25/07/2018 - 18:11

السياسة في أوسكار: من "راشمون" حتّى "آخر الرجال في حلب"

السياسة في أوسكار: من

ساشين ليتل فيذر لدى حديثها عن رفض مارلون براندو تسلّم جائزة الأوسكار

 

لطالما كان الفنّ على علاقة وثيقة بالسياسة والدول، سواء أَمستخدَمًا كان من قِبَل الدولة؛ لتمرير "أيديوليجيّات" بعينها وترسيخها لدى الناس، أم مستخدَمًا ضدّها كاعتراض صريح أو مبطّن من صانعيه، تجاه الدولة أو نظامها أو سياساتها العامّة.


الأوسكار

جائزة الأوسكار أرفع الجوائز السينمائيّة وأهمّها في العالم، وتمنحها "أكاديميّة فنون الصور المتحرّكة وعلومها"، وهي أكاديميّة فخريّة وليست تعليميّة، تأسّست في 11 مايو 1927 في كاليفورنيا في الولايات المتّحدة، وتضمّ هذه أكثر من 6000 عضو مختصّ بالفنون السينمائيّة، منهم لجنة تصويت ضخمة تتكوّن من 5816 عضوًا، من بينهم 1311 ممثّلًا وممثّلة.

يُنظّم حفل توزيع الأوسكار، عادةً، في صالة مسرح كوداك في مدينة لوس أنجلوس - كاليفورنيا، ويُعَدّ هذا الحدث من الأحداث الّتي تحظى بتغطية إعلاميّة واسعة، وبمشاركة الكثير من الشركات الكبرى الّتي تحاول استخدام ليلة الحفل؛ لترويج منتوجاتها من الملابس والزينة، ويُستغلّ الحفل أحيانًا للتعبير عن آراء سياسيّة مثيرة للجدل، من قِبَل الحائزين على جوائز الأوسكار.

 

2018

استغلّ عدد من الفنّانين حفل أوسكار هذا العام، لبثّ آرائهم السياسيّة في أكثر القضايا تفاعلًا ووهجًا في الولايات المتّحدة، ألا وهي سياسات دونالد ترامب والمتطرّفين الأميركيّين، واستغلّت إدارة جائزة الأوسكار المهرجان مرّةً أخرى هذا العام، لتبييض صفحاتها في محاولاتها لتجنّب أيّ انتقادات أو هفوات سياسيّة أو اجتماعيّة؛ فقد ضمّت ضمن ترشيحاتها فيلمًا وثائقيًّا من رحم المعاناة السوريّة، "آخر الرجال في حلب"، واستضافت الطفلة السوريّة بانا العابد، الّتي كانت تدوّن أحداث المعارك في حلب من خلال تويتر، ذلك في ما يخصّ تغطية الجانب السياسيّ والإنسانيّ في أوسكار.

 

 الطفلة السوريّة بانا العابد خلال استضافتها في حفل الأوسكار عام 2018

 

في الجانب المجتمعيّ، عُلِّقَ على قضايا التحرّش الجنسيّ في الولايات المتّحدة، واستضافة جمعيّات مختصّة، ناهيك عن التركيز على موضوع حقوق ذوي البشرة السوداء من الفنّانين، الّذي ثار حوله جدل في الأعوام الماضية؛ فقد حاولت أوسكار تعزيز إنصافهم بفوز فنّانَين اثنين بالجائزة من ذوي البشرة السوداء لهذا العام بفئات جوائزها، كذلك - على ما يبدو - عارضت الأوسكار مرّة أخرى قرارات ترامب بعزل المكسيك، فكان الفوز حليفًا للفيلم المكسيكيّ "Coco"، عن فئة فيلم الرسوم المتحرّكة.

