13/06/2020 - 12:26

"حيّ" لآن ماري جاسر... منع أم تخريب وزاريّ؟

المخرجة آن ماري جاسر

خاصّ فُسْحَة - ثقافيّة فلسطينيّة

جدل على وسائط التواصل الاجتماعيّ حديثًا، حول منع وزارة الثقافة الفلسطينيّة في الضفّة الغربيّة فيلمًا قصيرًا لآن ماري جاسر، يحمل اسم "حيّ"، ويتناول اللحظات الأولى في حلقات برنامج "طلّات ثقافيّة"، الّذي نُشر على حلقات بثّ مباشر عبر صفحة الوزارة الرسميّة على فيسبوك.

تقول الوزارة إنّها لم تمنع الفيلم، لكنّه لم يُنشر ولم يُبثّ، كما كان المفترض أن يحدث في فعاليّة رقميّة، أسّس لها "فيلم لاب" فلسطين، خلال فترة الحجْر الصحّيّ للوقاية من جائحة كورونا.

المخرجة الفلسطينيّة آن ماري جاسر أخبرت فُسْحَة – ثقافيّة فلسطينيّة بما حدث، فقالت إنّ الوزارة لم تمنع الفيلم رسميًّا، بل عملت بشكل فاعل على تخريبه لمنع عرضه.

 

ما الفيلم؟

الفيلم عبارة عن إعادة إنتاج للقطات الأولى من حلقات "طلّات ثقافيّة"، اللحظات الّتي تُظهر إرباك الإنسان أمام التكنولوجيا، في تقنيّة حديثة، لا تُستخدم كثيرًا ولا تُستخدم بكفايَة عالية فلسطينيًّا، لكنّها لا تزال وسيلة تواصل فاعلة بما يكفي خلال فترة العزل؛ إذ نجحت في لمّ شمل رقميّ لفنّانين وكتّاب فلسطينيّين حول العالم، وإتاحة منصّة الوزارة لهم، ليتواصلوا مع الجمهور الفلسطينيّ الّذي يتابع صفحتها.

"رأيت أشخاصًا أحبّهم وأحترمهم، لمسَت الفيديوهات قلبي، ووجدْت تلك اللحظات الإنسانيّة حزينة، وجميلة، ومؤثّرة؛ فأحببت أن أُظهر هذه الصعوبة في التعامل مع التقنيّة، كجزء من صعوبة الحياة في الحجْر الصحّيّ"...

بناء على اقتراح من "فيلم لاب"، بدأت آن ماري جاسر بعمل فيلم عن حياة الناس خلال فترة الحجْر الصحّيّ، بما لا يُعرّض أحدًا للخطر؛ أي مراعاة قواعد التباعد الاجتماعيّ وإجراءات الوقاية الصحّيّة. وحين التفتت آن ماري إلى حلقات "طلّات ثقافيّة" تابعَتها، ولفت انتباهها تفاعل المتحدّثين مع التكنولوجيا، واللحظات الإنسانيّة الّتي تجمعهم بالتقنيّة وصعوبتها، وكان هذا في نظرها جانبًا مؤثّرًا يلمس القلب؛ فهؤلاء المتحدّثون المعزولون يحاولون كسر عزلتهم وعزلة الآخرين، بالتحدّث مع جمهور لا يرونه، ويراهم من خلف شاشات الأجهزة الرقميّة. إنّه فقدان لدفء التواصل الإنسانيّ، وحزن على أنّ تواصلنا أصبح محصورًا بشاشات من داخل بيوت مغلقة.

تقول آن ماري: "رأيت أشخاصًا أحبّهم وأحترمهم، لمسَت الفيديوهات قلبي، ووجدْت تلك اللحظات الإنسانيّة حزينة، وجميلة، ومؤثّرة؛ فأحببت أن أُظهر هذه الصعوبة في التعامل مع التقنيّة، كجزء من صعوبة الحياة في الحجْر الصحّيّ، لحظات استكشاف التقنيّة، والتواصل الافتراضيّ مع الجمهور، والحديث معه بشكل غير مرئيّ، ولا سيّما أنّنا نحن الفلسطينيّين مشتَّتون أصلًا، كلٌّ في بلد، وكلٌّ في مكان؛ فأضاف الحجْر صعوبة أخرى في الوصول، غير المفروضة علينا بحكم الواقع".

 

الوزارة تعمّدت "التخريب"

تحدّثت آن ماري مع الشخصيّات فردًا فردًا، ووافق جميعهم وجميعهنّ على الظهور في الفيلم، عدا شخص واحد تردّد فاستجابت له آن ماري؛ نظرًا إلى أنّ هدف فيلمها حسّاس وإنسانيّ، ولا رغبة لديها في التسبّب بأيّ شعور بعدم الراحة لأيٍّ كان. تواصلت آن ماري، في إثر ذلك، مع الوزارة، وأرفقت برسالتها موافقة المشاركين والمشاركات، ولم تتلقَّ ردًّا، ثمّ أرسلت رسالة أخرى، ولم تتلقَّ ردًّا أيضًا.

