08/01/2019 - 05:52

السينمائيّون المصريّون الّذين لم يقرعوا جدران الخزّان (1)

السينمائيّون المصريّون الّذين لم يقرعوا جدران الخزّان (1)

من فيلم "أرض السلام" (كمال الشيخ، 1957)

 

"لماذا لم تدقّوا جدران الخزّان؟ لماذا لم تقولوا؟ لماذا؟ وفجأة بدأت الصحراء كلّها تردّد الصدى: لماذا لم تدقّوا جدران الخزّان؟ لماذا لم تقرعوا جدران الخزّان؟ لماذا؟ لماذا؟ لماذا؟".

كانت هذه هي السطور الأخيرة على لسان أبي الخيزران في رواية "رجال في الشمس" (1963)، للكاتب الراحل غسّان كنفاني. ولم تختلف النهاية كثيرًا في فيلم "المخدوعون" (توفيق صالح، 1972)، المستوحى من الرواية، عندما انتهى المطاف بأجساد مروان وأسعد وأبي قيس، تحت لهيب الشمس الحارقة في الكويت.

 

أفلام مصريّة... عن فلسطين

سأحاول عبر مقالة مكوّنة من جزأين، إلقاء الضوء على الأفلام المصريّة الّتي قدّمها مخرجون مصريّون عن فلسطين، منذ عام 1948، وكيفيّة رؤيتهم للنكبة وما تلاها من أحداث.

 

 

وقد اخترت الأفلام الّتي حاولت التركيز على الواقع الفلسطينيّ أكثر من الواقع المصريّ، إن جازت الفرضيّة؛ فالصراع المصريّ الإسرائيليّ لم يظهر في هذه الأفلام بصفته مَرْكِزًا وهذه الأفلام: "فتاة من فلسطين" (محمود ذو الفقار، 1948)، و"نادية" (فطين عبد الوهّاب، 1949)، و"أرض الأبطال" (نيازي مصطفى، 1953)، و"الله معنا" (أحمد بدر خان، 1955)، و"أرض السلام" (كمال الشيخ، 1957)، و"الناصر صلاح الدين" (يوسف شاهين، 1963)، و"المخدوعون" (توفيق صالح، 1972)، و"الأقدار الدامية" (خيري بشارة، 1982)، و"ناجي العلي" (عاطف الطيّب، 1992)، و"أصحاب ولّا بيزنس" (علي إدريس، 2001)، و"بركان الغضب" (أحمد الخطيب، 2002)، و"ثنائيّة باب الشمس" (يسري نصر الله، 2004).

تغطّي هذه الأفلام مرحلة زمنيّة تبدأ من عام 1948 حتّى عام 2004، بعد ذلك أُنتجت أعمال تناولت القضيّة الفلسطينيّة بشكل ثانويّ، مثل "السفارة في العمارة" (عمرو عرفة، 2005)، وذلك العمل لم يخرج في نمطيّته عن أيّ من الأعمال المصريّة السابقة.

 

"فيلم عربيّ" باللهجة المصريّة

لا بدّ من الإشارة، بداية، إلى مسألة تتعلّق بهويّة الفيلم والصناعة السينمائيّة في السياق المصريّ. بصفتي مواطنًا مصريًّا، نشأت بصريًّا على المنتج الثقافيّ المصريّ، سواء تلفزيونيًّا أو سينمائيًّا، وكان من النادر أن نشاهد عملًا بصريًّا عربيًّا على شاشة التلفزيون المصريّ، عندما كنت في هذه السنّ، إلى درجة أنّني كنت أظنّ أنّ كثيرًا من الممثّلين العرب، الّذين يشاركون في الأعمال السينمائيّة والتلفزيونيّة، مصريّون. الصفة الّتي أردّدها حتّى اليوم هي "فيلم عربيّ"، رغم أنّ الفيلم مصريّ، والأسباب التاريخيّة مفهومة بالطبع؛ وذلك يعود إلى حقبة الدولة الناصريّة ومحاولتها دعم المشروع السينمائيّ خلال عقدَي الخمسينات والستّينات؛ فصارت الكلمة الأكثر شيوعًا هي "الفيلم العربيّ"، رغم أنّ اللهجة مصريّة وليس عربيّة فصحى، كما أنّ معظم الأفلام المعروضة لم يناقش شأنًا عربيًّا جامعًا، بل وضعًا محلّيًّا خالصًا، وهذا أمر طبيعيّ في السينما في كلّ العالم.

