19/09/2018 - 05:30

"الملاك" أشرف مروان... جاسوس من أجل السلام!

الممثّل مروان كنزاري في دور أشرف مروان | نيتفليكس

 

في الأيّام القليلة الماضية، طُرِح الفيلم الإسرائيليّ "الملاك" على شبكة "نتفليكس"، للمخرج الإسرائيليّ أرييل فرومن ذي الـ 45 عامًا، والّذي أخرج سبعة أفلام منذ عام 2011. وكغيره من الإسرائيليّين، خدم أرييل في جيش الاحتلال الإسرائيليّ، ضمن القوّات الجوّيّة، قبل أن يدرس السينما في لندن ثمّ الولايات المتّحدة بعد ذلك، ويستقرّ هناك.

 

شرعيّة لدى النظام

يحكي الفيلم قصّة تعاون الجاسوس المصريّ أشرف مروان مع المخابرات الإسرائيليّة، قبل حرب أكتوبر 1973، ومحاولة مساعدتها لتجنّب حرب أخرى بين مصر وإسرائيل.

طرْح الفيلم على شبكة "نتفليكس" سيفتح مجالًا لجمهور أكبر لمشاهدته، ولا سيّما في مصر، الّتي مُنِع فيها عرض الفيلم المصريّ السويديّ للمخرج طارق صالح، "حادثة الهيلتون"، العام الماضي؛ بسبب تناوله قضيّة القتل الّتي تورّط فيها هشام طلعت مصطفى، رجل الأعمال المصريّ الشهير، المعروف عنه الولاء لنظام الرئيس الأسبق حسني مبارك وأبنائه.

 

 

عندما أعلنت "سينما زاوية" - إحدى السينمات المستقلّة في مصر - العام الماضي، أنّ الفيلم سيُعرض على شاشتها في وسط القاهرة، لم يستمرّ الأمر أكثر من أيّام، حتّى تدخّلت قوّات الأمن ومنعت عرض الفيلم، وإذا حاولنا استنباط الأمر في هذه الفترة، ففيلم "الملاك" لن يكون أحد الخيارات المفضّلة للعرض، سواء للسلطات المصريّة أو لبعض الجماهير؛ فالأمر يتعلّق بصورة النظام وأحد رجاله الّذين عُدُّوا أبطالًا لعقود، بل إنّ جمال حسني مبارك شارك في جنازة مروان، الّذي امتلك شرعيّة دامت أكثر من ثلاثة عقود، منذ نهاية حرب أكتوبر 1973، حتّى لو كان منبوذًا من النظام نفسه.

 

المال أم السلام؟

الفيلم مستوحًى من كتاب "الملاك" للكاتب الإسرائيليّ أوري بار يوسيف، وقد صدر بالعبريّة، وتُرجم إلى لغات عدّة، من بينها الإنجليزيّة والعربيّة، بعنوان: "الملاك: الجاسوس المصريّ الّذي أنقذ إسرائيل"، وقد لقي الكتاب أصداء واسعة في الشارع المصريّ، سواء من أجل تحليل ما فيه ومحاولة معرفة حقيقة أشرف مروان، أو رفضه، كونه يشكّك في وطنيّة مروان.

"... كان مروان تحت عيون الموساد فترة من الزمن، وكان فرع لندن، الّذي كان في بحث دائم عن مصادر جديدة من الجانب العربيّ، يحتفظ بسجلّات عن صهر عبد الناصر منذ وصوله، كانوا على علم بتوقه إلى المال ... كانوا يعرفون أنّ المال يمكن أن يكون عاملًا حاسمًا؛ لتحفيز مروان على بيع أسرار بلده. إنّ قربه من عبد الناصر، واطّلاعه على الموادّ الّتي كانت تمرّ عبر مكتبه، يمكنهما أن يجعلا من مروان مصدرًا بالغ القيمة" (من كتاب "الملاك"، النسخة العربيّة، ص 42).

 

جمال عبد الناصر يصافح صهره، أشرف مروان، في حفل زفافه من ابنته منى

 

لقد وضع الكاتب الإسرائيليّ المال ضمن العوامل الأوّليّة، الّتي يمكن من خلالها جذب صهر عبد الناصر، في حين أنّ الفيلم حاول أن يبعث رسالة أكثر إنسانيّة تثير التعاطف: "مروان يسعى إلى السلام".