 

الأميركيّون الأصلانيّون

وبالعودة إلى تاريخ أوسكار؛ فإنّنا نجده حافلًا بالتدخّلات والمظاهر السياسيّة المتشابكة مع الفنّ، والطاغية على احتفالات توزيع الجوائز في مرّات عدّة:

ففي العام 1972 مثلًا، رفض الممثّل الشهير مارلون براندو الحصول على جائزة أفضل ممثّل، وقد حصل عليها للمرّة الثانية، بسبب موقف حكومة الولايات المتّحدة من السكّان الأميركيّين الأصليّين، وأرسل الممثّلة الأميركيّة الجنسيّة، "الهنديّة الحمراء"، القوميّة، ساشين ليتل فيذر، لتتسلّم الجائزة بدلًا عنه، في خطوة لإسماع العالم صوت السكّان الأصليّين الّذين عانوا التمييز العنصريّ، الّذي مارسته الإدارة الأميركيّة ضدّهم، وهي الّتي احتلّت أرضهم، وأقامت عليها دولة الولايات المتّحدة الأميركيّة. وكان من المُفترض أن تقرأ فيذر خطابًا من 15 صفحة كتبه براندو، إلّا أنّ مُنتج الحفل هدّدها بالطرد إن فعلت ذلك، فاكتفت بالإشارة إلى عدم قبول الممثّل الأمريكيّ مارلون براندو جائزة الأوسكار، بسبب الصورة الّتي تصوّرها عن السكّان الأصليّين من قِبَل صنّاع الأفلام. وتزامن ما حدث مع محاصرة قوّات أميركيّة مجموعة ناشطين من السكّان الأصليّين في قرية صغيرة، جنوبيّ ولاية داكوتا الشماليّة الأميركيّة.

 

 

وقال مارلون براندو عندما سُئل عن الموضوع، في مقابلة أُجريت معه بعد رفضه تسلّم الجائزة: "اعتقدت أنّها فرصة جيّدة؛ كي يتمكّن الهنود الأميركيّون من توصيل أصواتهم، وأن تُسمع هذه الأصوات، وأن تُبثّ آراؤهم إلى 85 مليون مشاهد حول العالم، لقد كان لديهم الحقّ في أن يوضّحوا ما فعلته فيهم هوليوود، وأعتقد أنّ ساشين قامت بعمل رائع، إلّا أنّهم لم يريدوها هناك، لم يريدوا أن يستمعوا إلى هذه الملاحظة الخاصّة بشأن الهنود الحمر"، وكان يقصد بالملاحظة الخاصّة؛ الخطاب الّذي تلته ساشين لدى تسلّمها الجائزة بدلًا عنه، ووضّحت فيه كيف يجري التفريق والتمييز العنصريّ بين الهنود والأميركيّين في الولايات المتّحدة. وحين ذكر جملة "لقد كان لديهم الحقّ في أن يوضّحوا ما فعلته فيهم هوليوود"؛ فإنّه بلا شكّ، يؤكّد بشكل قاطع علاقة السينما بالسياسة، وأنّ ثمّة تسييسًا ممنهجًا للفنّ، أو تجميلًا للسياسة من خلال الفنّ، وإضافة إلى ذلك؛ فلا ننس أنّ جائزة الأوسكار جائزة أميركيّة، وهذا ما جعل رفض براندو للجائزة فرصة ثمينة لإظهار موقفه من هذه القضيّة السياسيّة، وإحراج الدولة الأميركيّة، من خلال واحد من أكبر المحافل العالميّة.

يقول براندو: "لا أعتقد أنّ الناس تدرك ما فعلته صناعة السينما الأميركيّة بالهنود الأميركيّين، والأشخاص غير البيض، وجميع الأقليّات. لا تعاملوهم بهذه الطريقة، لا تظهروهم كالأغبياء؛ فإنّ ذلك يؤذيهم نفسيًّا، ويؤذي أطفالهم أكثر من أيّ شيء آخر؛ فإنّهم بذلك يكبرون بصورة سلبيّة عن أنفسهم، معتقدين بذلك أنّهم حثالة، وأنّهم أقلّ من الأميركيّين، وسيظلّ هذا الشعور يراودهم طوال حياتهم".