 

الأفلام المتناولة في الجزء الأوّل من المقالة

 

هذا التناقض أو التراوح الفكريّ بين ما هو عربيّ ومصريّ، ليس وليد الصدفة أو جنين جاء الدنيا البارحة؛ فهي جدليّة ممتدّة لعقود، ربّما طفقت مع بدايات القرن العشرين، عندما طُرحت قضيّة أو مسألة الهويّة المصريّة، على يد مفكّرين مشاهير مثل طه حسين، وأحمد لطفي السيّد، وغيرهما؛ هويّة وطنيّة في مقابل هويّة فرضها المحتلّ، سواء كان تركيًّا أو إنجليزيًّا، وجدليّة الهويّة العربيّة والمصريّة الفرعونيّة.

 

سبعة عقود...

مع نهايات عام 1948، ظهر أوّل فيلم مصريّ يتحدّث عن فلسطين وحربها، وظلّ المخرجون المصريّون يقدّمون أفلامًا بين الفينة والأخرى، تمسّ القضيّة الفلسطينيّة، سواء مصدرًا أساسيًّا لسرديّة الفيلم، أو مجرّد محور ثانويّ. وإذا حاولنا المرور سريعًا على العدد الّذي قُدّم من أفلام مصريّة تتحدّث عن القضيّة الفلسطينيّة حصرًا، فلن يتخطّى عددها العشرين فيلمًا خلال قرابة سبعة عقود، وفق البحث الّذي قمتُ به. بالتأكيد هذا الرقم لا يمكن أن يُعَدّ دقيقًا؛ فالمكتبة السينمائيّة المصريّة ضخمة للغاية، أمّا الّذي على شبكة الإنترنت، فما هو إلّا غيض من فيض.

إذًا، كيف رسم السينمائيّون المصريّون قضيّة فلسطين، دون أن يربطوها بالواقع الداخليّ المصريّ المتشابك تاريخيًّا مع القضيّة الفلسطينيّة؟ فالسينما المصريّة تعدّدت فيها الأفلام الّتي تحكي الصراع العربيّ الإسرائيليّ، ومصر في واجهته، ثمّ تأتي فلسطين ضمن شبكة الصراع، لكن ماذا عن الأفلام المصريّة الّتي كان فيها صراع الفلسطينيّين مع الكيان الصهيونيّ هو المركز؟

 

صورة متخيّلة؟

في كتابه الشهير "الجماعات المتخيّلة" (Imagined Communities)، يطرح الكاتب بينيدكت أندرسن سؤالًا جوهريًّا: "لماذا يكون البشر مستعدّين للموت من أجل ما اخترعوه؟" والمقصود بالاختراع هنا، صورة الوطن. إنّ الشعور الوطنيّ، كما يرى أندرسن، شعور مُلهم بالحبّ، حبّ في الغالب يتعلّق بالتضحية بالذات، هذه النوعيّة من الحبّ تنعكس في المنتجات الثقافيّة الخاصّة بالأمم، مثل الشعر، والخيال الأدبيّ، والموسيقى، والفيلم.

 

بينيدكت أندرسون، صاحب كتاب "الجماعات المتخيّلة" 

 

"سينما التضحية والفداء" - إن جاز تسميتها كذلك - يندرج تحت رايتها الكثير من الأفلام في بقاع العالم شتّى، وهي سينما تتغنّى بحبّ الوطن؛ والسعي لجعله في مكانة أفضل، وهذا الوطن أساسًا يرتبط بالأرض، وهذا هو أحد الملامح الأساسيّة، الّتي يمكن أن نشاهدها في الأفلام المصريّة بشكل عامّ، والّتي قُدّمت عن فلسطين بشكل أخصّ. في هذا السياق، يرى أندرسن أنّ علاقة الشعوب بالأرض تضفي تفسيرًا طبيعيًّا لكلّ شيء حولنا؛ فيصبح الانتماء إلى الوطن شعورًا غير مكتسب، بل مولود مع الشخص مثل الأرض، ليس فيه اختيار؛ لذا فالدفاع المصريّ/ العربيّ عن فلسطين لم يكن خيارًا، بل أمر طبيعيّ وفق هذا الطرح.