بطبيعة الحال، ليس من السهل الحديث عن شخصيّة مثل أشرف مروان؛ نظرًا إلى شحّ الوثائق الّتي تحكي قصّته؛ لذا فالاعتماد على كتاب واحد فقط خطأ كبير، عند صناعة فيلم يحاول تصدير قصّة للجمهور بصفتها حقيقيّة؛ فالتاريخ أكثر تعقيدًا ورعبًا من أن نراه بعين واحدة.

في الفيلم، لم أفهم - على الإطلاق - الدافع الّذي حرّك مروان لمهاتفة السفارة الإسرائيليّة في لندن، هل هي كراهيته لوالد زوجته، جمال عبد الناصر؟ أم لأنّه في حاجة إلى المال؟ في النهاية، وصل بنا الفيلم إلى أنّ الجاسوس "الملاك" فعل ذلك؛ من أجل حماية أرواح الأبرياء؛ فنرى السلام في المنطقة.

 

سذاجة

رجل ملائكيّ ذو ملامح شديدة الطيبة، يمكن أن يبكي بسهولة شديدة، ويتأثّر بمواقف إنسانيّة بسيطة، إضافة إلى أنّه ذكيّ جدًّا، وقدرته على الكذب فائقة التصديق؛ لأنّه كذب يهدف إلى السلام. هكذا نرى أشرف مروان طوال الساعتين.

لم يكن مروان كنزاري، الممثّل الهولنديّ من أصول تونسيّة، سيّئًا في تجسيد الدور، العيب الأكبر يتعلّق بطريقة سرد الفيلم وزاوية طرحه. لو أنّ الفيلم طُرِح على أنّه لا يمتّ إلى الواقع بصلة، وقدّم للمشاهد إشارات حول ماهيّة الجاسوس المصريّ، لكان الفيلم أكثر إثارة وتشويقًا.

 

غلاف كتاب "الملاك: العميل المصريّ الّذي أنقذ إسرائيل" الّذي استند عليه الفيلم

 

لكنّ الفيلم أراد أن يكون مباشرًا، أراد أن يبعث برسالة واضحة، مفادها أنّ السلام الّذي تعيشه إسرائيل مع معظم دول الجوار حاليًّا، سلام دافئ تحافظ عليه مصر قبل أيّ دولة أخرى، وربّما يكون أشرف مروان زوج ابنة عبد الناصر، وأحد الرجال المقرّبين إلى السادات، الصورة المطلوب ترويجها من خلال هذا الفيلم؛ فمروان في الفيلم هو مَن حرّك السادات، وألهمه بفكرة الحرب الّتي تؤذي إسرائيل دون أن تقضي عليها، لماذا؟ حتّى لا نتكبّد أرواحًا أكثر من المدنيّين الأبرياء. أحقًّا تعتقد أنّنا نحن المشاهدين بهذه السذاجة؟ بعيدًا عن كوني مواطنًا عربيًّا مؤمنًا بالقضيّة الفلسطينيّة، هل تظنّ عزيزي المخرج، أنّ المُشاهد الناقد سيتقبّل هذا الطرح الساذج؟

 

لغة الشخصيّات

لقد عانى أبطال العمل من ضعف عند الحديث باللهجة المصريّة، وكذلك اللهجات العربيّة الأخرى، مثل اللهجة الليبيّة، فإن كان الممثّلون قادرين على الحديث بالعربيّة، إلّا أنّ استخدام اللهجات المحلّيّة كان ركيكًا وساذجًا؛ فاستخدام العربيّة لم يحرّك شيئًا في التكوين الدراميّ للفيلم، لو كان الفيلم كاملًا باللغة الإنجليزيّة ما ضرّه شيء. وهذه من المشاكل الّتي عاناها فيلم "حادثة الهيلتون"؛ لأنّ البطل لم يكن متقنًا للهجة المصريّة. 

لكن كي أكون منصفًا؛ لن يكون من السهل لأيّ ممثّل مصريّ جديد أو مخضرم في مصر، أن يجازف ويشارك في عمله؛ فقد يعرّضه إلى قبضة الأمن المصريّة، أو سخط قطاعات من الجمهور المصريّ، فكان اللّجوء إلى ممثّلين من الوطن العربيّ.