 

الصهيونيّة والفلسطينيّون

ولم يطل الأمد على الممثّلة البريطانيّة فانيسا ريدغريف بعد مارلون براندو، لتعبّر من خلال أوسكار عن موقفها من الصهيونيّة العالميّة؛ فقد حازت ريدغريف على جائزة الأوسكار عام 1978، عن فئة أفضل ممثّلة مساعدة في فيلم "جوليا"، وكانت ريدغريف قد عُرفت فيما سبق ذلك بمناصرتها القضيّة الفلسطينيّة، ومشاركتها في الفيلم الوثائقيّ "الفلسطينيّون" الداعم للقضيّة الفلسطينيّة؛ ما دفع مجموعات صهيونيّة أميركيّة للتحشّد أمام المسرح، وحرق صور ريدغريف، ويُذكر كذلك اعتراض آخرين من داخل الصالة على منح الجائزة لريدغريف، على الرغم من أنّ فيلم "جوليا" كان يصوّر الكفاح السرّيّ لليهود ضدّ النازيّة في ألمانيا.

 

 

قابلت ريدغريف الاحتجاجات ضدّها بخطابها المتّزن والمضادّ لمنتقديها؛ إذ وقفت وثبتت به على مواقفها، قالت: "أهدي هذا الفوز إلى كلّ المدافعين عن حقوق الإنسان، في كلّ مكان في العالم"، وخصّت الشعب الفلسطينيّ بالإهداء بعد ذلك، وتابعت وعلّقت على منتقديها والمعارضين منحها الجائزة، بل هاجمتهم أيضًا، وقالت لهم في خطابها: "إنّكم زمرة من السفّاحين، وقتلة الشعوب، وقطّاع الطريق".

 

تعليقات ومواقف

وكانت تعليقات ومواقف سياسيّة مرتبطة بدول مختلفة، في أوقات عدّة واحتفالات أخرى، وتحديدًا فيما يتعلّق بتدخّلات الولايات المتّحدة الأميركيّة في تلك الدول، أبرزها وأهمّها تدخّل الولايات المتّحدة في العراق، وشنّها حربًا ظالمة على هذا البلد، وهنا أسرد بعضًا من هذه التعليقات والمواقف.

 

أ. غزو العراق

في أثناء حفل توزيع جوائز أوسكار عام 2003، ندّد العديد من الفائزين بالحرب على العراق، ولا سيّما المخرج مايكل مور، الّذي حاز على جائزة أفضل فيلم وثائقيّ، وكان أبرز المعارضين للحرب ولسياسة الإدارة الأميركيّة آنذاك، واستغلّ خطاب تسلّمه الجائزة ليفصح عن موقفه ذلك؛ بتوجيهه رسالة إلى جورج بوش الابن، قائلًا: "نعيش في زمن يرسلنا رجل إلى الحرب لأسباب خياليّة"، ويختتم الخطاب صائحًا: "نحن ضدّ هذه الحرب، العار عليك يا سيّد بوش، نحن لا نريد تلك الحرب".

وفي ظلّ هذه الظروف الاستثنائيّة أيضًا، والصراعات، والعلاقات المتوتّرة بين البلدين، والدمار والخراب الّذي حلّ بالعراق، فاز فيلم "خزانة الألم"، للمخرجة كاثرين بيغلو، بستّ جوائز من أوسكار، وذلك في دورته الـثانية والثمانين عام 2010.

 

 

ويتناول الفيلم موضوع الحرب الأميركيّة على العراق، من خلال تتبّع فريق تابع لوحدة إبطال مفعول القنابل في جيش الولايات المتّحدة، في أثناء حرب العراق، وتُعَدّ بيغلو أوّل امرأة تحصل على جائزة أفضل مخرج. وتزامن فوز الفيلم مع مناقشات حول سحب القوّات الأميركيّة من الأراضي العراقيّة، بدأت منذ عام 2008، حتّى إعلان الرئيس الأميركيّ باراك أوباما، أنّ الحرب على العراق انتهت، في اليوم الأخير من عام 2011.