 وعلى الرغم من أنّنا لم نختر الوطن الّذي ننتمي إليه، إلّا أنّنا نموت من أجله، هنا الطرح السينمائيّ المصريّ، على الرغم من أنّه يقدّم لنا التفسير الطبيعيّ للدور المصريّ، إلّا أنّه أيضًا يقول إنّه اختار الدفاع عن هذه القضيّة بوعي كامل، وهذا ما وضح من خلال فيلمَي "أرض الأبطال" (نيازي مصطفى، 1953)، و"أرض السلام" (كمال الشيخ، 1957)، ويجب أن نلاحظ أسماء الأفلام المرتبطة بشكل مباشر بالأرض؛ وذلك لفهم الرسالة الخاصّة بعلاقة الجنديّ المصريّ بأرضه المصريّة والعربيّة؛ فهي أرض للأبطال والسلام، في وقت كانت تواجه المنطقة العربيّة تحدّيات التحرّر الوطنيّ من الاستعمار الأوروبّيّ الأبيض، وحرب شرسة مع كيان غاصب لأرض فلسطين.

 

 

في أفلام هذه الحقبة الزمنيّة، 1948 – 1957، جرى الحديث كثيرًا عن شرف الجنديّة والعسكريّة، وهي نوعيّة انتشرت مع مرحلة الحرب العالميّة الثانية، في أماكن مختلفة من العالم، تركّز على حياة العسكريّين، وقد كان لمصر نصيب منها مع سلسلة أفلام إسماعيل يس، الّتي انتهجت الأسلوب الكوميديّ، الّذي يتعامل مع الشخص غير الجادّ، الّذي تحوّله العسكريّة إلى شخص جادّ في إطار كوميديّ، فيه قدر كبير من السذاجة.

هي صورة الوطن متخيّلة، سواء في عقل صانعي الأفلام أو الأبطال على الشاشة؛ وقد حاولوا تكوين صورة سينمائيّة، قد تكون تمسّ الواقع، لكنّها ليست الواقع، وهذا ظهر على لسان أحد أبطال فيلم "باب الشمس" (يسري نصر الله، 2004)، الدكتور خليل، الّذي قال في معرض حديثه عن القضيّة: "بعدت فلسطين، وبدل ما تكون حقيقة صارت وهم، وصورة ما إلها معالم".

 

أفلام الوطنيّة الرسميّة

أ. الملكيّة

ما قُدّم منذ عام 1948، بداية من فيلم "فتاة من فلسطين" (محمود ذو الفقار، 1948)، ثمّ فيلم "نادية" (فطين عبد الوهّاب، 1949)، ثمّ فيلم "أرض الأبطال" (نيازي مصطفى، 1953)، و"الله معنا" (أحمد بدر خان، 1955)، و"الناصر صلاح الدين" (يوسف شاهين، 1963)، نماذج لما يمكن تسميته بـ "أفلام الوطنيّة الرسميّة"، الّتي تحدّث عنها أندرسن في كتابه، وهو مفهوم يُحدّد الكثير من فهمنا للسياق التاريخيّ، الّذي تُقدّم فيه المنتجات الثقافيّة، ومن بينها السينما.

 

 

"الوطنيّة الرسميّة" تهدف أساسًا للحفاظ على صورة الدولة القوميّة القويّة؛ فسينما فلسطين الّتي طرحتها المَلَكِيّة، أرادت أن تقدّم صورة الدولة الرائدة في الدفاع عن فلسطين، وهذا ما ظهر في أحد مشاهد فيلم "فتاة من فلسطين"، عندما شوهدت صورة أخت الملك تتقدّم صفوف التطوّع في "جيش تحرير فلسطين" في إحدى الجرائد، وكذلك في فيلم "نادية"، صورة الملك كانت في وسط أحد المشاهد، عندما تحدّث أحد رجال الدين عن أهمّيّة هزيمة الأعداء، في رسالة متكرّرة عن دور مصر تجاه فلسطين.

اتّسم هذان الفيلمان بالخطابة الشديدة، ولعلّ هذه إحدى صفات سينما هذه المرحلة؛ الأسلوب المسرحيّ؛ ففيلم "فتاة من فلسطين" انتهج أسلوبًا مباشرًا منذ دقيقته الأولى؛ عن طريق أغنية بكائيّة تقدّمها بطلة الفيلم "يا فلسطين فارقناكي، تبكي عليكي البواكي، ياللي حييت في هواكي، وفيكي فتحت عينيّا، فارقنا الأرض الخضرا، تشعل فيها نار حمرا، حسرة عليها يا حسرة، ويا ويل الصهيونيّة، يا مصر يا حنونة، يا منزل أهالينا...". الأغنية لم تخلُ من الحديث عن دور مصر الحنونة، وهو الحديث الرسميّ الّذي تبنّته – لعقود - الدولة المصريّة والنظم العربيّة، على حدّ سواء.

