاريخية وسياسية لجلاء قوات المحتل الإسرائيلي عن الجزء المحتل من أرضنا السورية في الجولان؟ فليس من ظلم خالد، وليس من احتلال باق، وليس هناك قيود وأغلال إلا وتكسرت، ووحده شعبنا بقي حياً وخالداً، منذ أن سكن الإنسان السوري أرضنا قبل أكثر من ثمانية آلاف عام مضت. فنحن الورثة الشرعيين لكل أولئك الذين كتبوا اسم سورية في كل اللغات، وفي كل الحضارات الإنسانية الخالدة، منذ الفينيقيين الأوائل ولغاية صناع المجد العربي السوري في الجولان المحتل، وروابي دمشق، ونواحي حلب وحماة ودير الزور، وجبل العرب الأغر، والقامشلي والحسكة. فمنذ بداية القرن العشرين , تتوالى المؤامرات على شعبنا وأمتنا، بدءاً من مؤامرة سايكس بيكو التي فرضت واقعاً دولياً ومحلياً ما زلنا نعاني أضراره ومخاطره، في تجزئة بلاد الشام إلى دول وأقطار "سيادية"، وتغذية المشروع الاستعماري في اقتطاع أرض فلسطين وإقامة دولة يهودية على التراب الوطني الفلسطيني كأمر واقع لا يمكن تجاهله، وسلخ لواء إسكندرون بموجب مؤامرة تمت بين المستعمرين والأتراك، مروراً باحتلال ما تبقى من ارض فلسطين وأجزاء من سورية ولبنان، وليس نهاية بالمشروع الاستعماري الجديد "شرق أوسط جديد"، يستند في جوهره إلى سيناريو أمريكي إسرائيلي، بدأ العمل فيه على أرض الرافدين في العراق واحتلاله كلياً، لتخضع المنطقة إلى الهيمنة والفلك الأمريكي الإسرائيلي بالتهديد، وإثارة الفتن الطائفية والعرقية تارة وتوجيه ضربات عسكرية وعقوبات اقتصادية تارة أخرى. ناهيك عن زرع حالة تمهد للاقتتال العربي العربي ووضع الحلول والقرارات للازمات العربية دون استشارة أو إذن من مؤسساتهم الرسمية والشرعية، وليس انتهاءً بكيل الاتهامات إلى سورية ومعاقبتها وعزلها تمهيداً لإفراغ دورها الوطني والقومي في دعم وإسناد القضايا العربية المصيرية.

رحم الله المفكر القومي السوري أنطون سعادة الذي نفتقر أمثاله اليوم حين قال: "إن أول ما يجب جعله قاعدة التفكير الصحيح في قضية خطيرة كقضية استقلال أمة من الأمم, أن هذه القضية لا تتأسس على وعود صادقة أو وعود كاذبة من قبل دولة أو دول أخرى. إنها قضية إرادة الأمة وهذه الإرادة هي أساسها وشرطها الذي لا وجود لها دونه".

التعليقات