ب. ويكيليكس

عام 2015، شكرت الكاتبة لورا بويتراس - الّتي فاز فيلمها الوثائقيّ، "المواطن الرابع"، بجائزة الأوسكار - إدوارد سنودن، صاحب وثائق "ويكيليكس"؛ على شجاعته لكشف الوثائق الّتي تدين الولايات المتّحدة، وتكشف تجسّسها على عدد من البلدان والدول.


ت. "كوتا" للسود

منحت جائزة الأوسكار، الّتي انطلقت قبل نحو 90 عامًا، الجائزة، للمرّة الأولى، أحد أصحاب البشرة السوداء عام 2002؛ أي بعد 75 عامًا على انطلاق الجائزة، وكانت الممثّلة هال بيري الّتي حظيت بها، عن فئة أفضل ممثّلة رئيسيّة، وقالت لدى تسلّمها الجائزة: "هذه لحظة أكبر منّي كثيرًا، إنّ هذه الجائزة لكلّ امرأة مجهولة الهويّة، محرّرة من الألوان الّتي تمارس بها عنصريّة عليها؛ الباب قد فُتح اليوم".

وواجهت أكاديميّة السينما، خلال العامين السابقين لحفلة الأوسكار، كمًّا هائلًا من الانتقادات؛ لغياب فوز ذوي البشرة السوداء أو ذوي الأصول الإفريقيّة بالجائزة، وهي نادرًا جدًّا ما تحدث، ولا حتّى الترشيحات للجائزة؛ ونتيجةً لهذا الأمر، أعلن عدد من النجوم مقاطعتهم للأوسكار، بسبب سياسة الاختيار والترشيح للفوز بالجائزة، القائمة أساسًا على أهواء أعضاء لجنة التصويت في الجائزة وميولهم.

 

من تصاميم حملة Oscarssowhite#

 

وبناءً على ذلك؛ أطلق عدد من نجوم هوليوود حملة "الأوسكار البيضاء للغاية"، بقيادة النجم العالميّ جورج كلوني، والنجمة جادا بينكت، زوجة النجم ويل سميث، والممثّل البريطانيّ ديفيد أويلو؛ منتقدين اختيارات أعضاء الأكاديميّة، وليغرّدوا على وَسْم (هاشتاج) الحملة "#oscarssowhite".

في المقابل؛ واستجابةً للانتقادات اللاذعة الّتي وُجّهت إلى الأكاديميّة، وبعد اتّهامها بالعنصريّة العام الماضي؛ لخروج ذوي البشرة السوداء من ترشيحات الأوسكار، أعلنت إدارة الجائزة قبولها عضويّة 600 فرد ذوي بشرة سوداء؛ ليكونوا ضمن فريق المصوّتين على ترشيحات الجائزة؛ وليصبح بذلك مجمل المصوّتين لهذا العام 6687 فردًا، فضلًا عن إعلانها وضع نظام "الكوتة" للمرشّحين من ذوي البشرة السوداء.

وبدا واضحًا أنّ إدارة الأوسكار، قد أخذت في الحسبان ما حدث خلال العامين الماضيين، من احتجاجات ضدّ الجائزة والأكاديميّة؛ لتعلن في شهر كانون الثاني (يناير) من العام الماضي، 2017، ترشيح أعداد من ذوي البشرة السوداء، ضمن الفئات المختلفة للجائزة، وكان ثمّة 12 ترشيحًا لفنّانين سود، ممثّلين ومخرجين، من أفلام مختلفة، أبرزها "Moonlight" و"Fences" و"Hidden Figures".

