19/11/2018 - 16:30

"مهمّشون" وسام زريق: صورة بانوراميّة لفلسطينيّي أراضي 48

من فيلم "المهمّشون" لوسام زريق

 

يحقّق الفيلم الوثائقيّ "مهمّشون" (52 دقيقة، 2018)، للمخرج الفلسطينيّ وسام زريق، انتشارًا لافتًا في ألمانيا، منذ أن بدأت جولة العروض للفيلم قبل شهرين في مدن ألمانيّة مختلفة. يروي الفيلم حكاية ثلاث شخصيّات من فلسطينيّي الأراضي المحتلّة عام 1948، يحكي من خلال قصصهم الإنسانيّة الواقع السياسيّ للفلسطينيّين داخل ما يُعرف بـ "الخطّ الأخضر".

"بدأت العمل على الفيلم قبل أربع سنوات، من خلال ورشة للأفلام الوثائقيّة، كنت آخذها في مدينة مونستير الألمانيّة. كان على كلّ مشترك أن يقدّم فكرة، ومن هناك بدأت العمل على المشروع خطوة خطوة، ثمّ عدت إلى البلاد للبحث عن الشخصيّات، وإعداد مقترح مفصّل لتقديمه للصناديق؛ من أجل البدء بالعمل على الفيلم"، هذا ما قاله وسام زريق، في حديثه إلى فُسْحَة - ثقافيّة فلسطينيّة، عن بدايات فيلمه التسجيليّ الطويل الأوّل، الّذي بفضله فاز مؤخّرًا بجائزة "صانع التأثير المستقبليّ"، من "المركز الثقافيّ" في مدينة آخن.

 

صورة بانوراميّة

اختار الفيلم المترجَم إلى اللغتين الألمانيّة والإنجليزيّة ثلاث شخصيّات؛ جميلة عاصلة، والدة الشهيد أسيل عاصلة، الّذي استشهد في قرية عرّابة، في الانتفاضة الثانية، في تشرين الأوّل (أكتوبر) 2000، وتيسير الخطيب من مدينة عكّا، الّذي يكافح من أجل لمّ الشمل، مع زوجته لَنا من مخيّم جنين، وأطفاله عدنان ويسرى وسالي، والشخصيّة الثالثة كانت الطالب نعمان أبو هويدي، من قرية وادي النعم، غير المعترف بها في النقب.

 

 

يسرد الفيلم حكاية الشخصيّات الثلاث بشكل متوازٍ؛ ليرسم من خلالهم صورة بانوراميّة سياسيّة أوسع، عن واقع النظام الاستعماريّ، من زاوية المواطنين الفلسطينيّين في أراضي 48، وما يتعرّضون له من تمييز عنصريّ.

ترافق الكاميرا الشخصيّات لتوثّق بعضًا من يوميّاتهم وما يواجهون في حياتهم؛ بسبب واقع التمييز العنصريّ؛ الأُمّ الثكلى بفقدان ابنها الّذي لا يغيب عن يومها، الزوج الباحث عن استقرار لعائلته تحت سقف واحد في مدينته، الطالب الّذي يتوجّب عليه بذل جهود مضاعفة لتحقيق طموحاته؛ بسبب غياب المرافق الحياتيّة الأساسيّة.

 

ما لا تعرفه أوروبّا

"ثمّة قضايا سياسيّة عن واقع التمييز الإسرائيليّ تخصّ الفلسطينيّين، غير معروفة في أوروبّا، وقليلة هي الأعمال الّتي تركّز على فلسطينيّي 48؛ هذا كان الدافع عندي لإعداد الفيلم. عندما كنت أدرس هنا ويسألونني: "من أين؟"، أقول لهم: "فلسطينيّ، أحمل مواطنة إسرائيليّة"؛ فكان الأمر معقّدًا بالنسبة إليهم ومجهولًا، ومنهم مَنْ يعتقد أنّ الحياة في إسرائيل بالنسبة لنا طبيعيّة. اخترت هذه القصص كي أُظهر صورة لما يعيشه عشرات الآلاف من الفلسطينيّين في النقب، في القرى غير المعترف بها، وهي في اعتقادي أمر صادم للأوروبّيّين؛ أن تكون مواطنًا وليس في قريتك مرافق وخدمات حياتيّة أساسيّة، مثل الكهرباء والماء... هذه الصور لا يرونها"، يقول زريق، ويضيف: "أمّا قصّة تيسير الخطيب فهي لإظهار واقع القوانين العنصريّة، الّتي تسنّها إسرائيل ضدّ الفلسطينيّين، مثل "قانون المواطنة". وقصّة أُمّ أسيل انعكاس لحدث مفصليّ في تاريخنا، عندما قتلت الشرطة الإسرائيليّة 13 شابًّا في المظاهرات، في تشرين الأوّل (أكتوبر) عام 2000، بشكل متقصّد".