 

القاهرة... بالعمارة الأندلسيّة

بطبيعة الحال، لن يكون سهلًا تصوير الفيلم في مصر؛ فالأفلام السياسيّة بعامّة منذ عقود تعاني هناك، فماذا لو كان الفيلم يتحدّث عن جاسوس مصريّ يتعاون مع إسرائيل؟ لذا؛ صُوّرت المشاهد في المغرب، الّتي تُعَدّ قبلة الكثير من الأفلام العالميّة حاليًّا.

 

 

إلّا أنّ تصوير المشاهد في المغرب عابته التفاصيل؛ فالمُشاهد الّذي يعلم طبيعة المعمار في منطقة المغرب الكبير، سيدرك من اللحظة الأولى أنّ هذه الشوارع بعيدة كلّ البعد عن القاهرة؛ فالطراز المعماريّ الأندلسيّ والشمال أفريقيّ الّذي يحكم المغرب غير موجود في مصر، وهذا ما وضح في كثير من المشاهد الّتي لا أعلم سبب تصويرها في بمشاهد وزاويا واسعة؛ ما يجعل تعرّفها سهلًا. كان من الممكن أن يصنع المخرج بدائل أخرى لتكوين الكادرات والزوايا، ولتلافي هذا العور.

ولا يمكن إنكار أنّ مخرج الفيلم ظهر تأثّره بفيلم "ميونيخ" لستيفن سبيلبرج، ولا سيّما أنّ القصّتين تحاكيان نفس الفترة التاريخيّة بكلّ تشابكاتها؛ فطريقة تصوير المشاهد والإضاءة، فيها ما يمكن مقارنته بفيلم "ميونيخ"؛ فالإضاءة المنخفضة (Low Key Light) في كثير من مشاهد التصوير في لندن، ما يعطي المشاهد شعورًا بالقلق والريبة، مثله مثل أفلام العصابات الأمريكيّة.

 

هل يستحقّ المشاهدة؟

الفيلم في مجمله فقير فنّيًّا ومضامينيًّا؛ فما قدّم سينمائيًّا ملامح مختلفة عن شكل الصراع العربيّ الإسرائيليّ، وصورة الشخصيّة ذات البعد الواحد عفا عليها الزمن في السينما، وإذا ما عددنا الفيلم أنّه وثيقة تاريخيّة فهذا خطأ كبير؛ لأنّه لا يقدّم وجهتَي نظر مصريّة وإسرائيليّة، مثلًا، على مستوى الحدث التاريخيّ، بل اعتمد على كتاب لمؤلّف إسرائيليّ، يمكننا التعامل معه بجدّيّة على أنّه كتاب ذو معلومات يجب التحقّق منها، ومعرفة كيف يرى الساسة المصريّون ومتّخذو القرار هذه المعلومات ومدى دقّتها، لكن للأسف، لم يصدر أيّ مستند أو كتاب تاريخيّ، يردّ على كتاب يوري جوزيف على حدّ معرفتي.

 

من مشاهد فيلم "الملاك"

 

لا أعلم ما يدور في ذهن صنّاع السينما في مصر، إذا ما أرادوا الردّ على هذا العمل بنظير له، بطاقم عمل مصريّ/ عربيّ، هل سنستطيع إنتاج فيلم بإمكانات ضخمة، يستطيع الردّ والمنافسة؟

في النهاية، لا يمكن التعامل مع الفيلم - بأيّ شكل - على أنّه وثيقة تاريخيّة، حتّى لو استلهم أحداثه من قصّة حقيقيّة؛ فالعمل فنّيّ في نهاية المطاف، لكن أضعف ممّا يستحقّ، ورغم ذلك فإنّ مشاهدته ستضيف قدرًا من إدراكنا للآخر.

 

أحمد زكريّا

 

صحافيّ ثقافيّ، مهتمّ بالكتابة في السينما والأنثربولوجيا. عمل سنوات عديدة في مجال صناعة الأخبار والأفلام الوثائقيّة، وساهم بمقالات متنوّعة في مواقع مصريّة وعربيّة وعالميّة. حصل على البكالوريوس في العلوم السياسيّة من جامعة القاهرة، والماجستير في الإعلام والدراسات الثقافيّة من جامعة لانكستر بإنجلترا.

 

 

 

التعليقات