وعلى الرغم من ذلك؛ وبّح الممثّل نيل باتريك هاريس، الّذي قدّم حفل الأوسكار السابع والثمانين العام الماضي، الأكاديميّة، على ترشيحاتها عند بدئه بتقديم الحفل، وقال مازحًا: "الليلة نكرّم أفضل العاملين في هوليوود وأكثرهم بياضًا"، ثمّ قال: "آسف ... أقصد ألمعهم".

وقد عكست هذه الدعابة إحصائيّات الترشيحات؛ إذ إنّه بعد فوز أكثر من 2900 مرشّح، تمكّن 31 فنّانًا فقط من ذوي البشرة السوداء من الفوز بالأوسكار.

 

 

وقد أرادت إدارة الجائزة بحسب مراقبين، أن يظهر لدى إعلان أسماء الفائزين وتسليم الجوائز، أنّها أجبرت نفسها على أن تمنح الجوائز للفنّانين السود هذه المرّة، على الرغم من رؤيتها أحقّيّة البيض بالفوز بها؛ بناءً على الأعمال المقدّمة وبعيدًا عن العنصريّة، وظهر ذلك من خلال الإعلان بالخطأ، الّذي حصل قبل إعلان فوز فيلم "Moonlight"؛ إذ أعلن مقدّم الحفل فوز فيلم "Lala Land"، الّذي انتشر صيته جماهيريًّا قبل الجائزة وبعدها أفضلَ فيلم للعام، ولقد تركت إدارة الجائزة منتج الفيلم ليخرج ويتحدّث عن الفيلم، وينتشي بفرحة الفوز على المسرح، طوال نصف الفترة المقرّرة للحديث تقريبًا، وهي دقيقة واحدة. إنّ الّذي لم يبدُ منطقيًّا، عدم تدارك اللجنة التنظيميّة الأمر، وعدم انتباهها للاسم الفائز، وهي واحدة من أكبر الجوائز وأهمّها في العالم. وعودةً إلى غرابة الحدث بفوز عدد كبير من الفنّانين السود بالجائزة؛ فقد اندفع عدد من الفنّانين البيض على مسرح الجائزة الفنّيّة الأشهر بعد حملتهم، ليقولوا مازحين أيضًا: "ربّما يمكن إطلاق ’أوسكار شديد السواد’ على هذه السنة".

أمّا ماهر شالا، الّذي حصل على جائزة أفضل ممثّل في دور ثانويّ، فضربت إدارة أوسكار انتقاداتها بسيف ذي حدّين عند منحها إيّاه الجائزة؛ فإضافة إلى أنّه أسود البشرة، كان الفنّان المسلم الأوّل الّذي يحصل على جائزة في التمثيل، في تاريخ الأوسكار.


ث. دونالد ترامب

وتزامن ذلك مع وصول دونالد ترامب إلى سدّة الرئاسة في الولايات المتّحدة، وإصداره تصريحات وقرارات عنصريّة بحقّ المسلمين، كانت مستنكرة من الأغلبيّة.

وسبق لترامب أن تدخّل بالشأن الفنّيّ، بانتقاده الممثّلة المرموقة ميريل ستريب، بوصفها أنّها "مبالغ فيها"؛ لأنّها سخرت منه في حفل توزيع جوائز جولدن جلوب.

 

الإيرانيّ أصغر فرهادي يقاطع الأوسكار بسبب سياسات ترامب

 

وعودًا على ما سبق، فقد كان من أوّل قرارات ترامب وأبرزها، لدى تولّيه الرئاسة، قرار الحظر الجديد، الّذي منع دخول مواطني سبع دول ذات أغلبيّة إسلاميّة، وترتّب على قرار ترامب، إجراءات معيقة ومعرقلة لإتمام الحفل بشكله الطبيعيّ. فوسط هذا التحذير والإجراءات السياسيّة المشدّدة، واعتراض الفنّانين والقائمين على مسابقة الأوسكار، على التدخّل الواضح من جانب ترامب، وعلى العنصريّة والتمييز ضدّ الإنسانيّة، يفاجأ الجميع بإعلان فوز الفيلم الإيرانيّ "البائع -The Salesman"، للمخرج أصغر فرهادي، بجائزة أوسكار لأفضل فيلم أجنبيّ، إلّا أنّ قرار ترامب، كان الأمر الّذي منع عددًا كبيرًا من المرشّحين للجوائز من الحضور، ومن بينهم فرهادي.