 

 

أمّا فيلم "نادية" فلم ينتظر صنّاعه سوى دقيقة على البداية؛ حتّى يبدأ في الدعاية السياسيّة، والمثير للاهتمام هنا، أنّ المشهد الّذي تُردّد فيه بطلة الفيلم، نادية، عباراتها الخطابيّة، كان في قاعة مدرسيّة، والبطلة معلّمة تتحوّل إلى ممرّضة بعد ذلك، والنساء هنّ طالبات يستمعن لها في شكل تلقينيّ فجّ: "ما كانش ممكن نتخلّى عن فلسطين ونسيبها تحارب لوحدها، مش من أخلاق العربيّ إنّه يسكت على الظلم، مش من أخلاق العربي إنّه يقفل على نفسه باب بيته، ويسيب جاره تحت رحمة المغتصبين"؛ فتقول إحدى التلميذات: "لكن يا ترى يا أبلة، هل الحرب هتطول؟"؛ فتردّ المُدرّسة نادية: "مهما تطول، هنفضل نجاهد لحدّ ما نحرّر فلسطين، ونرجع لها إخواننا اللاجئين اللّي شرّدوهم من وطنهم". واستمرّت الخطابة السياسيّة في المشهد بشكل مباشر للغاية؛ في محاولة للردّ على ما حدث في فلسطين؛ فالفيلم أُنتج بعد شهور قليلة من النكبة، وكان في نفس العقد الّذي أُنشِئت فيه "الجامعة العربيّة" عام 1945؛ ما ساعد على الترويج لفكرة العروبة الّتي رسّخها النظام الناصريّ بعد ذلك.

بطبيعة الحال، في هذين الفيلمين، لن نرى أيّ حديث عن تورّط سياسيّ ملكيّ في الهزيمة، بل العكس، الملك وعائلته رمز الوطنيّة والفداء، إضافة إلى أنّ مصطلح "لاجئ" طُرح هنا لأوّل مرّة، وهو أحد المصطلحات الشائكة في القانون الدوليّ، والّذي لم يُطرح بعد ذلك في أيٍّ من الأفلام الآتية حسب ما لاحظت.

 

ب. الناصريّة

مع حركة تمّوز (يوليو) 1952، قامت "الوطنيّة الرسميّة" على منطق ونكهة عروبيّة؛ في محاولة واضحة لإبراز الرؤية الناصريّة للعروبة، وليس أيّ رؤية أخرى؛ فصار صلاح الدين ناصرًا. وفي هذا الشأن يقول أندرسن: "... هذا النموذج من ’الوطنيّة الرسميّة‘ يفترض ملاءمته بشكل كبير، في لحظات وصول الثوريّين لمكان شغل السلطة، ويقومون باستخدام سلطة الدولة للمرّة الأولى في تحقيق رؤاهم" (ص 159).

 

 

وهنا يلاحظ أنّ أربعة أفلام قد أُنتجت بشكل مباشر لخدمة هذا الغرض: "أرض الأبطال"، و"الله معنا"، و"أرض السلام"، و"الناصر صلاح الدين"، في الفترة من عام 1953 حتّى عام 1963. عشر سنوات كانت كافية للغاية لبلورة الرؤية الناصريّة للمشروع الإقليميّ، وقد كان فيلم "الناصر صلاح الدين" الدليل الأوضح على ذلك، فرغم أنّ تحرير القدس محور الفيلم الأساسيّ، إلّا أنّ شخصيّة صلاح الدين ما دارت حولها القصّة السينمائيّة؛ فالسلطان/ الرئيس كان ناصرًا لكلّ قضيّة، عدل فوقف إلى جانب ملك الإنجليز عند إصابته، وكان رحيمًا ببابا الكنيسة في الكرك، وبعيدًا عن مصداقيّة الرسالة التاريخيّة في الفيلم، الرسالة السياسيّة كانت أكثر طغيانًا؛ فرحمة القائد وتسامحه انعكاس للحاكم الحاليّ، الّذي يمتلك مشروعًا قوميًّا، ربّما خذله فيه العرب، إلّا أنّه بقي نصيرًا لهم؛ وهنا يمكن رؤية شخصيّة والي عكّا الخائن، في رمزيّة إلى العرب الّذين خذلوا مشروع ناصر، عندما فشلت تجربتا الوحدة المصريّة السوريّة وحرب اليمن.