بعد فترة، اتّصلوا بها من وزارة الثقافة طالبين منها عدم عرض الفيلم؛ لأنّه - حسب تعبيرهم - مسيء. ثمّ انهالت عليها رسائل من المشاركين، يطلبون الانسحاب من الظهور في الفيلم. واحدًا تلو الآخر راسلوا آن ماري بانسحابهم، وهي لا تعرف شيئًا عن الأسباب. تقول إنّها شعرت بأنّهم محرَجون من الوزارة، الّتي وضعت جهدًا ووقتًا في الاتّصال بهم جميعًا، مطالبة إيّاهم بالانسحاب. وليس لدينا ولا لديها أيّ تفاصيل أخرى عن هذا.

"هل يستحقّ فيلم من خمس دقائق كلّ هذه الدراما؟" تتساءل آن ماري، "لماذا ترغب الوزارة في صناعة توتّر بين الزملاء بهذه الطريقة؟ ولماذا وضعت الوزارة كلّ هذا الجهد في تخريبه؟

"هل يستحقّ فيلم من خمس دقائق كلّ هذه الدراما؟" تتساءل آن ماري، "لماذا ترغب الوزارة في صناعة توتّر بين الزملاء بهذه الطريقة؟ ولماذا وضعت الوزارة كلّ هذا الجهد في تخريبه؟ ولماذا لم يُجبنا أحد عن أسئلتنا؟ ولماذا افترضت الوزارة، أنّ من حقّها أن تطلب منّا استبدال محتوًى آخر عن إنجازاتها بمحتوى الفيلم؟".

بيد أنّ حلقات "طلّات ثقافيّة" منشورة على الفيسبوك للجمهور العامّ، وهذا يمكّن أيًّا كان من استخدامها بشرط ذكر الوزارة مصدرًا. ورغم أنّ "التريند" السينمائيّ الجديد، في إعادة إنتاج الأرشيفات في أفلام جديدة تحمل رسائل جديدة، أصبح فنًّا سينمائيًّا جميلًا ومعترفًا به عالميًّا، وعلى الرغم أيضًا من أنّ فيلم "حيّ" تجريبيّ فنّيّ، ويحمل رسالة لم نرها فلسطينيًّا حتّى الآن؛ فلم تستطع الوزارة استيعاب الفيلم، ومارست - بشكل غير مباشر - وصايتها على محتواه، كما طالبت بإضافة فقرات أخرى من اللقاءات نفسها، من أجل أن يكون الأمر عادلًا للجميع.

 

"هذا مش فيلم"!

حنّا عطالله

أخبرنا حنّا عطالله، مدير "فيلم لاب"، الجهة المنتجة للفيلم، بأنّ الوزارة رأت في الفيلم ما يسيء إليها وإلى المشاركين (الموافقين أصلًا على الظهور)، وبعد جهد اشترطت عليه إضافة "جملة" إلى مقدّمة الفيلم. استعدّ حنّا لإضافتها إن كانت جملة واحدة ستقف في وجه الفيلم، وأخبره طاقم الوزارة بأنّهم سيزوّدونهم بها. لم تصل الجملة حتّى الآن وفق حنّا، وقد تواصل مع الوزارة مرّات عديدة، ليسمع الردّ: "هذا مش فيلم"!

جادلهم حنّا بأنّه فيلم تجريبيّ، وأنّه لا يهدف إلى الإساءة إلى الوزارة، فلا هذا هدف "فيلم لاب"، ولا نيّة المخرجة. وبعد أخذ وردّ كثيرَين، لمّا تزل الجملة المنشودة لم تصل ولم ترسل، بعكس ما ورد في بيان الوزارة، وبين "سنتحدّث مع الوزير"، و"تبِّع مع ذوي الاختصاص" بقي الفيلم معلّقًا، وفق تأكيد عطالله.