في المقابل، قرّر الفنّان الإيرانيّ مقاطعة حفل توزيع الجوائز في هوليوود؛ احتجاجًا على قرار حظر الإيرانيّين.

 

ج. اللاجئون

ويأتي، أيضًا، فوز فيلم "الخوذ البيضاء - The White Helmets"، للمخرج أورلاندو فون أنديزيل، بجائزة الأوسكار، عن فئة أفضل فيلم وثائقيّ قصير، في نفس سياق تحدّيات الأوسكار للقرارات الأميركيّة الأخيرة، وفي ظلّ وجود قرار بعدم السماح بدخول اللاجئين السوريّين مدّة 120 يومًا.

يتناول الفيلم قضيّة المسعفين المدنيّين في سورية، الّذين يخاطرون بحياتهم لإنقاذ الضحايا من تحت الأنقاض. ووجّه المسؤولون عن مسابقة الأوسكار دعوتين رسميّتين لكلّ من رائد الصالح، مدير منظّمة الخوذ البيضاء، والمصوّر خالد الخطيب، لحضور حفل توزيع الجوائز، وحصلا فعلًا على تأشيرتَي السفر إلى الولايات المتّحدة، وعلى الرغم من قرار الحظر الّذي شمل سورية، إلّا أنّهما قرّرا ألّا يتركا عمليهما وألّا يحضرا الحفل؛ مبرّرَين ذلك بكثافة الغارات على بعض المناطق السوريّة.

 

من "آخر الرجال في حلب" الفائز بجائزة فئة أفضل فيلم أجنبيّ لعام 2018

 

تدور أحداث الفيلم حول الهجمات الجويّة الّتي يتعرّض لها المدنيّون في الحرب الأهليّة في سورية، حيث المستجيبون الأوائل الّذين يخاطرون بحياتهم من أجل إنقاذ الضحايا من تحت الأنقاض، ومصوّر الفيلم أحد متطوّعي الدفاع المدنيّ السوريّ. ويُذكر أنّ النجم جورج كلوني أعلن تحويل الفيلم من وثائقيّ إلى روائيّ طويل، ويعمل الآن على ذلك.

وبذلك تكون أوسكار قد وقفت، بقوّة ووضوح، في وجه ترامب وسياساته العنصريّة، بصرف النظر عن أحقّيّة الفائزين بالجوائز؛ فحصول ماهر شالا على جائزة أفضل ممثّل مساعد، وهو مسلم وأسود، ناهيك عن حصول الفيلم الإيراني "البائع" على جائزة أفضل فيلم أجنبيّ، وفوز فيلم "الخوذ البيضاء" الّذي شارك فيه أبطال سوريّون؛ تُعَدّ بمنزلة ضربة استفزازيّة كبيرة من أوسكار للرئيس الأميركيّ، دونالد ترامب، وسياساته الشعواء.

 

بعيدًا عن مزاج البيت الأبيض

ودائمًا ما كانت الأوسكار، إمّا أن تحاول إبعاد فكرة التسييس عن نفسها، وإمّا أنّها كانت ترفض السياسات الأميركيّة المتعاقبة؛ ففي أماكن وحالات ومناسبات عدّة، كان للأوسكار قراراتها المستقلّة عن الإدارة الأميركيّة. وهذه أيضًا - مع كلّ ما سبق - بعض الحالات الّتي واجهت الأوسكار فيها السياسة الأمريكيّة، ووقفت في وجهها:

 

