03/05/2019 - 15:28

دستوبيا: مغامرة جنسية تتفوق على القمع البوليسي

دستوبيا: مغامرة جنسية تتفوق على القمع البوليسي

 

"دستوبيا"، عنوان عرضٍ لمجموعة أفلام قصيرة، تضمّنها برنامج "مهرجان حيفا المستقلّ للأفلام"، بدورته الرابعة، وقد ضمّت المجموعة خمسة أفلام تدور حكاياتها ضمن عالم "دستوبيّ" (خياليّ، تسوده الفوضى)، وهي – كدور هذا النوع من الأفلام - تسلّط الضوء على قضايا بارزة في المجتمعات المختلفة، وتصوغها بشكل ساخر ناقد.

 

"حالة طوارئ"

لعلّ أبرز ما عُرض ضمن هذه المجموعة الفيلم البلجيكيّ "حالة طوارئ"* للمخرج سباستيان بتريتي؛ إذ ينقلنا فيه سريعًا من حالة طبيعيّة، تصوّر شابّين يجلسان معًا لتناول الشاورما في أحد المطاعم، إلى حالة الفوضى، يجري فيها اعتقال الشابّين وتعريضهما إلى الضرب، وتفتيش جسديّ مُهين ينتهك الخصوصيّة إلى أبعد حدّ.

سامي وصديقه مهدي، ذوا ملامح شرقيّة، يجلسان في مطعم يقدّم طعامًا شرقيًّا، يحدّث أحدهما الآخر عن ليلته السابقة الّتي قضاها في موعد غراميّ. يجتهد الراوي في سرد تفاصيل مغامرته الجنسيّة بكلّ شغف وسعادة، في ما يستمع إليه صديقه بكلّ إمعان.

 

 

تقتحم الشرطة المطعم، ويعتقل أفرادها كلًّا من سامي (ياسين فاضل) ومهدي (إلياس بوناني)، ويُنقلان إلى مقرّ الشرطة، حيث يتعرّضان إلى الضرب والإهانة، لكنّ أيًّا من اللكمات والتعرية أو الأصفاد يحول دون استمرار سرد تفاصيل المغامرة؛ لتنتهي التجربة داخل مقرّ الشرطة بإخلاء سبيلهما.

ينتهي الفيلم بخروج المعتقلين من مقرّ الشرطة، وعند المدخل حيث يقف شرطيّان، يقول سامي ومهدي: "إلى اللقاء شباب، نراكم غدًا".

 

انفعالات في وجه القمع

سأضطرّ - بصفتي مشاهدة فلسطينيّة – إلى عدم انتزاع الواقع الّذي نعيشه عن فحوى الفيلم؛ فالوصم - بناء على الشكل الخارجيّ واللغة والاسم - من الممارسات الّتي نعرفها حقّ المعرفة، والسحنات الشرقيّة تجتذب إليها المساءلة، ومن ثَمّ "الشبهة"، حتّى إثبات البراءة! لم تتضح لي حالة الطوارئ الّتي تدفع إلى اعتقال سامي ومهدي، لكن مَنْ سيحتاج إلى مبرّر، في دول يحمل فيها "المجرمون المحتملون" تهمة الانتماء منذ الولادة؟

أمّا حالة الخراب الأكبر، والتهكّم الأكثر سحرًا في هذا الفيلم، تكمن في إصرار الشابّ على مواصلة وصف ليلته السابقة، بكلّ ما يمكن لتفاصيلها أن تجعله يضحك، ويتلاعب بنغمات صوته وينفعل، ورفيقه يبادله الانفعالات المتخمة بالإعجاب والدهشة، انفعالات لا تتمكّن ممارسات الشرطة من التغلّب عليها أو محوها أو التخفيف من نشوتها!

تؤدّي بنا الفوارق بين فحوى الصورة والصوت، إلى حالة من تبعثر التركيز للحظة، ثمّ نعود لنتابع مغامرة الحُبّ، في ما تشكّل الضربات وما يتبعها مجرّد خلفيّة مكانيّة، لا تحول دون اشتهائنا للتفاصيل.

 

توليتاريّة أوروبّا

يسخر المخرج في فيلمه المتقَن الحبكة والبصريّات، من تحوّل انتهاك حقوق الإنسان إلى ممارسة اعتياديّة، لا تتعثّر فيها سيرورة حياة الإنسان اليوميّة كثيرًا، بل يغالي في تصويرها أيضًا ببراعة، وكأنّها من مكمّلات حياة الإنسان المستهدف، يتكيّف ويتجاوب مع تعذيبه، كما لو أنّ الحديث عن تناول حبّة من الفيتامين صباح كلّ يوم.

 

 

إذا كان الفيلم الدستوبيّ، يرغب في أن يعكس أمامنا صورة عن عالم تُجرّد فيه الظروف الإنسان بعضًا من صفاته الإنسانيّة، فإنّ هذا الفيلم يلغي جزءًا منها. وإن كانت الأنظمة المعروضة فيها تميل إلى كونها توليتاريّة قامعة، فإنّ هذا الفيلم يزجّ بنا في دهاليز النموذج التوليتاريّ الأوروبّيّ الحديث، المقنّع بقفّازات بيضاء معقّمة، تعطي القمع السياسيّ شكلًا أكثر وسامة!

ذكيّ ومثير هذا الفيلم على مدار دقائقه الستّ، ينجح في التصويب على قلب أحد المظاهر العنصريّة، الأكثر قهرًا لأبناء المجتمعات الشرقيّة في أوروبّا، تلك الّتي تحدث هناك، ولكنّها أيضًا تحدث هنا، قريبًا جدًّا منّا.

 

* State Emergency Motherfucker / بلجيكا 2017/ 6 دقائق/ إخراج: سيباستيان بتريتي.

 

 

سماح بصول

 

تسكن في الرينة، شمال فلسطين. صحافيّة، محرّرة 'دوغري نت' بالعربيّة، ومركّزة مشروع الإعلام العربيّ في مركز 'إعلام'. حاصلة على البكالوريوس في اللغة العبريّة وأدبها، طالبة ماجستير في ثقافة السينما.

 

 

 

 

التعليقات