 

 

جولة عروض

بدأ الفيلم جولة عروضه في شهر أيلول (سبتمبر) الماضي، وسوف يستمرّ حتّى نهاية العام الحالي؛ إذ جال مدنًا ألمانيّة عدّة، منها غير عرض واحد في نفس المدينة، مثلما حصل في آخن؛ حيث نُظّمت أربعة عروض، وقد كان للفيلم عرض في مدينة زيورخ في سويسرا، وثمّة آخر السنة القادمة في مدينة بازل، كما يقول وسام؛ إذ "تبنّت الفيلم بعض الجمعيّات الألمانيّة، ونظّمت له عروضًا.

واللافت أنّ جميع العروض كانت القاعات فيها تمتلئ بالجمهور، والنقاش بعد الفيلم كان مثيرًا، والردود إيجابيّة، وكان يتّضح لي دائمًا بعد كلّ نقاش، أنّهم لا يعرفون أبدًا عن الفلسطينيّين في أراضي 48. لقد حظي الفيلم بتغطية في الإعلام، وكُتبت فيه مقالات في صحف ومواقع ألمانيّة عدّة، علاوة على أنّ "منظّمة العفو الدوليّة - أمنستي" ستتبنّى بعض العروض، وسيشارك في "مهرجان جراتس" في فيينّا الشهر الجاري".

 

مُنع في ميونخ

لم يسلم الفيلم من هجوم المنظّمات والشخصيّات المؤيّدة لإسرائيل في ألمانيا؛ إذ تعرّض إلى حملة هجوم شرسة، شنّتها مجموعة مؤيّدة لإسرائيل في ميونخ قبل شهرين؛ لمنع عرضه في المدينة؛ بسبب أنّه كان مقرّرًا استضافة الفيلم من قِبَل مجموعة فلسطينيّة تنشط في حملة المقاطعة ضدّ إسرائيل. 

 

 

وعن تلك القصّة يقول زريق: "نعلم أنّ انتقاد إسرائيل في ألمانيا ليس سهلًا؛ بسبب الماضي الألمانيّ النازيّ ضدّ اليهود، وغالبًا ما يتحوّل أيّ نقد لإسرائيل إلى تهم لمعاداة الساميّة، وهذا ما حاولوا فعله مع فيلمي؛ إذ راسلَت مجموعات الصناديقَ الداعمة لفيلمي؛ بسبب هذا النشاط، الّذي كان من المفترض تنظيمه، من قِبَل مجموعة ناشطة للقضيّة الفلسطينيّة، وتدعم الـBDS . في نهاية المطاف، توجّهوا إلى صاحب القاعة - بعد حملة إعلاميّة، ونقاشات طويلة في وسائل التواصل حول هذا النشاط - الّذي قرّر، في نهاية الأمر، عدم عرض الفيلم، إلّا أنّ صاحب القاعة وعدني بأنّه سوف ينظّم عرضًا للفيلم، في فترة لاحقة".

يقول وسام إنّ "أحداث ميونخ" حول فيلمه، لم تؤثّر في جولة عروضه، وإنّه ينظّم بمعدّل عرض كلّ أسبوع، وهو يتطلّع إلى تنظيم عروض للفيلم في البلاد، مع بداية السنة القادمة؛ إذ يبحث عن مؤسّسات تستضيف عروضًا للفيلم.

 

 

ربيع عيد

 

صحافيّ فلسطينيّ، كاتب وعضو طاقم في فُسْحَة - ثقافيّة فلسطينيّة. يعمل في الصحافة منذ عدّة سنوات. كتب في العديد من المواقع والصحف العربيّة، كما عمل رئيسًا لتحرير صحيفة فصل المقال. حاصل على البكالوريوس في  العلوم السياسيّة من جامعة حيفا، والماجستير في الإعلام والدراسات الثقافيّة من معهد الدوحة للدراسات العليا.

 

 

 

التعليقات