أ. اليابان

في الفترة الّتي كانت تشهد توتّرًا وعلاقات غير مستقرّة، بين أمريكا واليابان، قبل كارثتَي هيروشيما وناجازاكي وبعدهما، فاز الفيلم اليابانيّ "راشومون - Rashomon" بجائزة أفضل فيلم بلغة أجنبيّة، في حفل توزيع جوائز أوسكار الثالث والعشرين، عام 1951، ثمّ فاز الفيلم اليابانيّ "بوّابة الجحيم – Gate of Hell" بجائزة أفضل فيلم بلغة أجنبيّة، عام 1954، وفاز أيضًا الفيلم اليابانيّ "الساموراي الأوّل: موساشي مياموتو - Samurai I: Musashi Miyamoto" بجائزة أفضل فيلم بلغة أجنبيّة، في حفل توزيع جوائز الأوسكار السابع والعشرين، عام 1955.

 

 

ب. تايوان

وفي الوقت الّذي كان يشهد انقطاع العلاقات الأميركيّة التايوانيّة، منذ إغلاق سفارة الولايات المتّحدة في تايوان، عام 1979، فاز فيلم "النمر الرابض والتنّين الخفيّ - Crouching Tiger, Hidden Dragon" بجائزة أوسكار، عن أفضل فيلم أجنبيّ، عام 2000؛ إذ حصل على أربع جوائز آنذاك.

 

ث. الاتّحاد السوفييتيّ

فاز الفيلم السوفييتيّ "موسكو لا تؤمن بالدموع - Moscow Does Not Believe in Tears"، بجائزة أفضل فيلم بلغة أجنبيّة، في حفل توزيع جوائز أوسكار الثاني والخمسين، عام 1980، وهو نفس العام الّذي شهد توتّرًا كبيرًا بين أكبر قوّتين في العالم، في خضمّ حرب باردة أعقبت الحرب العالميّة الثانية، وقسمت العالم معسكرين، تتزعّم كلّ دولة أحدهما، وخصوصيّة هذا العام تكمن في مقاطعة 60 دولة، بضغط من أمريكا، دورة الألعاب الأولمبيّة الصيفيّة الّتي عُقدت في موسكو؛ احتجاجًا على الغزو السوفييتيّ لأفغانستان.

ورغم إعلان نهاية الصراع عام 1991، مع انهيار الاتّحاد السوفييتيّ، والانتقال إلى مرحلة الأحاديّة القطبيّة، بقيادة الولايات المتّحدة، ظلّ العداء التاريخيّ كامنًا في سياسات قادة الدولتين وصدورهم، وروح الندّيّة، وأحلام العودة، والمناطحة، تراود طموحات الروس، ومع ذلك؛ فلم يمنع كلّ ما فات، إدارة "أكاديميّة فنون الصور المتحرّكة وعلومها"، من منح الفيلم الروسيّ "حرقته الشمس - Burnt by the Sun"، جائزة أوسكار عن أفضل فيلم باللغة الأجنبيّة، في حفل توزيع الجوائز السادس والستّين، عام 1994.

 

 

سواء شاءت إدارة الأوسكار والمشاركون فيها التدخّل في السياسة أو أبوا، فإنّ للفنّ، بلا شكّ، دورًا وثيقًا في تجميل السياسة أو تشويهها إن شاء، وإنّ الفنّانين لبنة مهمّة من تكوين أيّ مجتمع في العالم، وعليهم تحمّل مسؤوليّاتهم ومعرفة الصواب من الخطأ؛ ليكونوا جزءًا دائمًا من عمليّة تصحيح المسار، وبقائها في الإطار الصائب.

 

غسّان فايز القيسي

 

 

كاتب فلسطينيّ يقيم في الأردنّ. يهتمّ بالشأن الفنّيّ والسينمائيّ والسياسيّ. يدرس الإذاعة والتلفزيون في جامعة 'البترا'.

 

 

 

 

 

التعليقات