في الأفلام الثلاثة الأخرى، تظهر "الوطنيّة الرسميّة" في تحوّل الشخصيّة من إنسان مستهتر إلى شخص وطنيّ محبّ لبلاده، فمثلًا في فيلم "أرض الأبطال"، فقدَ البطل جزءًا من جسده؛ من أجل تحرير هذا الوطن، فقدَ بصره في العصر الملكيّ، واستعاده عندما قامت ثورة 1952.

 

 

أمّا في فيلم "الله معنا"، فالبطل رجل عسكريّ منضبط، يؤمن بالقضاء على فساد الملكيّة سبب هزيمة حرب فلسطين، ويفقد ذراعه من أجل القضيّة.

أمّا فيلم "أرض السلام"، فيُعَدّ بداية تبلور الرؤية الرسميّة المصريّة العروبيّة للقضيّة الفلسطينيّة، من جانب صنّاع السينما المصريّين، فمثلًا ذُكر لأوّل مرّة بشكل مباشر اسم دولة العدوّ، دون أيّ وصف يسبقها، "إسرائيل"، وهذا ما لم يحدث في الأفلام السابقة، الّتي وصفت إسرائيل بالعدوّ أو اليهود أو الصهاينة، أو "المدعوّة إسرائيل" كما حدث في فيلم "نادية"، حيث ذُكرت في إطار ساخر بين ضابطين، فقال أحدهما للآخر: "لكن أنا مش إسرائيل المزعومة؛ عشان تتجاهلني وما تعترفش بيّا".

 رغم أنّ أحداث فيلم "أرض السلام" دارت في واقع فلسطينيّ، حيث عاش الفدائيّ المصريّ وسط الفلسطينيّين؛ في محاولة لتأكيد هويّتهم العربيّة طوال الوقت، إلّا أنّ الفيلم لم يحكِ شيئًا عن القضيّة نفسها، بل أخذنا إلى قصّة حبّ تقع بين سلمى الفلسطينيّة وأحمد المصريّ، الّذي فُتن بها من أوّل نظرة. 

لم يوضّح الفيلم في أيّ مكان يعيش هؤلاء الفلسطينيّون، ثمّ إنّ المكان فيه أعداد قليلة، لا هي مدينة، ولا هو حيّ أو قرية فلسطينيّة، فقط نعلم أنّها مستعمَرة، وهذا شيء غير مفهوم؛ لأنّ المستعمَرة سيظهر فيها سكّان إسرائيليّون، إلى جانب الجنود والفلسطينيّين على أقلّ تقدير!

 

 

قدّم الفيلم طرحًا جديدًا عمّا سبق من أفلام، عندما رسم صورة الجيل الفلسطينيّ المقاوم من الصغار، في حين لم يبيّن أنّ الكبار الفلسطينيّين يقاومون، وهذا وضح في شخصيّة أحد الأطفال، عابد، الّذي قتل أحد الجنود الصهاينة، ثمّ وقع شهيدًا بعد ذلك؛ ما صنع تحوّلًا دراميًّا في كبار "المستعمَرة" الّذين قرّروا المقاومة بعد ذلك.

ولا يمكن في فيلم "أرض السلام" تغافل الفكرة المتكرّرة في كلّ هذه الأفلام؛ فالمقاتل المصريّ يقود الفلسطينيّين في العمليّة الفدائيّة، الّتي تنتهي بالجمع بين أحمد وسلمى. لم يكن مفهومًا في نهاية الفيلم سبب ترك الفلسطينيّين المكان الّذي كانوا يعيشون فيه، ولم نعلم لاحقًا أيّ شيء عن مستقبلهم.

 

 

أحمد زكريّا

 

صحافيّ ثقافيّ، مهتمّ بالكتابة في السينما والأنثربولوجيا. عمل سنوات عديدة في مجال صناعة الأخبار والأفلام الوثائقيّة، وساهم بمقالات متنوّعة في مواقع مصريّة وعربيّة وعالميّة. حصل على البكالوريوس في العلوم السياسيّة من جامعة القاهرة، والماجستير في الإعلام والدراسات الثقافيّة من جامعة لانكستر بإنجلترا.

 

 

التعليقات