 

استياء

يظهر من البيان الّذي نشرته الوزارة على صفحتها، بتاريخ السادس من حزيران (يونيو) الجاري، أنّ ثمّة مواقف حادّة من بعض المشاركين، الّذين وافقوا أصلًا على المشاركة منذ البداية؛ بعضهم يقول بوجود اختزال لموروثهم في لقطة بائسة، والبعض يقول إنّ الفيلم محاولة رخيصة لشيء ما غير واضح، والبعض يقول إنّ هدف الفيلم إظهارهم جهلة بالتكنولوجيا. جاء في البيان:

"إنّ ما يُتداوَل من مزاعم حول منع فيلم ‘حيّ‘ للمخرجة آن ماري جاسر، الّذي يتناول العمل الثقافيّ خلال أزمة كورونا، عارٍ عن الصحّة. موقف الوزارة واضح كما أبلغته لمَنْ تحدّث معها، ومنهم الفنّان الكبير محمّد بكري، وهو أنّ موافقة جميع الكتّاب والفنّانين الّذين يظهرون في المقاطع تُعَدّ شرطًا أساسيًّا، وحسب علم الوزارة لا يوجد فيلم من الأساس؛ فكلّ ما أُرسِل إلى الوزارة والكتّاب لقطات اجتُزِئت من بثّ برنامج ‘طلّات ثقافيّة‘. والأمر الوحيد الّذي أصرّت عليه الوزارة هو في حال الحصول على موافقة الكتّاب والفنّانين ضرورة إضافة هذه الجملة: ‘إنّ ظهور هؤلاء الفنّانين والكتّاب بهذا الشكل، لا يعني جهلهم بالتكنولوجيا بل إصرارهم على التواصل مع جمهورهم رغم كلّ الظروف‘. ولم يبدر من الوزارة أيّ شيء آخر بهذا الخصوص".

 

مخاطبة المشاركين بالانسحاب

محمود شقير

توجّهت فُسْحَة إلى شخصيّتين مستضافتين في "طلّات ثقافيّة" وفي فيلم "حيّ"، هما الروائيّ محمود شقير والشاعرة هند جودة، وأكّدا لنا أنّ آن ماري تواصلت معهما فعلًا بطلب إذن استخدام المقاطع، وأنّهما أعطيا موافقات مبدئيّة لها، لكنّ الوزارة خاطبتهما بطلب الانسحاب، لأنّ الفيلم محرج للضيوف ويظهرهم في لحظات ضعف إنسانيّ لا يرغبون في تسليط الضوء عليها.

قال محمود شقير: "نعم، تواصلت معي المخرجة، ووجدت فكرة القفشات ظريفة، لكنّني كنت أودّ لو أضافت بعضًا من اللقطات الناجحة  للفيلم، لأنّه بصورته الحاليّة يُظهر أنّ الأداء غير جيّد بما يكفي، بعكس الواقع، واقترحتُ على المخرجة أن تضيفها، فقالت إنّها ستفكّر بالأمر، ولم تعترض الوزارة على هذا المقترح. لا أعرف لماذا انقطع الاتّصال بين الجهتين. ’طلّات ثقافيّة‘ فكرة ممتازة، صنعت تواصلًا بين المثقّفين في الوطن والخارج والجمهور الفلسطينيّ، والمخرجة لم تقصد أيّ إساءة، والوزارة لم تقصد أيّ منع. كان الأمر بحاجة إلى معالجة أكثر إيجابيّة من الطرفين وكان هذا سيثمر ما هو أفضل للجميع".

هند جودة

أمّا الشاعرة هند جودة، فقالت إنّها رغم موافقتها المبدئيّة، ترى أنّ الفيلم لا يفي الجميع حقّهم، وقد يكون محرجًا لبعض الضيوف، "لا أعرف طبيعة التواصل بين المخرجة والوزارة، لكنّني حين تواصلت معها لأخبرها بانسحابي، بقيت أحاول الحديث مع الوزارة حتّى اللحظة الأخيرة. رأيي أنّه كان يجب التواصل مع المخرجة للتوصّل إلى نتيجة. أحزنني إيقاف الفيلم، لكنّه اختصر جلّ العمل الثقافيّ الّذي أنتجته ‘طلّات ثقافيّة‘ في الأخطاء التقنيّة، وهذا ليس عدلًا، لا للضيوف ولا للعمل ولا للإرباك غير القصديّ الّذي قد يحدث لأيّ منّا أمام التكنولوجيا".

 

وتبقى الأسئلة كثيرة...

وتبقى الأسئلة كثيرة حول هذا الأمر؛ فهل تشكّلت لجنة لدى الوزارة شاهدت الفيلم، وقرّرت أنّه ليس فيلمًا؟ أم أنّ ما وصلهم كان فعلًا مقاطع وليس شريطًا كاملًا؟ ما المعيار الّذي اعتمدته الوزارة في اعتبارها أنّ الفيلم مسيء؟ مَنْ الّذي اتّخذ القرار؟ وما المقولة الصحيحة؟ أهو ادّعاء المخرجة والمنتج بأنّ المشاركين وافقوا على المشاركة وانسحبوا نتيجة ضغط الوزارة، أم ادّعاء الوزارة المُعْلَن في بيانها بأنّ المشاركين تواصلوا معها مستائين ومستنكرين، طالبين حماية صورتهم، وعدم إظهارها بصورة "البلهاء تكنولوجيًّا"؟

 

 

التعليقات